"علي بابا" فيلم "زحمة". "زحمة وما عدش رحمة". لذلك كان الانطباع الأول مع انتهاء الفرجة وإسدال الستار علي توليفة متخمة بأشكال الترفيه التي ترضي ذوق الزبون الجاهز لهذا النوع من الأفلام الاستهلاكية الرائجة. استدعيت كلمات المطرب عدوية في الأغنية الشهيرة "زحمة يا دنيا" التي تتماهي رمزاً حياً مع هذا الحس الشعبوي المناسب للشخصية المصرية البسيطة المحبة للمرح والفرح والأجواء التي تسود في "الأفراح" لدي النسبة الأكبر من الشعب المحب للهيصة. و"الزحمة" هنا تطول حجم الصوت والصخب وسيل الفكاهة والإفيهات والسخرية والمفارقات التمثيلية الطريفة بجانب التفاصيل التي تميز لغة الجسد وأسلوب أداء الحوار واختيار الكلمات والأسماء الخاصة بالشخصيات أو بعضها فضلاً عن أشياء تساق إلي داخل المشاهد المرئية لتشحيم وتضخيم وتدخين أجواء الترفيه وشحذ المزاج وتسخين ردود الأفعال في صالة العرض. ومع بداية البداية خدعتني الصورة الجميلة لنهر النيل وحركة الكاميرا الناعمة والاستهلاك الراقي لمشهد افتتاحي رصين وقبل أن انتبه تسارعت الأسئلة. أين "الهيصة" و"الزمبليطة" وصوت المطرب الصداح والنسوان "الفواحة" والراقصة "اللولبية" والفكاهة الصاخبة والمقررات في المنهج الخاص بأفلام هذه "المدرسة" التي أصبح إنتاجها "ماركة" ممهورة بتوقيع مميز ومرض للمستهلك. لدرجة أصبحت تمثل التعريف المعتمد شفاهيا لماهية الترفيه الشعبي ليس الآن وإنما منذ فترة؟ وعشاق "الزحمة" لا يعرفون "الرحمة" أمام الأفلام الجادة وما يسمي بالسينما "المستقلة" ولا الأعمال التي وصفتها شخصياً بأفلام "الحارة السد" التي تضع المتفرج فيما يشبه "الجحيم" أو الكماشة إذا كان يسعي في ماقبل التذكرة إلي الحصول علي قدر من البهجة والترفيه والأمل أيضاً في قدر من الراحة النفسية. والواقع أن "علي بابا" فيلم ينتمي للمدرسة "السبكية" بامتياز ولكن بقدر أقل من الفجاجة ومن دون "دخان" ومع مراعاة الراحة أو التزيح للأذن وإرضاء النظر والحقيقة ان المشهد الأول لم يكن مخادعاً كما تصورت بقدر ما كان صورة جمالية مناقضة لأشكال التشوهات التي أصابت البشر في الفيلم ومنهم "علي قوله" البطل وشخصية "زبالة" و"زعبولة" بطلته... إلخ الشخصيات العديدة الطفيلية التي تعيش بلا عمل وبلا قيمة إضافية إيجابية للمجتمع علي العكس تصيب قيمه وتقاليده وخصوصيته الثقافية والدينية في الصميم. "الزحمة" علي مستوي التسلية موجودة وبسخاء في ظل الثنائي: الراقصة والمطرب. وفي فرقة من المهرجين مع الأغاني الشعبية وبكلمات وحوار يمس الوجدان والضمير الشعبي الجمعي مثل: "كما تدين تدان" "خللي بالك من أفعالك علشان حتلف لفة ورجعالك" و"الدنيا سلف ودين يا صاحبي" و"الكبير لو احترم سنه العيال مش حتقل منه". صحيح إنها مباشرة وفي إطار يفتقد المصداقية ولكنها ليست ضارة بأي حال. هذه القيم ذات علاقة قوية بالموروث الشعبي وعندما تصل عبر لحن ومطرب شعبي أو علي لسان امرأة عرفت مر الحياة قبل أن تصل لنهاية إنسانية أو عندما تصل إلي الناس من خلال عمل سينمائي مسل.. وجماهيري فقد تحدث أثراً خصوصاً أن الفيلم يتناول ويؤثم العلاقات السهلة غير الأخلاقية. ويلقي أضواء وإن ضاعت نسبياً في زحمة الصخب الترفيهي علي المشهيات التي يستطعمها المتفرج الباحث عن التسلية بدون وجع أو مشاعر تغمه. ذكاء المؤلف وذكاء المؤلف كريم فهمي الذي يلعب دور البطولة أنه يسعي إلي الجمع بين المتناقضات والمفارقات في زواج جائز ومن خلال حبكة.. لا يهم ان نغلب عليها عنصر الفبركة. فالأهم أن تكون محشوة بأقل قدر من الابتذال أو الإسفاف المعتاد ولا يعني ذلك أن "علي بابا" خال من خطيئة التحرش البصري السمعي باستخدام ألفاظً وأسماء وإيحاءات لا تحتاج إلي "لبيب" لكي يدرك ما تنطوي عليه وأحياناً بطريقة خشنة مثل إطلاق اسم "زبالة" علي شخصية هي فعلاً "زبالة" من حيث التكوين السلوكي والقيمي ولكنها ليست شريرة. ولا أريد أن اتعرض لعمل خفيف ومسل "بحذلقة" وإن كنت ببساطة أتوقع أن ينتشر اسم "زبالة" هذا وكذلك عبارة "أحبك يا زبالة" التي رددتها آيتن عامر في حب وبلهفة كنوع من المفارقة الطريفة. المؤلف يستعين بوعي أو بدون بميراث "الميلود دراما" في حكاية الابنة اللقيطة "أنا بنت مين؟".. أو "أنا بنت ناس".... إلخ. ولكن نضعها في سياق فكاهي أقرب إلي النكتة. عندما يجعل "بابا علي" أو "علي بابا" كان طفلاً وكان يعاشر الخادمة وهو في سن الحادية عشرة وهو غافل تماماً عن تداعيات هذه الخطيئة التي فاجأته في صورة ابنة يافعة ببدلة الرقص واللسان "الزفر" والخشونة المفرطة رغم جمالها لكي تطالبه بحقها وتعويضها عن زمن الحرمان بعد أن عاشت في الحارة بينما كان يعيش هو في الفيلا الأنيقة الحديثة التي تضم مكاناً وحجرة نوم سرية تفتح إلكترونياً وتضم "ركناً رومانسياً عمر السنوان ما حتشوف زيه" وهؤلاء النسوان أنيقات وفاتنات والنقيض الكامل للابنة "زعبولا" التي أصبحت بالنسبة إليه "ذنباً" قديماً عليه أن يكفر عنه علي الأقل بالكف عن التحرش ومرافقة النساء. وحيث يقول المثل "كما تدين تدان" فماذا هو فاعل والابنة تعمل في كباريه درجة ثالثة وترافق شاباً اسمه "زبالة" "أحمد فتحي".. المفارقة بين مليونير زير نساء وابنة تقترب من عمره سليطة اللسان وفتوة هذه المفارق توفر بعض المفارقات وتوظف مصدراً للفكاهة في هذا العمل الكوميدي. الكل عاطل وبلا قيمة ليس علي المتفرج أن يسأل من أين توافر لهذا الصعلوك كل هذا العز؟ ولماذا تحوم من حوله النساء ويسعين للارتباط به وهو يستمرئ هذا السلوك لأنه لم يكن هناك امرأة من دمه يخاف عليها إلي أن تظهر هذه الابنة "البرية"؟ وكأن الأخلاق وفق هذا المنطق تحكمها أمور نفعية ومخاوف فقط من أن ترد له نواقصه في أقرب أقربائه وهذه الحكمة الأخلاقية "المورال" المباشرة تأتي في بداية الفيلم وتلعب عليه. إن الابنة الحرام بالصدفة راقصة ومغنية. وبالصدفة أيضاً تعشق زبالة "أحمد فتحي" وهو صبي عالمة ومهرج ولديه جسم "فيل وعقل عصافير" ولكنه صاحب نكتة "وقفشة" أما "علي بابا" فيحيط نفسه برجل قانون "صبري فواز" فهلوي وأقرب إلي النصاب إلي جانب النساء اللاتي تخلقن حالة من الصراع والتنافس مع بعضهن البعض ومع ابنته "زعبولة". و"علي بابا" في "جرابه" أشياء كثيرة أخري و"كنوز" لا يهم من أين؟ إنه "علي بابا" في طبعة حديثة و"زعبولة" المرأة "المزة" وحولها الرجال يطلبون ودها ويصارعون أباها من أجل امتلاكها. مغارة مليئة الفيلم "مغارة" مليئة بالصوت والصورة. صوت المطرب المعتاد محمود الليثي. ويعتبر "مقرراً" ثابتاً في منهج مدرسة السبكي للإنتاج الترفيهي السينمائي و"زعبولة" هي الاكتشاف الحديث هي الراقصة آيتن عامر ومن الواضح أن الممثلة استعدت للدور وبإخلاص ومن المتوقع أن أمامها "نمر" أخري راقصة جديدة في انتظارها خصوصاً دور شخصية "زعبولة". ولكن دعونا نفكر في هدوء ونفض هذه "الزحمة" ونبحث في خضم الصخب عن "قيمة" موضوع يمكننا الإمساك بها.. فإلي جانب المفارقات المعتادة من أفلام كوميديا وثنائية "الغني والفقير" وبنت الحرام وابن الناس والصايع المرفه والطيب الهلفوت الذي يمثل شخصية الطيب الكلاسيكي في سينما الأبيض والأسود والذي كان ينطق العبارة نفسها كعنصر إضافي ولكن قبل تعديلها للفكاهة أو النكتة وإلي جانب ذلك هناك محاكاة ضمنية لحكايات وحيل أخري من أفلام الأبيض والأسود وقد لا يتلفت كثيرون إلي "الإدانة" التي تضع جميع هذه الشخصيات الطفيلية في الفيلم داخل إطار سلبي واعتقد أنه مقصود. لأننا وسط هذا الزحام المسلي لا نجد شخصية إيجابية واحدة فالجميع "لصوص" في نهاية الأمر هناك فاسدون من الجنسين "رجال وحريم" وهم من سقط المتاع إنسانياً لا يصلح منهم أحد يحتذي به. أفضل إخراج للنص المخرج وليد الحلفاوي في تجربته الأولي هذه قدم أفضل إخراج للنص بتركيبته هذه وذلك من خلال عمل سهل الهضم لا يكلف المشاهد غير النظر والسمع وربما "السلطنة" أيضاً مع كلمات أغنية تعجب ولاد البلد وتغازل الحس الشعبي عموماً "كلمات ملاك عادل". وطاقم الممثلين في هذا العمل قدم أيضاً في دوره إضافته الخاصة المرتجلة للنص المكتوب. والشامل لأنواع مختلفة من الترفيه. ترفيه الكباريهات الرخيصة وسينما الميلودراما الخفيفة. و؟؟؟؟؟ الرقص بأسلوب آيتن عامر المستلهم من ميراث طويل في هذا الفن وكذلك قدم الفيلم نماذج من ظاهرة الساقطات الجدد الباحثات عن الثراء والعز المجاني بدون اجتهاد أو عمل اللهم الجهد المبذول في إغراء الزبائن ومنهم الدوجوان علي الباحث عن المتعة والحياة الحلوة. واللافت أن الفيلم في نهاية المطاف وربما بدون قصد هذه المرة يضع كل هؤلاء في سلة الزبالة إلي جانب "زبالة" شخصياً.. فلا تحسبن الفخامة في السيارة الفارهة الفريدة. ولا البدلة الحمراء للنصاب المحترف في الفيلم الذي لعب دوره باقناع محمد ثروت والذي أصبح مع بيومي فؤاد حاضرين بشكل شبه دائم علي الشاشة. وبيومي ظهر في مشهد واحد وكذلك علي ربيع ضمن فرقة المضحكين. يعوز السينما علي غرار هذا الفيلم. أن تبقي ربما علي هذا الحشد والزحام المسلي كبضاعة مطلوبة ولكن داخل بناء متماسك وأقل عشوائية. ومع وعي بضرورة أن يغلب علي أجواء المرح في الفيلم قدره أقل من مظاهر الخشونة والغلطة اللفظية والإيحاءات الحسية الموجهة التي لا تضيف حقيقة إلي عنصر التسلية. إن قدر صناعة الترفيه السينمائي في هذه المرحلة الصعبة أن يصل المنتج إلي المستهلك بأقل قدر من الخسارة. وبالذات علي مستوي التذوق الفني وبقدر أعلي من الاحترام لإنسانيته وتقاليد المتفرج.