عنوان الفيلم "أمن دولت" قلل كثيرا من حجم التوقعات بالنسبة للناقد والمقدمات الدعائية علي شاشة التليفزيون كرست الاحساس بأنه مجرد عمل ترفيهي يقتصر في تحقيق مهمة الاضحاك علي استخدام أشكال التهريج عديم التوقير. وعلي الإفيهات واللوازم المحرومة من الذوق والفاقدة للقيمة فنيا وموضوعيا.. فضلا عن أن قراءة بعض مما كتب عنه يجعلنا نتصور أنه إحد الأعمال الموجهة عمدا لتجميل صورة رجل الشرطة المنتمي لجهاز أمن الدولة سيء السمعة الذي تم حله بعد ثورة 25 يناير. المفارقة الطريفة أن الفيلم يتضمن كل هذه الحيل التقليدية العتيقة لنوعية من الفيلم الكوميدي. مثل استخدام "التورتة" في تشويه الوجه. والضرب من غير سبب علي صفحة الوجه أو القفا والمزاح اللفظي المثير للضحك والأطفال ذوي السمات والمهارات السلوكية الغريبة الخ الخ. قدم المخرج أكرم فريد كل هذه الحيل ولكن بطريقة تجعلها "فرز أول" أعني بضاعة غير معيوبة بقول آخر فكاهة من دون إسفاف مستفز. وبرسالة مغلفة تساق ضمنيا وتدين ممارسات بعض افراد هذا الجهاز علي نحو خفيف وتصور جانباً دالاً من طبيعة القائمين علي أمره ومن دون أن تسبب أي نوع من الإزعاج. ويقدم الفيلم في البداية مشاهد تدل علي القسوة وأساليب التعذيب وعالجها بصخب وتهريج لا يمحو دلالتها الواقعية. عنصر التشخيص استحضر المؤلف نموذجين لرجل الأمن: الأول "سامي مغاوري" المسئول الكبير الصارم في هذا الجهاز والحقيقة انه رجل فارغ العقل عاجز ومخدوع في طبيعته ضابط الشرطة الشاب "حمادة هلال" الطيب الذي دخل كلية الشرطة فقط لإرضاء والده الفلاح عضو مجلس الشعب الذي سعي إلي مزيد من الوجاهة والنفوذ بدخول ابنه جهاز أمن الدولة. ويعود مؤلف الفيلم إلي الانماط الاستهلاكية النمطية لاستحضار صورة الفلاح من البوم السينما القديم وصورة الفلاحة الدميمة ابنة الفلاح الثري الذي اراد الأب أن يزوجها لابنه لتحقيق قدرمن الثراء. ولكن بقدر الاستخفاف والنمطية في رسم الشخصيات"الكبيرة" سناً حالفه التوفيق في اختيار مجموعة الأطفال الصغار الذي كانوا "فاكهة" الفيلم ومصدر جاذبيته في الحقيقة. المصادفات.. لعبت الدور الأكبر في الايهام بأن الشخصية الرئيسية بخلفيتها الريفية وتكوينه النفسي الرقيق. شخصية شجاعة ويعتمد عليها كنموذج لرجل الأمن والصالح لانجاز المهام الصعبة. والمفارقة بين البطولة الوهمية والصورة الحقيقية "للبطل" شكلت إحدي حيل الفيلم لإثارة الضحك ولكن في إطار سيناريو ضعيف وعمل فكاهي تقليدي لم تكن كلها مثيرة لا للاعجاب ولا للضحك. يبدأ الفعل الكوميدي المثير للمرح والتفاعل الفعلي مع الشاشة عندما يدخل ضابط أمن الدولة إلي بيت "دولت" المسافرة في مهمة لحراسة أبنائها الذين يواجهون خطرا محدقا بسبب قرار إتخذته الأم في الأممالمتحدة. الاطفال المدللون باختلاف أعمارهم يشتبكون مع الضابط الطفيلي كل علي طريقته. الطفل المهووس بشخصية السوبر مان. والصبية الظريفة ناقلة الأخبار التي تجيد التلصص والفتاة المودرن المراهقة والصبي وصديقه وجهاز الكمبيوتر الذي يحقق لهم التواصل مع شباب مثلهم يستعدون ليوم 25 يناير اي يوم الشرطة حيث يتجه الجميع إلي ميدان التحرير. كل شخصية من أبناء "دولت" عزة بهاء الأربعة تمثل حالة والتعامل مع كل حالة علي حدة بشكل مغامرة واللقاء مع مدرسة الأطفال الجميلة "شيرين عادل" يرسم الطريقة لقصة رومانسية مع الضابط المكلف بحراسة الأطفال.. تضيف إلي عناصر التسلية الحبكة سريعة وفضفاضة. والخيال حركي سارح علي حسب الريح مع أحداث مصطنعة تناسب توجه الفيلم الساعي أساسا إلي الترفيه اللحظي دون حسابات لأي اعتبارات غير إثارة الضحك وخلق مواقف لغناء المطرب ومشاهد رومانسية شيقه وأيضا مشاهد من "التحرير" أيام الثورة حيث يشارك فيها الابن الأكبر "لدولت" التي تأتي من رحلتها قبل نهاية الفيلم وتستعيد أولادها ومعهم "الدرس" الخصوصي الذي تركه ضابط الأمن" إختيار الأطفال كما أشرت كان موفقا جدا وإدارتهم تمثيليا من قبل المخرج حققت جرعة الترفيه الرئيسية والخيط الذي شده المؤلف وربطه بالثورة لم يكن نشاذا وإنما إشارة إلي جيل تشكل وعيه من خلال العلاقة مع وسائل الاتصال الحديثة. النشاذ في هذه الخلطة الفنية شخصية حمادة هلال كما رسمها الفيلم. المطرب الممثل الضابط في جهاز أمن الدولة الذي يشترط فيمن يتم اختيارهم الحنكة والتكتم والرصانة والدماغ المغسولة بمسحوق يغسل اكثر بياضا والمعبأة بأصول ومهام وطبيعة ودور وعلوم ومعني الأمن عموما وأمن الدولة بصفة خاصة. فالشخصية ان لن تكن تحسيناً للصورة فهي بالتأكيد تزييفاً لها. اللعب بالاطفال وتوظيفهم في عمل كوميدي وتوليد الفكاهة من طبائعهم التي يرسمها لهم سيناريو بحيث ويوفر السمات المستفزة لكل شخصية ويعطيها الطابع السلوكي الفريد والطريف أحد أهم العوامل التي وفرت للفيلم حظه من النجاح. وحمادة هلال فيما يبدو لديه جمهور يتفاعل مع أفلامه وصوت غنائي مقبول يستغله في هذه الأفلام ويجعل الأقبال علي أمن دولت أفضل من الإقبال علي فيلم اكثر جدية واكثر قيمة فنية مثل فيلم "كف القمر" المعروض في نفس المجمع السينمائي في نفس التوقيت وفي موسم العيد.