ثار جدل في الآونة الأخيرة حول الرسوم المادية التي يتم تطبيقها علي من سبق له أداء مناسك العمرة خلال السنوات الثلاث الماضية.. فالبعض يري أن هذا القرار صائب لأنه يتماشي مع الدولة التي تمر بمظروف صعبة تحتاج إلي تضافر الجهود لإنعاش الاقتصاد وعمل مشاريع تنموية يستفيد بها الناس وبالتالي فإن ترشيد نفقات الحج والعمرة خاصة للذين سبق لهم أداء هذه المناسك أكثر من مرة من باب فقه الموازنات والأولويات.. بينما يري البعض الآخر أنه يستحب تكرار العمرة وهذا من باب الفضائل لا الفرائض ومن باب الترغيب في العمرة. "المساء الديني" ناقش هذه القضية مع علماء الدين من خلال هذه السطور. يقول د. شوقي علام مفتي الجمهورية إن أبواب الخير والبر في الإسلام كثيرة وفضل الله تعالي واسع. والطريق إليه علي عدد أنفاس بني آدم .. وتُعَدُّ شعيرتا الحج والعمرة من أبواب الخير العميم والفضل الجزيل. نظريا لتضمن أعمالهما علي جملة كبيرة من العبادات والقُرَب .. وقد حثَّ الشرع الشريف علي تكرارهما والمتابعة بينهما. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: "العُمْرَةُ إِلَي العُمْرَةِ كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهُمَا. وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الجَنَّةُ" وعن عمر رضي الله عنه. عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ. كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". أكد د. علام أنه عند تأمل هذه النصوص الشريفة نجد أنها تتناول استحباب تكرار التطوع بالحج والعمرة ما لم يترتب علي ذلك تزاحم الحقوق في أموال المكلفين. وعدم كفاية الفقراء وإنعاش الاقتصاد ومواساة المحتاجين. وهي حقوق وواجبات شرعية واجتماعية. مع تخفيف حدة الزحام حتي يتمكن الحجاج الذين لم يسبق لهم أداء هذه المناسك لأدائها في سهولة ويسر .. فإذا تكاثرت الحقوق وتزاحمت واشتدت الحاجة إلي أموال الأغنياء لمواساة الفقراء ونجدة المحتاجين. وكانت نفقات الحج والعمرة بحيث لو أُنفِقَت علي الفقراء لقامت بكفايتهم وغيرت أحوالهم من الفقر إلي الكفاية. فإن أحب النفقة إلي الله تعالي حينئذ هو ما كان أنفع للناس وأجدي في صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم. كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلي النبيِّ صلي الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلي الله "وأي الأعمال أحب إلي الله عز وجل" فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إلي اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ. وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَي اللَّهِ سُرُوري تُدْخِلُهُ عَلَي مُسْلِمي. أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَة. أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنيا. أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعا. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخي لي فِي حَاجَة أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْريا. وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ. وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ -وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ- مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنيا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ مَشَي مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَة حَتَّي أَثْبَتَها لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ عَلَي الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ". أشار مفتي الجمهورية إلي أن الصدقة علي الفقير وكفايته أولي من نافلة الحج والعمرة. لأنها عبادة متعديةَ النفع. وذلك بخلاف حج التطوع وعمرة التطوع» فنفعهما قاصر علي صاحبهما. وقد راعي الشرع الإسلامي ترتيب الأولويات. فأمر عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية علي القاصرة. والعامة علي الخاصة. والناجزة علي المتوقعة. والمتيقنة علي الموهومة .. وبالتالي فإن توجيه نفقة نافلة الحج والعمرة إلي أعمال الخير وتنمية المجتمع ومواساة الفقراء وأصحاب الحاجات ومساعدة المرضي غير القادرين وسداد ديون المدينين أرجي في القبول وأجزل في الثواب وأكثر في الأجر عند الله تعالي من تكرار الحج والعمرة» فالإسلام يعطي الفرد قدرا كبيرا من الأهمية والمكانة بقدر اهتمامه بمصلحة المجتمع وتحقيق التكافل الاجتماعي فيه. فروض كفايات قال الدكتور محمد مختار جمعة. وزير الأوقاف. إن قضاء حوائج الناس من إطعام الجائع وكساء العاري أولي من تكرار العمرة. ذلك لأن تكرار العمرة إنما هو من باب النوافل. أما إطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض فمن فروض الكفايات. وهي مقدمة علي النوافل. أضاف وزير الأوقاف أنه في الأوقات التي تكون فيه الدول في سعة ورخاء ليس فيها جائع ولا محتاج فلا حرج في تكرار الحج أو العمرة للقادر المستطيع. أما في اللحظات التي تكون فيها الدول في ظروف اقتصادية صعبة فمن الأفضل الإنفاق في أوجه الرعاية الاجتماعية والصحية لإنقاذ حياة الناس. أكد أن التعليم والبنية التحتية والمشاريع القومية في تلك المرحلة التي تمر بها البلاد أولي من تكرار العمرة أو الحج. مشيرا إلي أن هذا الحكم الشرعي مرحلي. بمعني أن حاجة الدولة أولي الآن من العمرة لمن يرغب في الثواب العظيم. وبالتالي لا يحدد ذلك رجال الدين. ولكن رجال الاقتصاد هم من يحددون. وحيثما وجدت مصلحة البلاد فثم شرع الله. الموازنة بين الخيرين تتساءل د. آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا هل الصواب أن يؤدي الإنسان العمرة أكثر من مرة . والحج أكثر من مرة لمن أدي الفريضة .أم المساهمة في المشروعات التعميرية والتعليمية والعلاجية والإنتاجية ؟.. وتجيب بأن كلا الأمرين خير لكن الأولي أن يختار الإنسان بين خير الخيرين . وأن يوازن بين الأهم والمهم .بين المصالح المتعارضة والمتقاربة. مع أن الحج فريضة افترضها الله علي عباده مشروطة بالاستطاعة فقال تعالي: "وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" وهو حق لله تعالي مجرد ومندوب كل خمس سنوات . ومع ذلك إذا تعارض مع حق للعباد كالدين فيقدم حق العباد علي أداء فريضة الحج لأن حقوق العباد مبنية علي المخاصمة ولا تبرأ الذمة إلا بأدائها وهكذا العمرة نعلم أنها واجبة في العمر مرة واحدة ولكن يستحب تكرارها وهذا من باب الفضائل لا الفرائض . ومن باب الترغيب في العمرة. ما لم يصب الإنسان كبيرة من الكبائر. ومع ذلك فالصلاة أعظم من العمرة والحج لأنها مكفرة للذنوب قال صلي الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس. والجمعة إلي الجمعة. ورمضان إلي رمضان كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر". فالأهم الانشغال بالعمرة وتكرارها مع كون الإنسان مضيعا للحقوق والواجبات . بل ولديه من هم أشد حاجة إلي النذر اليسير من المال للتعليم. أو الإعفاف. أو العلاج. بل بناء المشروعات الخدمية أو الاستثمارية التي يعم نفعها للأجيال المتعاقبة. كالزراعة والصناعة والمساهمة بهذا المال بمساندة الشباب في المشروعات الصغيرة. ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة .المشروعات العلمية والطبية فهذا نفع عام ومصلحة أعم بل وأهم ومأجور عليها الإنسان ويظل أجرها باقيا صدقة جارية إلي يوم القيامة فعن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له". فالأولوية تقديم المصالح العامة والنفع العام علي الخاص فإذا وضعت بعض الضوابط پللحد من تكرار العمرة في السنة أكثر من مرة للتنظيم والاستفادة بالأموال وإعادة توجيهها في البناء والإعمار. والخير أي للمصالح فذلك من باب المفاضلة بين الأعمال وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع وهذا من باب فقه الموازنات والأولويات التي تنظم حركة المجتمعات.