كل دول العالم المتحضر تخطط للمستقبل سواء لاسعاد شعوبها أو حمايتهم من كوارث لمجرد ظهور شواهد عليها أو احتمال وقوعها بعد عشرات السنين. الامارات مثلاً استحدثت وزارتين للسعادة والتسامح وسوف تنشيء 3 وزارات أخري للذكاء الاصطناعي والعلوم المتقدمة والأمن الغذائي وهو ماسيجعل هذا البلد الشقيق يقفز قفزات هائلة في شتي مجالات الحياة.. كما وجدنا اغلب دول العالم تركز علي قضية "تغير المناخ" لما في ذلك من اضرار مستقبلية مدمرة للبشرية وللكرة الأرضية بصفة عامة. الأممالمتحدة حذرت في تقارير لها حول "المياه " ضمن تحذيراتها لعدة دول من فقدان مصر لنصف مساحة الدلتا بحلول عام 2100 بسبب التناقص الحاد للمياه العذبة ونحر البحر. هناك بلدان كثيرة سبق تحذيرها قبل سنوات عديدة من فقدان المياه لأسباب مناخية تارة ومجتمعية تارة أخري وسياسية واقتصادية تارة ثالثة ولم تصدق أو اهملت حتي اصطدمت بالواقع المر: * فينيسيا الايطالية التي تتميز بأن كل مبانيها عبارة عن جزر منفصلة وسط بحيرة من المياه ويتم التواصل فيما بينها بالقوارب .. فينيسيا الجميلة هذه انخفضت فيها المياه بشكل حاد جداً مما يهدد جغرافيتها الخلابة ويسبب اضراراً اقتصادية فادحة لها حيث تقوم اساساً علي السياحة. * مدينة كيب تاون بجنوب افريقيا كان قد تم تحذيرها عام 2014 من انها ستواجه ازمة مياه حادة قريباً ولم يصدق احد فيها ذلك .. الآن وبعد 4 سنوات فقط ونتيجة للاهمال والاسراف اصبحت بلا مياه تقريباً وأضحي الناس يقفون بالطوابير علي حنفيات المياه العمومية. * العراق طول عمره يسمي "أرض الرافدين" نسبة الي نهري دجلة والفرات .. وهي ارض مطمع لدول كثيرة خاصة تركيا واسرائيل .. وقد تم التحذير بشدة من ان مشروع الغاب التركي سوف يدمر نهر دجلة تماماً ونظراً للأحداث المتلاحقة التي تعرض لها العراق لم يفكر احد في كيفية الحيلولة دون ذلك .. الآن نهر دجلة توقف عن الجريان لأول مرة منذ خلق الله الأرض وتحول إلي "برك" بسبب انشاء 22 سداً تركياً بمساعدة 67 شركة اسرائيلية . اعود لتحذير الأممالمتحدة من فقدان مصر لنصف مساحة الدلتا بعد 82 سنة تقريباً .. فرغم ان الواقع يؤكد اننا سنتأثر حتماً بانشاء سد النهضة الأثيوبي علي الأقل طوال فترة ملء الخزان وان البدائل المتاحة وحدها سواء المياه الجوفية أو ماتنتجه محطات التحلية لن تفي باحتياجاتنا وان الهرتلة غير العلمية الشغالة الآن ممن يزعمون انهم خبراء مياه وري هي كارثة الكوارث حيث تخدر الناس بغش مفضوح يكذبه الواقع المعاش فعلاً .. رغم كل هذا نجد ايضاً ان كثيراً من الناس يتعاملون مع المياه باستهتار شديد وجهل أشد يصل إلي حد الجريمة في حق المياه النقية العذبة التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات ناهيك عن قيمتها كأكسير للحياة قال فيها المولي عز وجل من فوق 7 سماوات قبل 1439 سنة "وجعلنا من الماء كل شيء حي". وهانحن نري بأنفسنا جرائم لا حصر لها ضد المياه من غسيل للسيارات في كل شارع وحارة وزقاق وقرية ونجع . وري لملاعب الكرة والجولف والحدائق والأشجار امام البيوت. ورش للشوارع غير الممهدة لعدم اثارة الأتربة أو امام المقاهي التي اصبحت اكثر عدداً من البيوت لترطيب الجو لزبائن الشيشة والمعسل ناهيك عن ان الكثير من المواطنين يفتحون الحنفيات وينسونها أو يتركون التالف منها دون اصلاح فتنساب منها المياه النقية في الصرف الصحي اضافة الي ترك ورد النيل يزداد ويزداد ويبتلع قرابة ربع حصتنا من المياه .. وغير ذلك كثير من صور التخلف والجهل وانعدام المسئولية. ياناس .. ياهوه .. مايحدث حرام وجريمة الجرائم .. هل لابد ان نواجه الواقع المرعب حتي نتأكد من ازمة المياه ؟؟.. الحل في رأيي لابد ان يكون مزدوجاً : * أولاً .. المفروض ان تتخذ الحكومة اجراءات صارمة وعقوبات مغلظة ضد كل من يستهتر بالمياه ويسيء استخدامها .. وفي نفس الوقت يجب عليها ان توفر مصادر مياه "معالجة" لري الملاعب والحدائق وغسل السيارات وان تطهر مجري النهر وفروعه من ورد النيل والمخلفات. * ثانياً .. ان يرشد المواطن استهلاكه من المياه .. لا اقول ان يمتنع عن الشرب والطبخ والغسيل والاستحمام بل اقول ان يكون ذلك بحساب وان يبادر باصلاح حنفيات بيته اذا حدث بها عطل والا يلقي المياه النقية في الشارع وغير ذلك من الأمثلة التي ترفع الضغط .. لابد من تغيير ثقافتنا في التعامل مع المياه .. انها احياناً تكون اغلي من كنوز الدنيا وقطرة منها تساوي الحياة ذاتها . هل تريدون ان تصبحوا مثل مواطني كيب تاون .. ان تقفوا طوابير امام حنفيات المياه العمومية ويقيني انكم رأيتم هذا المشهد علي الطبيعة وبعضكم عاشه قبل سنوات بالمناطق العشوائية ؟؟ صدقوني .. هذا المشهد قابل للتكرار ثانية .. اذا كنتم "حنيتم له فان الكلاكيت" هذه المرة في ايديكم انتم .. حكومة ومواطنين .. وساعتها لن تلوموا الا انفسكم .. ولات ساعة مندم . حفظ الله مصر .. وتحيا مصر وطناً وشعباً وقيادة وجيشاً وشرطة .. والمجد لشهدائنا من المسلمين والأقباط.