من منا لم يلحظ التدهور الذي أصاب علاقاتنا الاجتماعية لتصبح السمة الغالبة فيها سوء الظن وتصيد الأخطاء وإلقاء اللوم.. فخلت معظم البيوت من الهدوء والسكينة والود والرحمة ولم تعد هناك الألفة والصلة التي كانت تربط بين الجيران.. وصارت معظم الوجوه عابسة متجهمة.. العبارات المتبادلة حادة جافة إلا من رحم ربي. لا ننكر ان الأحوال الاقتصادية وضغوط الحياة وطبيعة العصر والأحداث المتلاحقة لها تأثير لا يستهان به ولكن هناك حقيقة غائبة عنا أعمق بكثير هي اننا لا نعرف الأسلوب الأمثل الذي نتعامل من خلاله في كل أمور حياتنا لنظل دائما في حالة رضا ومصالحة مع أنفسنا وغيرنا. وضع لنا الله طريقا واحدا لا ثاني له لكل حياتنا إذا جعلناه نصب أعيننا وبذلنا كل الجهد من أجله فبمجرد الوصول إليه ستنطلق بسرعة وسهولة "كن فيكون" الإلهية لأنه طريقه سبحانه وتعالي. ما يحدث هو اهدار الوقت والجهد في طرق أخري بعيدة كل البعد عن المسار الصحيح كمن يفتح بابا بمفتاح لا يخصه فيظل يحاول مرة بصبر ومرات بضجر ويلقي اللوم علي المفتاح والباب وكأن العيب فيهما ولا ينتبه إلي السبب الحقيقي للمشكلة فأني له بحلها؟ هذا ما توضحه الآية الكريمة "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" فإذا عدنا إلي قضية التدهور في علاقاتنا الإنسانية سنجد علاجها في توجيهين ربانيين أحدهما من القرآن الكريم والثاني من السنة المطهرة وهما كافيان لإصلاح ذات البين علي كل الوجوه. التوجيه الأول في قوله تعالي "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". والثاني "ما دخل اللين في شيء إلا زانه وما خلا من شيء إلا شانه" وإذا قلت جربت وفشلت فابحث عن الخطأ عندك في النية أو الطريقة أو في فهم الاحسان علي انه محدد في فعل بعينه يصلح للجميع وهذا مخالف للواقع لأن الاحسان بالنسبة لشخص قد يكون اساءة بالنسبة إلي آخر.. ففرق كبير بين ان تكون نيتك في الاحسان موجهة لله الذي أمرنا بالتواد والترحم وبين التلون نفاقا لارضاء البشر. وهناك مثل يضربه علماء التنمية البشرية لتبسيط مفهوم الاحسان بأنك لو أردت ارضاء "أرنب" نعم "أرنب" فصنعت له وليمة كبيرة من الطعام الفاخر وأنت تظن انك قدمت له ما يفوق أحلامه ثم تفاجأ بأنه لم يرض لأن الاحسان بالنسبة إليه مجرد تقديم بعض الجزرات.. قس علي هذا كل تعاملاتنا الإنسانية فيجب ان تكون لدي كل منا باقة كبيرة من ألوان الاحسان يتعامل بها بذكاء مع من حوله بنية خالصة لوجه الله وقتها ستبهره النتائج.