طارق رسلان يطالب ب«كشف هيئة» للراغبين في الانضمام لكليات التربية    الشيوخ يفتتح جلسته لمناقشة دراسة مقدمة لكليات التربية والواقع المأمول    الرقابة النووية: مصر لم تتأثر بالضربات الأمريكية على المنشآت النووية في إيران    نرمين الفقي: الزواج «رزق».. وأدعو أن يُعوضني الله عن سنوات الوحدة    "الصحفيين" تخاطب "الأعلى للإعلام" لحل أزمة بدل صحفيي "الطريق"    ما هي الإجراءات والمستندات المطلوبة للترشح فى انتخابات مجلس الشيوخ؟ اعرف التفاصيل    كيفية استخراج وتجديد جواز السفر المصري إلكترونيًا    برعاية وزارية ومشاركة دولية واسعة.. "أجريتك 2025" يجمع المزارعين والعلماء والقطاع الخاص لنشر الوعي بالزراعة الذكية والخضراء    «تسهيلات ضريبية ووضع الأجور».. اجتماع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء ووزير المالية    خالد أبو بكر: بدء تفعيل البرنامج المصرى لتعزيز الطاقة عالميا    من بينها مصر والهند والبرازيل.. الحزام الصناعي الجديد بالأسواق الناشئة يتجه لتجاوز الاقتصادات الكبرى    محافظ القليوبية يتفقد فرع مكتبة مصر العامة في شبرا الخيمة    بين القبعة الحمراء وغرفة العمليات.. ترامب يتحول من صانع سلام لمشعل حروب    وزير خارجية العراق يؤكد لنظيره الإيراني أهمية تفعيل لجنة الاتصال الوزارية لاحتواء الأزمة    3 وفيات و74 مصابا.. ارتفاع حصيلة ضحايا سقوط جماهير مولودية الجزائر من مدرجات ملعب 5 جويلية    ديكو يحسم مستقبل تشيزني في برشلونة    الأهلي وبيراميدز ينافسان الزمالك على ضم هداف البنك الأهلي    جوارديولا يكشف عن وجهته المستقبلية    كريم رمزي: ريبيرو استنزف لاعبي الأهلي تكتيكيا.. وبورتو ليس في أفضل حالاته    "عيب والناس فهمت أنا بتكلم عن مين".. إكرامي يوجه رسالة غامضة بسبب الأهلي    مشوار استثنائي حافل بالإنجازات .. ليفربول يحتفي بمرور 8 سنوات على انضمام محمد صلاح وبدء رحلته الأسطورية    الشباب والرياضة بالأقصر: 3890 مستفيدًا من 45 فعالية خلال أسبوع    صعب وطويل.. تباين آراء طلاب الثانوية العامة في امتحان العربي بقنا| فيديو    النيابة العامة تبدأ تحقيقاتها في واقعة انهيار عقار «بحري» في الإسكندرية    «الأرصاد» توضح حالة الطقس اليوم الأحد والظواهر الجوية المتوقعة    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    ضبط المتهمين بتسلق طائرة هيكلية في الشرقية    "مش قادرة تدفع مصاريف المدرسة".. تفاصيل تخلص سيدة من أطفالها بالشروق    مجدي يعقوب من ميدان الكيت كات: «تمثالي ليس تكريمًا لي فقط»    فساتين «روبى ونانسى» الأعلى سعرًا    أحمد عزمي: توقيت عرض «حرب الجبالي» مثالي وساهم في نجاحه| خاص    أجندة قصور الثقافة.. افتتاح قصر ثقافة نخل وقاطية بشمال سيناء واستمرار عروض مهرجان فرق الأقاليم    وزير التعليم العالي يتفقد مركز أسوان للقلب ويشاهد إجراء عملية قلب مفتوح    إطلاق برنامج "عيشها بصحة" لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    وكيل الطب العلاجي بالدقهلية: رفع كفاءة المستشفيات وتشغيل الأجهزة الحيوية    وكيل صحة قنا يعتذر لمريض في منزله.. ويؤكد : لا تهاون مع المقصرين    وزير الإسكان يتفقد المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين بجهاز مدينة بدر    إبادة غزة.. استشهاد 26 فلسطينيا في هجمات إسرائيلية على القطاع    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لعامل بتهمة الاتجار في المخدرات وحيازة سلاح دون ترخيص بالقليوبية    زينة تُفاجئ جمهورها بدور مذيعة في فيلم "الشيطان شاطر"    خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟    "حياة كريمة" تقترب من إنجاز مرحلتها الأولى بتكلفة 350 مليار جنيه.. أكثر من 500 قرية تم تطويرها و18 مليون مستفيد    روايات أدبية تتحول إلى أفلام في 2025.. موسم صيد الغزلان وبنات الباشا وإذما أبرز النصوص    الحرس الثورى الإيرانى: الطائرات المشاركة بالهجوم على إيران تحت المراقبة    كورتوا: لا نلتفت للانتقادات وعلينا الفوز على باتشوكا لانتزاع الصدارة    غسلو 90 مليون جنيه.. سقوط شبكة خطيرة حاولت تغطية جرائمها بأنشطة وهمية    خبير صحراوي: لا تأثير سلبي لمنخفض القطارة على المياه الجوفية    زلزال بقوة 5.2 درجة قرب جزر توكارا جنوب غربي اليابان    مصدر إيراني: نقلنا معظم اليورانيوم من منشأة «فوردو» إلى موقع آخر    د.عبدالراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "15" .. التساؤلات العشر حول ناكر الجميل    الحرس الثوري الإيراني: القدرات الأساسية للقوات المسلحة لم يتم تفعيلها بعد    «الرعاية الصحية»: إطلاق برنامج «عيشها بصحة» لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في عطلة الصاغة الأحد 22 يونيو 2025    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن الظن وسلامة الصدر
نشر في الفجر يوم 29 - 04 - 2016

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ (الحجرات: 12).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ( متفق عليه).
وروى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى الكعبة فقال: (ما أعظم حرمتك وما أعظم حقك، والمسلم أعظم حرمة منك، حرم الله ماله وحرم دمه وحرم عرضه وأذاه، وأن يظن به ظن سوء).
وسوء الظن بالمسلم يدعو إلى الخوف وتوجس الشر منه، وبالتالي التجسس والتحسس، وما يترتب على ذلك من التقاطع والتدابر وفساد القلوب، وكلها أخلاق ذميمة نهى عنها الشارع الحكيم، وطيب القلوب وسلامة الصدور وستر العيوب وتجاهلها والتغافل عنها من شيم فضلاء المسلمين مع إخوانهم.
قال الغزالي في الإحياء: فكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئ أخيك، يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن به، فسوء الظن غيبة بالقلب ولا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكنك أن تحمله على وجه حسن، وتحمل ما تشاهده من سيئ على سهو أو نسيان.
ويجب أن يعلم أنه لا منافاة بين كون الشخص يأخذ الاحتياطات اللازمة لأمنه، وبين كونه حسن الظن بالناس، فحسن الظن بهم لا يعني أن تفرط في نفسك أو مالك، وهذا منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.
لعله يحسن بنا قبل الشروع في بيان مفهوم (حسن الظن) أن ننظر إلى معنى الظن لغويًّا؛ حيث إنه يدل على أكثر من معنى.
حسن الظن لغة:
الحسن: الحاء والسين والنون أصل واحدٌ، فالحسن ضد القبح، يقال: رجلٌ حسنٌ، وامرأة حسناء، وحُسانةٌ، والحسن: الجمال.
أما الظن في اللغة فإنه مصدر قولهم ظن يظن ظنا، وهو مأخوذ من مادة (ظ ن ن) التي تدل على معنيين: أحدهما اليقين والآخر الشك.
قال الراغب: الظن: اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم.
وقال ابن منظور: الظن شك ويقين، إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم، وفي التنزيل العزيز: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ (الحاقة: 20) أي علمت.
وقال الجوهري: الظن معروفٌ، وقد يُوضع موضع العلم.
الظن اصطلاحًا:
قال الكفوي: الظن: أخذ طرفي الشك بصفة الرجحان وقال أيضًا: والراجح إن قاربه إمكان المرجوح يسمى ظنا، أو هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم.
وقال ابن العربي: الظن تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر.
وعلى هذا فحسن الظن ترجيح جانب الخير على جانب الشر.
معاني كلمة الظن في القرآن الكريم:
ورد الظن في القرآن مجملًا على أوجه:
بمعنى اليقين، وبمعنى الشك، وبمعنى التهمة، وبمعنى الحسبان.
فالذي بمعنى اليقين مثاله قوله تعالى: ﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ (القيامة: 28).
﴿ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ (فصلت: 48).
وأما الذي بمعنى الشك والتهمة فمنه قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ ﴾ (الحج: 15).
﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ ﴾ (الأحزاب: 10).
وأما الذي بمعنى الحسبان فمنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾ (الحشر:2) يعني بني قريظة وحصونهم.
والظن في كثير من الأمور مذموم، ولهذا قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ (الحجرات: 12).
ضابط معنى الظن في القرآن الكريم ضابطان:
أحدهما: أنه حيث وجد الظن محمودًا مثابًا عليه فهو يقين، وحيث وجد مذمومًا متوعدًا عليه بالعذاب فهو الشك.
الثاني: أن كل ظن يتصل به أن المخففة فهو شك نحو قوله تعالى: ﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ ﴾ (الفتح: 12)، وكل ظن يتصل به أن المشددة فهو يقين كقوله تعالى: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ (الحاقة: 20)، والمعنى في ذلك أن: "أنَّ" المشددة للتأكيد فدخلت في اليقين، والمخففة بخلافها فدخلت في الشك.
أقسام الظن وأحكامه:
صفوة القول أن الظن لا يخرج عن أمور خمسة:
الأول: الظن المحرم، وهو سوء الظن بالله، ويقابله وجوب حسن الظن بالله.
الثاني: حُرمة سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، والمطلوب حسن الظن بهم.
الثالث: الظن المباح، وهو الذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الريبة، وهذا الظن لا يُحقق.
الرابع: الظن المندوب إليه، وهو حسن الظن بالأخ المسلم وعليه الثواب.
الخامس: الظن المأمور به، وهو الظن فيما لم ينص عليه دليل يوصلنا إلى العلم، وقد تعبدنا الله بالاقتصار على الغالب الظني فيه، كقبول شهادة العدول وتحري القبلة وأُروش الجنايات التي لم ينص في تقديرها.
بيان أهمية حسن الظن بالله تعالى:
إن حسن الظن بالله تعالى من الأمور التي أوصى بها الرسول، ولا شك بأن سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام قد دلنا وأرشدنا إلى خير ما يعلمه لنا، وحذرنا وأنذرنا من شر ما يعلمه لنا؛ ولذا فقد جاء في الحديث الصحيح، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ) لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل (. أخرجه مسلم. قال الخطابي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: "وقد يكون أيضًا حسن الظن بالله من ناحية الرجاء وتأميل العفو" سنن أبي داود. وقال العظيم آبادي في عون المعبود: "أي لا يموت أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة وهي حسن الظن بالله بأن يغفر له؛ فالنهي وإن كان في الظاهر عن الموت؛ لكن في الحقيقة عن حالة ينقطع عندها الرجاء لسوء العمل كي لا يصادفه الموت عليها". قاله علي القاري ثم قال: وقال النووي في شرح المهذب: "معنى تحسين الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه وما وعد به أهل التوحيد وما سيبدلهم من الرحمة، يوم القيامة، كما قال -سبحانه وتعالى- في الحديث الصحيح: ) أنا عند ظن عبدي بي ( هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء" سنن أبي داود.
إن حسن الظن بالله تعالى يرتبط ارتباطًا كبيرًا بنواحي عقدية وسلوكية متعددة، فهو يرتبط بالتوكل على الله والثقة به؛ حيث إنك لا تتوكل إلا على من تحسن الظن به، ولذا فقد جعله الإمام ابن القيم -رحمه الله- تعالى أحد درجات التوكل فقال: الدرجة الخامسة: حسن الظن بالله عز وجل فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله.
ومما يُجلّي أهمية هذا الأمر واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله؛ فمن الناس من اتكل على حسن ظنه بربه، واعتمد عليه مع إقامته على المعاصي، متناسيًا ما توعد الله به من وقع في مساخطه وما يغضبه، وغافلًا عن الخوف من الله حتى وقع في الغرور.
وعلى النقيض من هذا: من ساء ظنه بربه فاعتقد بالله خلاف مقتضى أسمائه وصفاته، واقعًا بما وصف الله به الكفار والمنافقين من أنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.
ومن هنا يتضح لنا أن مسلك حسن الظن بالله مسلك دقيق، ومنهج وسط بين نقيضين، لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصًا له سبحانه. ولذا كان على المؤمن أن يتحرى معرفة المنهج الصحيح في حسن الظن بالله حتى لا يقع فيما نهى الله عنه من الغرور أو سوء الظن بالله تعالى.
السلف وحسن الظن بالله:
1- كان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول: " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك ".
2- وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: " والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خير من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه الله -عز وجل- ظنه؛ ذلك بأن الخير في يده ".
3- وسفيان الثوري -رحمه الله- كان يقول: " ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي؛ فربي خير لي من والدي ".
4- وكان يقول عند قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ﴾ أحسنوا بالله الظن.
صور من إساءة الظن بالله تعالى:
1- من قنط من رحمته ويأس من روحه، فقد ظن به ظن السوء.
2- من ظن به أن يترك خلقه سُدى، معطلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه، بل يتركهم هملًا كالأنعام، فقد ظن به ظن السوء.
3- من ظن أنه لا سمع له ولا بصر، ولا علم له ولا إرادة، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق ولا يتكلم أبدًا، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، أي بلا كيف، وكما وصف الله به نفسه، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.
4- من ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السوء.
من فوائد حسن الظن:
حسن الظن خلق فريد وأمر حض عليه الإسلام، وهو من أبرز أسباب التماسك الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، حسن الظن راحة للفؤاد، وطمأنينة للنفس، وسلامة من أذى الخواطر المقلقة التي تفني الجسد، وتهدم الروح، وتطرد السعادة، وتكدر العيش، بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى، وتزرع بذور الشر، وتلصق التهم والمفاسد بالمسلمين الأبرياء، لذلك كان أصلًا من أصول أخلاق الإسلام، وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف، فإن هذا عين الكذب ) إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ( [ رواه البخاري ] وقد نهى الرب -جلا وعلا- عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ وما ذاك إلا لأن الظن سيئة كبيرة موقعة لكثير من المنكرات العظيمة؛ إذ هو ذريعة للتجسس، كما أنه دافع إلى الوقوع في الغيبية المحرمة ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتدوم بيننا المحبة والوئام، وتصفوا القلوب والصدور، وتزول الشحناء والبغضاء.
ورحم الله القائل:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه.
حسن الظن بالآخرين:
ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد.
إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر، وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلًا ولا حقدًا، امتثالًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا).
وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة، فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.
من الأسباب المعينة على حُسن الظن:
1- الدعاء:
فإنه باب كل خير، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا.
2- إنزال النفس منزلة الغير:
فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه، وضع نفسه مكانه، لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ (النُّورِ: 12).
وأشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه، فكأنما يسلم على نفسه: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ (النُّور: 61).
3- حمل الكلام على أحسن المحامل:
هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا". وانظر إلى الإمام الشافعي -رحمه الله- حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير. فهكذا تكون الأخوة الحقيقية، إحسان الظن بالإخوان، حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
4- التماس الأعذار للآخرين:
فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذرًا.
وقال ابن سيرين -رحمه الله-: " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه ". إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك:

تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا لعل له عذرًا وأنت تلوم.
5- تجنب الحكم على النيات:
وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ.
6- استحضار آفات سوء الظن:
فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي، فضلًا عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه قال تعالى: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ (النجم: 32).
وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ (النساء: 49).
إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين.
فضل سلامة القلب:
وها أنا ذا أذكر بعض فضائلها؛ عسى أن تكون حافزة لنا على الأخذ بها والحرص عليها:
1- فمن فضائل سلامة الصدر أنها صفة أهل الجنة الذين هم خير أهل ومعشر قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ (الشعراء: 88-89).
2- ومن فضائل سلامة الصدر أن صاحبها خير الناس وأفضلهم فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد سئل أي الناس أفضل؟ فقال: ) كل مخموم القلب صدوق اللسان (. قالوا: فما مخموم القلب؟ قال: ) هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد ( رواه ابن ماجه.
فبدأ بالتقوى التي تثمر صفاء القلوب وسلامتها من الآفات والرذائل.
3- ومن فضائل سلامة الصدر أنها من موجبات الجنة، فعن أنس بن مالك قال: كنا جلوسًا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: ) يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان اليوم الثاني قال النبي مقالته الأولى. فطلع ذلك الرجل، وكذلك في اليوم الثالث. فلما قام النبي –صلى الله عليه وسلم- تبع عبد الله بن عمرو بن العاص ذلك الرجل فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثًا؟ فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي؟ فقال: نعم. قال أنس (راوي الحديث): وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله -عز وجل- وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت ثلاث مرات. فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به. فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ذلك؟ قال: ما هو إلا ما رأيت. قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ( رواه أحمد.
4- من فضائل سلامة الصدر جمعية القلب على الخير والبر والطاعة والصلاح، فليس أروح للمرء ولا أطرد للهم ولا أقر للعين من سلامة الصدر على عباد الله المسلمين.
5- ومن فضائل سلامة الصدر أنها تقطع سلاسل العيوب وأسباب الذنوب، فإن من سلم صدره وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة والظنون السيئة، عف لسانه عن الغيبة والنميمة.
الوسائل المعينة على سلامة القلوب:
وسائل سلامة القلوب متعددة، منها: ضرورة تفقد القلب بين الحين والآخر، أشد من تفقد الأبدان، قال -صلى الله عليه وسلم-: ) ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ ( رواه البخاري.
ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ) وأسْألُكَ لِسَانًا صَادِقًا وَقَلْبًا سَلِيمًا ( رواه الترمذي. فيتفقد المرء نفسه، ويدعو ربه بسلامة قلبه. ويقبل على ربه بعمل الطاعات والقربات. كذلك كلما تذكر المرء الآخرة خاف من المصير، وأقبل على إصلاح قلبه، فيتذكر ويتأثر: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ (الأنفال: 2-4).
ومن الوسائل الناجعة لإصلاح القلوب: عدم إساءة الظن بالناس، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ (الحجرات: 12) وينبغي للمسلم أن يبتعد عن الإساءة والظن السيئ بالناس، ليسلم له قلبه من الآفات، وليكن همه حب الخير للغير، ونصحهم وإرشادهم، والشفقة عليهم، والإصلاح بينهم، قال تعالى: ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ (النساء: 114) وقال تعالى: ﴿ فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ (الأنفال: 1).
قال ابن سعدي: " فاتَّقُوا اللَّهَ" بامتثال أوامره واجتناب نواهيه "وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ" أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن، والتقاطع، والتدابر، بالتوادد، والتحاب، والتواصل، فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل بسبب التقاطع من التخاصم، والتشاجر، والتنازع. ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر. والأمر الجامع لذلك كله: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾. ولذا وجب على المسلمين القيام بما يصلح قلوبهم، ويهذب نفوسهم، وينقوا القلوب من أمراضها الفاتكة، وأدوائها المزمنة، نسأل الله صدورًا سليمة، وقلوبًا طاهرة نقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.