كتب الملك فاروق في مذكراته التي نشرها في مجلة بريطانية عقب تنازله عن العرش وسفره إلي أوروبا قائلاً لا تستهينوا بافريقيا هي سند مصر وظهيرها القوي وكان الملك يقصد في حقيقة الأمر انه من افريقيا يأتي الرخاء عبر نهر النيل. هذا النهر الذي كانت كل الأمور تتحرك حوله فلو انخفض الفيضان وقلت مياهه تعثرت الزراعة وتضاءل الدخل.. بل وقد يصل الأمر إلي حدوث مجاعة وفي كتب التاريخ قرأنا عن مآس كثيرة تعرض لها المصريون نتيجة نقص الفيضان وبعكس الحال عندما كان يفيض كانت الاحوال تتحسن ويعم الرخاء.. بل وتكثر الافراح وتزداد دخول الناس. وفي نهاية القرن ال 19 جاء إلي مصر زعيم الحركة الصهيونية العالمية وعرض علي الخديو عباس حلمي الثاني عدة ملايين من الجنيهات مقابل منح اليهود مساحة نحو 600 ميل مربع حول العريش ولكن اللورد المعتمد البريطاني اعترض علي هذا الاقتراح ورفض رفضا باتا قائلا ان مياه النيل لا يمكن ان تصل إلي شمال سيناء وإذا وصلت فإن أراض كثيرة في مصر لن تصلها هذه المياه وربما تتصحر الأراضي المصرية نتيجة توصيل مياه النيل إلي شمال سيناء. والحقيقة ان افريقيا هي كنز مليء بالخيرات.. أراضيها خصبة وباطنها عامر بالمعادن والثروات الطبيعية ولهذا جرت إليها دول أوروبا.. طبعا لاستعمارها واستنزاف مواردها.. ذهبت إليها انجلترا وفرنسا والمانيا وبلجيكا وايطاليا.. كل دولة من هذه الدول سارعت واحتلت بلدا من البلاد الافريقية واستعمرتها طوال سنوات عديدة.. دفعها إلي ذلك ان القارة السمراء واقصد بها افريقيا تعد من أغني قارات العالم.. ذهبوا إليها لينهبوا هذه الثروات. كان ذلك يحدث والعالم العربي يجري ويلهث وراء هذه الدول الأوروبية وتركوا ينابيع الخير نهبا للغير وبصراحة كاملة فإن الذي أيقظ هذه الدول وطالب باستقلالها كان الرئيس جمال عبدالناصر الذي بذل جهودا مضنية حتي استطاع ان ينقذ معظم الدول المحتلة من براثن دول أوروبا المستعمرة والواقع ان عبدالناصر كان باعث ثورة الاستقلال في افريقيا.. إلا ان محمد علي باشا كان صاحب الرؤية الثاقبة في الكشف عن المجهول فأرسل الحملات التي أنارت الطريق امام العالم نحو هذه القارة الغنية والحقيقة ان افريقيا قامت بعد جمال عبدالناصر.. ولم يكن أحد يفكر في الاهتمام بها.. بينما لجأ كثير من المستثمرين ورجال الأعمال الأوروبيين في الذهاب إليها والقيام بمشروعات هناك ولعلي اذكر الممثل العالمي وليام هولدين الذي ذهب إلي كينيا واقام هناك فندقا رائعا فوق جذوع الاشجار وغيره ذهب إلي جنوب افريقيا ليستخرج الذهب والماس.. وآخرون ذهبوا إلي نيجيريا ليكتشفوا منابع البترول وغيرهم عملوا في الماس والألومنيوم وغيرها من المعادن. كل ذلك فعله أهل أوروبا بينما نحن المصريين لم نفكر في الاتجاه إليها.. بل ان الدكتور بطرس غالي وكان وزير دولة للشئون الخارجية المصرية وكان متخصصا في الشئون الافريقية حاول تكوين جماعة حوض النيل ولكنه لم ينجح لتقاعس القيادة المصرية وقتها ولم يكن هناك أحد يفكر في اقامة مشروعات خدمية أو استثمارية أو المشاركة في أي مشروع يفيد أهل افريقيا واهل مصر بل والأكثر من ذلك لم تكن دول افريقيا ترتبط بعضها ببعض بوسائل نقل جوي مباشرة لكن كان السفر عادة بين مدينة ومدينة أخري افريقية يتم من خلال مدينة ثالثة أوروبية. والآن بدأت الأمور تتضح واتجه الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي دول افريقيا وابدي اهتماما بها ودعا المصريين إلي القيام بالمشروعات التنموية في دول افريقيا ولمس الرئيس السيسي ان التعاون بين مصر ودول القارة هو الطريق إلي الحياة الأفضل وإلي تحقيق الرفاهية وان الخير يمكن ان يعم علي القارة كلها. لابد وان يعود الشعار الذي كان قائما "افريقيا للافريقيين" وليس لدول أخري والتعاون بين الدول الافريقية افضل من الاعتماد علي الغير ومصر دائما مفتوحة لكل ابناء القارة السمراء والتكامل بينها هو أفضل السبل لتحقيق غاية كل افريقي. ليتنا نفعل مثل ما فعلت دول أوروبا عندما اتحدت واصبح لديها عملة واحدة وتأشيرة دخول واحدة صالحة لكل البلاد الأوروبية.. بصراحة نحن الافريقيين اصحاب ثروة ويجب علينا ان نستغلها جميعا في سبيل مصلحة كل دول القارة بدون تدخل من اجنبي أو من قارة اخري.