نيسان تشارك ب4 سيارات سيدان ودفع رباعي ب«معرض بكين».. لن تصدق مواصفاتها    المنطقة علي صفيح ساخن.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني واحتمالات الحرب| تحليل    للمرة الثانية على التوالي.. علي فرج يتوج ببطولة الجونة للإسكواش    محافظ القاهرة: حملة لرفع الإشغالات وإعادة الانضباط بشبرا    كلام نهائي.. موعد امتحانات نهاية العام وبدء الأجازة بالجامعات    توب مكشوف.. هنا الزاهد تغازل جمهورها في أحدث ظهور    بإطلالة جريئة.. حلا شيحة تبرز أنوثتها فى أحدث جلسة تصوير    سميرة أحمد تكشف سر خلافها مع وفاء صادق    ذوي الهمم والعمالة غير المنتظمة وحماية الأطفال، وزارة العمل تفتح الملفات الصعبة    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    جماعة الحوثي تشن 5 هجمات ضد السفن في البحر الأحمر.. فيديو    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    محافظ القاهرة: تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال بكل حزم    الزراعة: إصلاح الفدان الواحد يكلف الدولة 300 ألف جنيه    وزيرة التخطيط: الفجوة التمويلية في الدول النامية تصل إلى 56%    برلماني: استرداد سيناء ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    اختفاء دول.. خبير أبراج يتوقع مرور العالم بأزمات خطيرة    كرم جبر : الرئيس السيسي رفض الرد على نتنياهو أكثر من مرة    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    الأونروا: قطاع غزة يشهد موجة حر غير عادية فاقمت الأزمة المعيشية    سميرة أحمد تكشف أسباب خلافها مع وفاء صادق: «بتيجي متأخرة»    كرم جبر: الجهود المصرية تركز على عدم اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية    وزيرة «التخطيط» تشارك بمنتدى التمويل من أجل التنمية بالأمم المتحدة    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى فاقوس المركزي ويحيل مشرف التغذية للتحقيق    الاحتفاء بالشاعر عيد صالح في العودة إلى الجذور بدمياط.. الاثنين المقبل    صلاح ضمن التشكيل الأفضل للدوري الإنجليزي    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    صُناع مسلسل «أعلى نسبة مُشاهدة» ضيوف «يحدث في مصر».. الليلة    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مؤتمر تين هاج: تطورنا بطريقة جيدة للغاية.. وهذا ما طلبته من اللاعبين    رضا العزب: شيكابالا مش أسطورة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    الوكالة اللبنانية: الجيش الإسرائيلي قصف عناصر دفاع مدني أثناء إخمادهم حريقا    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    أول تعليق من كلوب بعد تقارير اتفاق ليفربول مع خليفته    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاقة مصر بالقارة السمراء.. بدأت منذ الفراعنة
نشر في المساء يوم 02 - 12 - 2017

أيام وتنطلق بشرم الشيخ فعاليات المنتدي الأفريقي الثاني الذي تنظمه وزارة الاستثمار بالتعاون مع الوكالة الاقليمية للاستثمار التابعة لمنظمة الكوميسا.. يستمر المنتدي ثلاثة أيام من 7 إلي 9 ديسمبر الحالي تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.. كان المنتدي الأول قد عقد في شهر فبراير من العام الماضي وحضره نحو 1500 شخص من مختلف الدول الافريقية ومن بعض دول العالم كما شارك فيها رئيس وزراء أثيوبيا هيل ماريام دسالين.. حيث تم بحث عدة موضوعات تتعلق بالتجارة والاستثمار بافريقيا ومصر والعالم وبحضور عدد من رؤساء دول وحكومات ووزراء وشخصيات رفيعة المستوي في مختلف المجالات العربية والافريقية والواقع ان هدف هذه المنتديات التي يدعو إليها الرئيس عبدالفتاح السيسي هي تحقيق التعاون الفعال بين الدول الافريقية من خلال توسيع دائرة الاستثمار.
وفي منتدي هذا العام سيضاف إلي الموضوعات المقررة بحث ما تحقق من توصيات منتدي عام 2016 والبحث في المزيد من المشروعات التي تحتاجها القارة السمراء وكذلك استكمال الجهود المبذولة لدفع مسيرة التنمية وتعزيز الشراكة الاقتصادية كما يستعرض المنتدي قصصا عن نجاح السيدات الأفارقة في مجال الأعمال التجاربة والاستثمار في مجالات الزراعة والبيئة والبنية التحتية.
والحقيقة انه منذ زمن الفراعنة وهناك اهتمام مصري بالأقاليم الافريقية وهناك علاقات اقتصادية واجتماعية وهجرات متبادلة بين المصريين والأفارقة.. وخبت هذه العلاقات فترات طويلة اخري وكان من النادر ان يلتقي أي من الزعماء مع غيرهم من الأفارقة إلي أن أتي محمد علي باشا الذي رأي كما كان يري فراعنة مصر ان مصر والسودان جزءان لا ينفصلان والحدود الجغرافية تشمل وادي النيل من منبعه إلي مصبه وبالتالي لا تقبل هذه الوحدة الطبيعية أي تجزئة حيث جمعتهما روابط الوطن والتاريخ وصلات الدم والنسب. لم يكن الكلام عن وحدة مصر والسودان مجرد تقارير للخبراء والمؤرخين والمكتشفين ولكن هذه الوحدة أكدتها النقوش التي سجلها الفراعنة علي جدران المعابد والمسلات ان ملوك مصر الاقدمين مثل زوسر وسنفرو وأون وحرحوف وبيي وسيتي وغيرهم الذين قاموا برحلات متعددة اجتازوا خلالها حدود مصر الجنوبية وبلاد النوبة ووصلوا إلي نقطة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق حتي وصلوا إلي بلاد بونت التي كانت تضم اريتريا والصومال علي الساحل الشرقي للبحر الأحمر واقاموا مع أهالي هذه الجهات علاقة تجارية وتدل الوثائق المرتبطة بالاكتشافات بأن مصر واصلت رحلاتها لاكتشاف افريقيا عبر العصور المختلفة.
ويقول الدكتور عبدالعليم خلاف في كتابه مصر وافريقيا ان هذه الرحلات لم تتعد منطقة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق.
أيام الفراعنة
وكان الفراعنة يرتادون مناطق الأراضي الجنوبية منذ عام 3200 قبل الميلاد واطلقوا عليها كلمة "خنت" أي الأراضي الجنوبية واستوطن بعض المصريين أجزاء منها.. أما أصل كلمة السودان فهي تعني بلاد "السود" حيث زحفت اعداد كبيرة من الزنوج إلي مناطق الأراضي الجنوبية هذه واستوطنوها ونظرا لأن ألوانهم سوداء فقد اطلقوا علي هذه المناطق بلاد السود ثم تحولت بعد ذلك إلي لفظ السودان.
مع ان الاهتمام الحقيقي بافريقيا يعود إلي محمد علي باشا ثم نامت هذه الاهتمامات بعده لتعود مع اسماعيل باشا خديو مصر ثم نامت مرة أخري لتستيقظ مع ثورة 23 يوليو 1952 واستمر هذا الاهتمام رغم ما كانت تعانيه مصر من حروب وانتهاكات مع إسرائيل ومعاداة الغرب لمصر.. وبعد وفاة عبدالناصر لم يعد هناك اهتمام جاد وحقيقي علي مدي عصرين كاملين هي عصر المرحوم أنور السادات وعصر الرئيس الأسبق حسني مبارك وفي جميع الأحوال لا يستطيع أي قاريء للتاريخ ان ينكر الجهود التي اتبعتها مصر نحو احتضان افريقيا بصفة عامة والسودان بصفة خاصة التي كانت تعرف بمناطق جنوب الوادي ولم تكن السودان علي سبيل المثال معروفة.. بل ولم تكن هناك مدينة تصلح لأن تكون مقرا لأي حكومة وقامت مصر ببناء تكون فخرا لبلاد السودان فانشأت مدينة عصرية بمعني الكلمة علي نقطة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق واطلقوا عليها اسم الخرطوم.
والمؤرخون اكدوا في تأريخهم للسودان ان المصريين ضحوا كثيرا وسقط منهم ضحايا كثيرون نتيجة تفشي الأوبئة وارتفاع درجات الحرارة ولكن مصر ظلت صامدة حتي وصلت إلي منابع النيل.
الرئيس السيسي وأفريقيا
الحقيقة ان مصر لها مع افريقيا حكايات كثيرة وعلي الرغم من مرور سنوات طويلة كانت مصر بعيدة إلي حد ما عن أي نشاط يرتبط بافريقيا الا انه في عام 2014 عندما تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي أولي اهتماما خاصا بأفريقيا.. وأصبح حريصا علي زيارة دولها أما في زيارات رسمية أو لحضور المؤتمرات فكانت أول زيارة في ظل رئاسته للبلاد هي غينيا الاستوائية للمشاركة في قمة الاتحاد الافريقي وبعدها بأيام زار السودان ثم زار اثيوبيا للمشاركة وفي أعمال القمة الافريقية وزارها مرة أخري في مارس 2015 وفي ديسمبر 2016 زار أوغندا زيارة رسمية تلبية لدعوة الرئيس يوري موشيني كما قام بزيارات أخري إلي كينيا وتنزانيا ورواندا والجابون وتشاد.
لقد أدرك الرئيس السيسي ان مصر اهملت افريقيا فترات طويلة مما أعطي مساحة لدول أخري لتحل محل مصر ونشطت فعلا بعض الدول للقيام باستثمارات في بعض بلادها بينما مصر ظلت في موقع المتفرج وكانت زيارات الرئيس السيسي تعكس ركائز أساسية حسب استراتيجية كل بلد سواء كانت في شرق افريقيا أو غربها أو وسطها أو جنوبها.
انفتاح علي أفريقيا
وقد نجح بالفعل في ايجاد انفتاح مصري علي القارة الافريقية وحرص علي مواصلة علاقاتها بدول القارة في كافة المجالات مع تعزيز الشراكة الاقتصادية والسياسية وحسم ملف الأمن المائي لدول حوض النيل والحقيقة ان الرئيس السيسي مازال يواصل اهتماماته من خلال لقاءاته بالزعماء الأفارقة سواء الذين يستقبلهم في مصر أو يسافر إليهم في بلادهم.
سد النهضة
في الوقت نفسه اشارت الأخبار إلي حدوث أزمة بخصوص سد النهضة الأثيوبي الذي يقع علي النيل الأزرق بالقرب من الحدود الاثيوبية السودانية ويبلغ ارتفاعه 155 مترا ولم تفكر دولة اثيوبيا فيما سيؤدي إليه نتائج اقامة هذا السد بالنسبة للدول المجاورة.. فهناك من يحاول دفع اثيوبيا ان تصم اذانها عن امكانية ما سيسببه هذا السد من اضرار بالغة في حصة مياه كل دولة ويبدو انهم لم يسمعوا عن المثل القائل "انت حر ما لم تضر" أو ربما لم يفهموا معني هذا المثل.. فضربوا عرض الحائط بالتقرير الاستهلاكي الخاص بالدراسات الخاصة بهذا السد فرفضتهما السودان واثيوبيا بينما وافقت عليها مصر رغم ان الدول الثلاث سبق ان وافقت وأقرت هذه الدراسات والغريب ان رئيس وزراء اثيوبيا أعلن أكثر من مرة ان مصر واثيوبيا في سفينة واحدة.. ولا يمكن الاضرار بحصة مصر المائية ولكن يبدو ان الضغوط الخارجية أقوي من تصريحاته.
المهم فإن كثير من رجال الأعمال المصريين.. اتجهوا ماليا إلي عدد من الدول الافريقية واقاموا فيها مشروعات استثمارية وعمل فيها كثيراً من أبناء هذه الدول واهتم الرئيس السيسي بما يحدث في افريقيا من مشاكل فكانت المساعدات تصل إلي أي منطقة نائية فيها.
هذا ما يجري علي سطح القارة الافريقية والأمر المؤكد ان هناك أصابع خافية أو واضحة تلعب في هذه القارة في محاولات للوقيعة بينها أو احداث فتن.
محمد علي في الجنوب
ذات يوم من أيام شهر سبتمبر سنة 1819 سافر محمد علي باشا إلي آخر حدود مصر العليا وتوقف في موقع وراء شلال أسوان وكان يرافقه حسن باشا قائد الجنود الارناؤد ومحمد لاظوغلي كتخدا بك نائب الباشا.. كان هدف هذه الرحلة هي محاولة لكشف ما وراء شلال أسوان وامكانية ارتياد هذه الجهات البعيدة وقد رسم في ذهنه الخطط والترتيبات اللازمة لكشف أسرار نهر النيل.. بما في ذلك ترتيبات مواقع الجنود وقد استغرقت الرحلة نحو شهرين عاد بعدها إلي الجيزة في شهر نوفمبر سنة 1819.
إسماعيل باشا و4000 جندي
ومرت عدة شهور.. وقرر محمد علي اطلاق الزحف إلي السودان أو كما يطلق عليها اقليم جنوب مصر وتم تجهيز الجيوش.. جيشا يتكون من أربعة آلاف مقاتل يقودهم إسماعيل باشا نجل محمد علي ثم أضيف إليه 1400 مقاتل آخر.
وجيش آخر
وأعد جيشا ثانيا بقيادة صهره محمد بك الدفتردار لفتح غرب السودان وبلغ عدده أربعة آلاف جندي فيكون مجموع الجيشين نحو عشرة آلاف مقاتل.. وصحب الحملة ثلاثة من علماء الدين مهمتهم دعوة الأهالي في البلاد التي يبلغها الجيش للدخول في الطاعة والاعتراف بسلطة الحكومة المصرية بالاضافة إلي عدد من العلماء الأجانب ذوي الخبرة في التخصصات المختلفة.
وحدة مشتركة
ويقول عبدالرحمن الرافعي في كتابه عصر محمد علي: ان محمد علي باشا قرر عدة اهداف لفتح السودان من منطلق اعتباره ان مصر والسودان تجمعهما وحدة مشتركة لا انفصام فيها ولهذا رأي ان ضمان سلامة مصر يستدعي تأليف وحدتها السياسية والاطمئنان علي منابع النيل وكذلك معرفة ودراسة سكان السودان وأعمالهم والبيئة واحوال معيشتهم للنهوض بها وتنمية مجتمعاتها.. هذا جانب وعلي الجانب الآخر ان محمد علي رغب في اكتشاف مناجم الذهب والماس التي تناقل الناس انها موجودة في أماكن كثيرة بالسودن.. كذلك رأي محمد علي ان ابناء السودان لهم الحق في التجنيد في الجيش المصري علي أساس المساهمة في الأعمال الحربية وعلي شباب السودان أن يتم تجنيده في الجيش المصري نظرا لما تميز به الجنود السودانيون من الصبر والشجاعة والطاعة للرؤساء ثم رغبته في التخلص من الفرق الباقية من عسكر الارناؤود وكذلك القضاء علي البقية الباقية من المماليك الذين كانوا لاجئين علي حد الأقاليم السودانية علي ان أهم ما يرمي إليه محمد علي هو اكتشاف منابع النيل وفي أحد أيام شهر يوليه تحركت ثلاثة آلاف مركب علي صفحة النيل محملة بالجنود والمهمات والذخائر بالاضافة إلي الابل حيث اجتازوا الشلال الثاني ثم زحفوا إلي مديرية دنقلة وباقي الاقاليم السودانية وفي كل اقليم يتم فتحه ينجح رجال الحملة في استكشاف كل ما يتعلق بمظهر من مظاهر الحياة فيها وأحوال أهلها.
سوء الحال
في الوقت نفسه نجح محمد بك الدفتردار في فتح كردفان.. لكن حدث ان جيش إسماعيل مات منه الكثيرون أثناء السير لفتح البلاد الواقعة علي النيل الأزرق واضطر إسماعيل إلي أن يرسل إلي ابيه يشكو إليه سوء الحال وحال الجنود الذين نجوا من المرض فإن حالتهم عدم.. وتوقف إسماعيل عن أي زحف في انتظار المدد وبالفعل أرسل محمد علي ابنه ابراهيم باشا إلي السودان والتقي مع اسماعيل باشا ولكن بصحبة ابراهيم باشا لبعض الأطباء لمكافحة الأمراض ومعه المؤن والملابس للجنود فانتعش الجيش وكان اللقاء قد تم في عام 1821 في سنار واتفقا علي ضرورة كشف أعالي النيل الأزرق وسار كل من الشقيقين علي رأس جيشه إلي مواقع الاكتشاف وبالفعل وصل إسماعيل في يناير 1822 إلي أعالي النيل الأزرق أما ابراهيم فكان عليه ان يجتاز بالعدد الباقي من جنود الحملة إلي النيل الأبيض وإلي أعالي هذا النيل كما كان علي ابراهيم باشا ان يتأكد من بعض الحقائق الجغرافية ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان إذ مرض ابراهيم باشا فجأة بالدوسنتاريا واضطر للعودة سريعا إلي مصر.
انتشار الأمرض
أما إسماعيل باشا فقد حقق فتوحات لكل البلاد التي دخلها واستطاع ان يكتسب ولاء كل منهم باعتبار ان مصر هي حلمهم ورغم ذلك فقد اعترض جيش إسماعيل خطر غير متوقع وهو انتشار الأمراض بين صفوف الجنود ومات أكثر من 1500 جندي بخلاف نحو ألفي جندي تعرضوا للمرض الشديد.. لذلك أرسل اسماعيل إلي محمد علي باشا يستأذنه في العودة لمصر حيث كان في حالة سيئة من التعب والاجتهاد ولكن محمد علي ارسل إلي ولده يعنفه علي هذا الطلب وأمره بالبقاء حتي يتم مهمته ثم عاد محمد علي وارسل إليه يأذن له بالعودة إلي مصر.
إسماعيل وملك شندي
ولكن إسماعيل كان قد احتل منطقة ستار وتعاون مع أهلها في ادارة البلاد وأسس لهم حكومة يديرونها بمعرفتهم ثم أرسل مجموعة من الشباب إلي أسوان لتجنيدهم في الجيش النظامي واستعد إسماعيل لتنفيذ أمر والده بالعودة إلي مصر ولكنه علم ان أهالي منطقة شندي وما حولها ثاروا في وجه السلطة المصرية واحتشد الثوار وهجموا علي قوافل المجندين وانتزعوها من ايدي الجنود المصريين وأعادوهم إلي شندي وما ان علم اسماعيل بهذه الاخبار حتي ثار ثورة عارمة واستدعي الملك نمر ملك شندي وقد تأكد إسماعيل من انه هو المدبر لهذه الواقعة وأمر إسماعيل باحضار هذا الملك وكان ذلك في شهر أكتوبر 1822 وعندما مثل بين يديه أخذ يؤنبه تأبينا قاسيا وعندما ازداد لطم إسماعيل ملك شندي بالمشبك ولكن الملك ظل ساكنا بدون أن ينفعل ولكنه اعتذر لما حدث واظهر ندما علي ما فعل وانه سيظل تابعا لمصر.
حرق إسماعيل
ووجه الملك نمر الدعوة لإسماعيل وكبار رجال الجيش إلي العشاء في قصره المبني بالبوص وفي الوقت نفسه أمر الملك نمر اتباعه بأن يجمعوا ما استطاعوا من الحطب والقش والتبن ويضعونه حول القصر بزعم انه علف خيل اسماعيل باشا زيادة في الاهتمام وبعد ان فرغوا من تناول الطعام واكثروا من الشراب وأخذوا يتأهبون للخروج من القصر إذ بالنيران تشتعل بصورة رهيبة وانتشرت انتشارا سريعا في كل الانحاء واحاطت النيران من كل اتجاه بإسماعيل ورجاله في الوقت الذي ألقي الجنود السهام والنيران من كل ناحية حتي مات إسماعيل باشا وكل من كان معه وبمجرد وصول هذا الخبر لمحمد علي باشا حتي أمر صهره محمد بك الدفتردار بالرد علي هذه الخيانة المميتة وقام الدفتردار بالزحف علي شندي ودمرها تدميرا تاما وتعقب الملك نمر ولكنه فر إلي الحبشة حيث اختبأ فيها.
حكاية ذهب السودان
كان محمد علي باشا لديه معلومات عن وجود ذهب ومعادن في أرض السودان وذكر ذلك لابنه إسماعيل عندما بدأت رحلته لفتح الأقاليم السودانية وطلب منه البحث عن المناجم وبعد ان فتح إسماعيل باشا بلاد "فازوغلي" وهو جبل معروف علي جنوبي مدينة سنار غربي النيل الأزرق وجنوب النيل الأبيض فقام بمسيرة إلي جبل بني مشتقول جنوبي فازوغلي للبحث عن مناجم الذهب وقد صاحبه المسيو كايو وتم الحفر في عدة أماكن لكنه لم يعثر علي شيء ولم يتم اكتشاف الا كمية ضئيلة من التبر لا تساوي شيئا فقفل راجعا إلي ستار.
كان ذلك في يناير 1822 ولكن في شهر أكتوبر 1838 قام محمد علي باشا برحلة إلي السودان أمضي فيها نحو خمسة أشهر ليتفقد شئون الادارة المصرية وليبحث عن مناجم الذهب في منطقة جبال فازوغلي ولكن البحث لم يسفر عن نتيجة ايجابية فعاد إلي الخرطوم ومنها إلي مصر عن طريق صحراء النوبة إلي وادي حلفا.
البحث عن عاصمة
عندما فتح المصريون السودان.. لم يجدوا بها مدنا تصلح لأن تكون عاصمة.. كانت المدن القائمة هي بربر وسنار والأبيض وفي كتاب السودان المصري في عهد محمد علي للعالم الفرنسي دي هيبران الذي رافقه في احدي الحملات.. كتب المؤلف ان المصريين لم يختاروا أيا من المدن التي كانت قائمة ولكنهم اختاروا قرية صغيرة يسكنها بعض الصيادين ولكن موقعها له أهمية كبيرة استراتيجيا واقتصاديا حيث تقع عند التقاء النيل الأزرق بالنيل الأبيض وأصبح لهذا الوضع الفريد أهمية حيث أسسوا بها سنة 1822 معسكرا ثابتا للجنود وفي سنة 1830 اتخذها خورشيد باشا حكمدار السودان مقرا للحكم وصارت منذ ذلك الحين بمثابة عاصمة للبلاد وظلوا يبحثون عن اسم لهذه المدينة الجديدة فاكتشفوا ان ملتقي النيلين الأبيض والأزرق يشبه رأس خرطوم الفيل فأطلقوا عليها اسم الخرطوم وأصبحت هي العاصمة الرسمية للسودان ويصنف دي هيبران ان خورشيد باشا انشأ بها المباني والعمائر وبني سراي للحكومة وكانت مبنية بالطوب الأحمر ومؤلفة من طابقين.
ويقول عبدالرحمن الرافعي في كتابه عصر محمد علي نقلاً عن دي هيبران ان منظرهما كان فخما وسراي المديرية بها مقر المدير والموظفين كما اقيم بها مسجدان أحدهما كبير والآخر صغير وكذلك تم بناء دار لاحدي البعثات الدينية المسيحية كما اقيم فيها مستشفي ومصنع للبارود وذخائر الجيش ومخازن للمؤن والمهمات ثم ترسانة كبيرة تشمل مسبكا للحديد ومصنعا للنجارة وفيها بنيت السفن النيلية ويتخلل كل هذا بيوت للسكن.
وكان هناك اهتمام بالحدائق التي انشأها المصريون وكانت تحتل مساحات واسعة من الأراضي ومعظمها يقع علي ساحل النيل الأزرق وبعد ان استقرت الأوضاع في المدينة أصبحت ملتقي للتجار القادمين من انحاء السودان ومن بطان افريقيا أو من مصر والخارج وأصبحت المدينة فيما بعد من أهم المدن جذبا للسكان من كل انحاء السودان.
مصر تبني الخرطوم
يقول المؤرخون ان صاحب الفضل في إنشاء مدينة الخرطوم هو خورشيد باشا الذي عينه محمد علي باشا حكمداراً للسودان في عام 1826 وقد بذل اهتماما كبيرا في تعمير البلاد وتأمين الأهالي وأذاع منشورا بالأمان علي الفارين الذين هاجروا إلي دارفور وجبال النوبة فعادوا واطمأنوا إلي عدله.
وكان الحكمدار هو حاكم السودان يجمع في يده السلطة العسكرية والمدنية وكان له سلطة مطلقة ولهذا قام خورشيد باصلاحات واعمال تعمير لمدينة الخرطوم وادخل صناعة بناء البيوت بالطوب بعد ان كان الأهالي يقيمونها بالغاب والجلود وأحضر للأهالي الطوب ومواد البناء تيسيرا عليهم كما نظم الدواوين وانشأ مسجدا في الخرطوم وآخر في سنار وعن الزراعة ارسل إليه محمد علي باشا طائفة من المزارعين المصريين لتمرين الأهالي علي الزراعة وادخال النظم الحديثة في أعمال الزراعة بما في ذلك المحاصيل الجديدة وقد أثني عليه محمد علي نظرا لما بذله من جهود خاصة احتلال "القلابات" شرق السودان وكان موقعها هاما لوقوعها بالقرب من حدود الجيشة وانعم محمد علي عليه برتبة الباشوية سنة 1830.
حدود السودان المصري
اعتبر محمد علي السودان جزءاً لا يتجزأ من مصر وعلي ذلك كانت حملاته المكثفة لضم الأقاليم السودانية إلي حظيرة الوطن وبالتالي وصلت حدود السودان المصري كما كان يطلق عليه.. شرقا إلي البحر الأحمر فقد فتحت القوات المصرية سنة 1840 اقليم كسلا الواقع بين نهر عطبرة والبحر الأحمر أي السودان الشرقي كما ذكر عبدالرحمن الرافعي وفتحت القوات المصرية أيضا "القضارف" بالقرب من حدود الحبشة والقلابات الواقعة علي شاطيء نهر عطبرة بالقسم الجنوبي من اقليم التاكا ووصلت القوات المصرية إلي حدود الحبشة شرقا وكذلك دخلت سواكن ومصوع في حدود السودان المصري وكان محمد علي قد استأجرهما من سلطان تركيا إذ كانتا من قبل من املاك السلطنة العثمانية القديمة فلما رأي محمد علي ضرورة لهما لأنهما منافذ علي البحر الأحمر طلب استئجارهما من السلطان ايجارا دائما مقابل مبلغ سنوي قدره 25 ألف جنيه وبذلك دخلتا تحت ظل الحكم المصري.. اما من ناحية الجنوب فقد وصلت الفتوحات المصرية إلي جزيرة جونكر علي النيل الأبيض وعند هذه النطقة يتوقف الفتح الأول للسودان حيث جعل نهر النيل نهرا مصريا ومن جهة الغرب وصل الحكم المصري إلي كردفان وقد دخلت رسميا في حضن مصر وذلك بمقتضي مرسوم 13 فبراير 1841 الذي اسند إليه ولاية اقاليم السودان وهي النوبة ودفار وكردفان وسنار وجميع توابعها وملحقاتها.
ويقول عبدالرحمن الرفاعي ان دارفور لم تكن قد فتحت بعد واصرار محمد علي. علي دخولها في الفرمان دليل علي أنها تعد من املاك مصر الطبيعية.. المهم ان هذا الفرمان قد صدر بتصديق الدول وعلي هذا حاز السودان المصري الصفة الرسمية والدولية.
أوروبا تغزو افريقيا
في عام 1750 انطلقت من موانيء غينيا جوهرة غرب افريقيا السفن الانجليزية والفرنسية والهولندية والبرتغالية والدنمركية وهي السفن التي أتت من دول أوروبا لنقل العبيد من المستعمرات الافريقية إلي مدن أوروبا وأمريكا وكانت خطوة هامة لكي يفقد الافريقي كل إنسانيته بل وكل ما يمت للبشرية بصلة.
لم تكن غينيا هذه وما يجاورها من دول اخري مثل غانا ومالي تعرف أي لون من ألوان الحضارة التي بدأت تظهر في أوروبا ولم تكن بالطبع في افريقيا أي مواصلات حديثة.. ومضت سنوات عانت فيها معظم دول افريقيا الأمرين.
كانت غينيا مستعمرة فرنسية منذ عام 1849 وحصلت علي استقلالها عام 1958.
كانت ثورة 23 يوليو 1952 قد وجهت بزعامة جمال عبدالناصر اهتمامها لكي تحصل الدول الافريقية علي الاستقلال ومعظمها خاضع للاستعمار الأوروبي سواء في غرب افريقيا أو وسطها أو شرقها أو جنوبها وكانت افريقيا في نهاية الحرب العالمية الثانية كلها تقريبا تحت حكم الرجل الأبيض الأوروبي رغم ان مساحتها تغطي ثلاثة أضعاف مساحة أوروبا.
استقلال 15 دولة
وفي تقويم صادر عن دار نشر في ليبزج بألمانيا عام 1980. وليبزج احد بلاد ألمانيا الديمقراطية قبل توحدها في دولة ألمانيا وقد اشار هذا التقويم إلي ان الدول الافريقية التي حصلت علي استقلالها حتي عام 1980 بلغت 15 دولة هي مصر والجزائر وانجولا وغينيا الاستوائية واثيوبيا وبنين وبوتسوانا وبوروندي وجيبوتي وساحل العاج والجابون وجامبيا وغانا وغينيا وغنينا بساوي والكاميرون وكاب فردي كينيا وجزر القمر والكونغو ولوسونا وليبيريا وليبيا والمغرب وملاوي ومالي ومدغشقر وموريش وموزمبيق ونيجر ونيجيريا وفولتا العليا ورواندا وزامبيا وسنغال وسيشيل وسيراليون وتنزانيا وتوجو وتشاد وتونس أوغندا وزائير وافريقيا الوطي بخلاف نامبيا وجنوب افريقيا.
والحقيقة ان افريقيا تعتبر أكبر مستودع أو مخزن للمواد الخام كما ذكر السفير سعد الفطاطري في كتابه "هذه السوداء احببتها" طبعة أغسطس 1981 فهي تنتج 89% من الماس و65% من الذهب لدرجة ان دولة جنوب افريقيا اصدرت عملة ذهبية تزن أوقية من الذهب الخالص وتعتبر هذه العملة في سوق المال بمثابة المقياس من حيث الوزن والعيار بالاضافة إلي امكانياتها الهائلة في انتاج الكاكاو والنحاس والكوبالت وامكانياتها من الطاقة المائية الكهربائية وافريقيا التي تخفي أراضيها ثروة هائلة من المواد الخام وأرض زراعية سخية يمكن ان تنتج الغذاء للعالم كله وكما ان افريقيا غنية بالثروات فهي غنية ايضا بالمشاكل فشعوبها تتحدث بما لا يقل عن 700 لغة!!
احتلال افريقيا
ومنذ عام 1875.. حدث تنافس سياسي واقتصادي بين الدول الأوروبية حول افريقيا.. وأدي هذا التنافس إلي تزاحمهم وعلي وجه الخصوص الدول الصناعية علي غزو افريقيا ولم يكن هذا التزاحم لأغراض انسانية ولكن كانت في معظمها تهدف إلي أسوأ أنواع التجارة.. وهي التجارة في البشر بمعني آخر تجارة الرقيق "العبيد" وكان أوائل المستعمرين هم الألمان والبرتغاليون والأسيان والهولنديون والفرنسيون والانجليز وانقسمت افريقيا إلي قسمين: القسم الشرقي ويضم المستعمرين الانجليز والألمان والبرتغاليين وفي الغرب هناك الانجليز والألمان والفرنسيين والأسبان.
الكونغو ملكية خاصة لملك بلجيكا
وانفرد الملك ليويولد الثاني دون سائر الملوك والأباطرة باقليم الكونغو كملكية شخصية له وبعد الحرب العالمية الأولي تم تحرير المانيا من مستعمراتها وجري تقسيمها بالتساوي بين انجلترا وفرنسا ثم انضمت ايطاليا إلي عصبة المستعمرين فاحتلت اريتريا وووساحل الصومال واستمرت خريطة الاستعمار الأوروبي لافريقيا علي هذا الحال حتي سنة 1945 عندما بدأت القوي الاستعمارية تشعل عقب الحرب العالمية الثانية بالحركات الوطنية والاتجاهات الاشتراكية العالمية إلي أن تسلم لأصحاب الأرض بحقوقهم وبدأت بعض الدول تحصل علي استقلالها وكان استقلالها بمعدل سريع ففي عام 1960 استقلت 17 دولة ثم بعد عشر سنوات استقلت عشر دول أخري.
الخديو إسماعيل ومنابع النيل
وعندما جاء عباس باشا الأول إلي حكم مصر لم يهتم بالسودان ولم يفكر يوما في زيارته ليشاهد بنفسه شئون البلاد وأهلها ويتعرف علي أحوالها كما فعل جده الذي لم تمنعه شيخوخته ومشاغله العديدة من التجول بالسودان.
وعندما تولي الخديو اسماعيل الحكم اهتم باستكمال فتح السودان والوصول إلي منابع النيل واتسعت أملاك مصر بضم محافظتي مصولي وسواكن ناهئيا إلي أملاكها وبسط حماية مصر علي مملكة أوغنده وفتح اقليم بحر الغزل وسلطنة دارفور واتسعت أملاك مصر أيضا بين الحبشة والبحر الأحمر بفتح بعض اقاليمها وامتدت سلطتها إلي سواحل البحر الأحمر حتي باب المندب ودخلت سواحل الصومال الشمالية في أملاك مصر حتي رأس جردفون علي المحيط الهندي ووصلت حدود مصر جنوبا إلي بحيرة البرت وبحيرة فيكتوريا وشرقا إلي البحر الأحمر وخليج عدن.
بحيرة إبراهيم
وفي سنة 1874 اكتشف الكولونيل شابي بك لونج بحيرة من البحيرات التي ينبع منها النيل وهي الواقعة شمال غربي بحيرة فيكتوريا وقد اطلق عليها بحيرة ابراهيم تيمنا باسم ابراهيم باشا والد الخديو اسماعيل وكانت تسمي من قبل بحيرة كيوجا ولكن معظم الجغرافيين الأجانب كانوا يرفضون هذا الاسم العربي علي منابع النيل وبالتالي لم يكتب لهذه البحيرة ان تتمتع باسم والد الخديو.
وعلي ذلك فإن حدود السودان المصري امتد إلي جميع سواحل البحر الأحمر الغربية وسواحل الصومال الشمالية الواقعة علي خليج عدن وغيرها ولكن هذه الحدود تراجعت بعد الثورة المهدية والاحتلال الانجليزي إذا تواطأت انجلترا مع الدول الأخري علي انتقاص مصر من اطرافها فاحتلت انجلترا أوغندا ومنطقة البحيرات والجزر الجنوبي كله من مديرية خط الاستواء وأخذت ايطاليا مصوع واريتريا وفرنسا استولت علي تاجورة وجيبوتي ولم تكتف انجلترا بالتآمر علي اقتسام الامبراطورية الافريقية التي أسستها مصر بدمائها ودماء أبنائها واموالها وجهودها بل شاركت مصر في سيادتها علي السودان باتفاق 1899.
المفاوضات تتحطم علي صخرة السودان
وعموما بذلت بريطانيا كل ما في وسعها للحيلولة ضد استمرار مصر والسودان جزءان لا ينفصلان.. وقد امكن لهم ان يحققوا ذلك من خلال الاتفاقيات التي تم توقيعها بين مصر وبريطانيا في عام 1899 وتقضي هذه الاتفاقيات إلي أن تكون ادارة السودان تحت العلم البريطاني والعلم المصري بجميع انحاء السودان عدا مدينة سواكن فيستخدم فيها العلم المصري فقط وبذلك تشارك بريطانيا المصرية في حكم السودان وأيضا في المفاوضات التي تمت مع بريطانيا في عام 1930 ولكن المفاوضات تحطمت علي صخرة السودان حيث كانت مصر تطالب باشراك الحكومة المصرية اشتراكا فعالا في ادارة السودان ورفع القيود المفروضة علي حرية المصريين في السودان وحرية الهجرة إليه.
وفي معاهدة 36 جاء فيها ان يواصل الحاكم العام في السودان في مباشرة السلطات نيابة عن الحكومتين المصرية والبريطانية وبقي وضع السودان علي ما هو عليه في معاهدة 1936.. المهم ان كل المفاوضات التي جرت بين مصر وبريطانيا حول الجلاء عن مصر كانت تتحطم علي صخرة السودان.. حدث ذلك في المفاوضات التي جرت 1946 وفي عام 1947 تصر بريطانيا علي ان تكون المفاوضات خاصة بالجلاء عن مصر دون النظر إلي السودان وذلك في محاولة منها إلي فصل السودان عن مصر وفي شهر يوليو عام 1947 قام السفير المصري في أمريكا محمود حسن بتقديم عريضة دعوي إلي سكرتير الأمم المتحدة لعرضها علي مجلس الأمن يعرض فيها إلي أن احتلال بريطانيا لمصر الذي تم عام 1882 غير مروع واحتلالها للجزء الجنوبي من وادي النيل غير مشروع حيث ان بريطانيا تمكنت من ان تفرض علي مصر اشتراكها في ادارة السودان في اتفاقية 1899 ولكنها انفردت بعد ذلك بالسلطة وان سياسة بريطانيا تهدف إلي فصل السودان عن مصر وان استمرار بريطانيا في احتلال وادي النيل يعرض السلام والأمن الدولي للخطر كذلك فإن كل البراهين والأدلة التاريخية والطبيعية تؤكد حقيقة العلاقات الأزلية بين مصر والسودان وبقي الجيش المصري في السودان ولم يخرج منها بصفة نهائية الا بعد اندلاع ثورة 23 يوليو 1952 وكان قد دخلها مع إسماعيل باشا نجل محمد علي عام 1820.
مصر تتعاطف مع أثيوبيا
في الثلاثينيات من القرن الماضي أخذت وكالات الأنباء تردد في صيف عام 1935 بأن ايطاليا تعتزم غزو الحبشة وشنت ايطاليا بالفعل في 2 أكتوبر 1935 بارسال جنودها وأسلحتها إلي افريقيا حيث شنت الحرب عليها.. في نفس الوقت توقعت بريطانيا ان تهدد ايطاليا مصر من ناحية حدودها الغربية وزادت من قواتها البحرية في منطقة قناة السويس كانت بريطانيا تخشي ايطاليا بعد سيطرتها علي الحبشة باعتبار ان ذلك خطر علي السودان وتعطي ايطاليا فرصة للتوسع في افريقيا وتهديدا لمصر بسبب مياه بحيرة تانا.
ورغم كل الاعتراضات الدولية فقد دخل الجيش الايطالي أديس أبابا العاصمة واعلن الديكتاتور الايطالي موسوليني في أول يونيه 1936 قيام افريقية الشرقية الايطالية والواقع ان الحرب الايطالية في الحبشة كانت صدمة كبري للشعب المصري حيث شعروا بميولهم وعواطفهم القومية بحكم الانتماء الافريقي نحو الاحباش وان سقوط اثيوبيا في ايدي الايطاليين هي خطوة تتبعها سقوط دول افريقية اخري بجانب خوفهم علي مياه النيل الأزرق التي تحمل الطمي للتربة المصرية من بحيرة تانا.
وعلي هذا كان عامل المياه واحدا من الاسباب العديدة التي جعلت الشعب المصري يعطف علي الحبشة وذلك مثل الروابط التاريخية القديمة والروابط الدينية ورابطة الجوار الافريقي قد دفعت بالشعب المصري إلي المطالبة بضرورة مساعدة الاحباش وضرورة تسليح الجيش المصري واعداده للدفاع عنها في حين كان الجيش المصري في ذلك الوقت ضعيفا جدا بالقياس لمركز مصر الاستراتيجي.
والواقع ان قضية مياه النيل وبحيرة تانا كانت أحد العناصر الاساسية التي استخدمتها بريطانيا لاحداث قلق لدي المصريين وذلك للضغط علي الحكومة بهدف تأييد المصالح البريطانية وكان مستر أوستن تشمبرلين يري ضرورة اضعاف مصر حتي لا تصبح في مركز يهدد بريطانيا واستمرت انجلترا تعرقل أي لون من ألوان الاتحاد أو حتي الوفاق بين مصر والسودان وحتي قيام ثورة 23 يوليو 1952 عندما تم الاتفاق علي الجلاء عن مصر بينما يحدد استفتاء السودانيين حول الانضمام إلي مصر أو الحكم الذاتي.
عبدالناصر وافريقيا
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 كتب جمال عبدالناصر في كتاب فلسفة الثورة انه سيبدي اهتماما خاصا بثلاث دوائر.. الدائرة العربية والدائرة الافريقية والدائرة الإسلامية وكان اهتمامه بالدائرة العربية تتجه إلي القومية العربية وكان في كل كلماته يقول ان الأمة العربية تمتد من المحيط الاطلسي إلي الخليج الفارسي ثم غير العبارة الأخيرة وجعلها الخليج العربي وأما الدائرة الاسلامية فكان أول من دعا إلي إنشاء المجلس الأعلي للشئون الاسلامية.
والواقع انه كان له اهتمام كبير بالدائرة الافريقية تعمل علي زيادة الروابط مع الدول الافريقية وبذل جهودا جبارة لتحقيق الاستقلال لهذه الدول التي لم تستغل بعد فقد كانت عدد الدول الحاصلة علي الاستقلال قبل الثورة أربع دول فقط زادت في عام 1963 لتصبح 30 دولة.
ويقول المؤرخون ان ذروة متانة العلاقات المصرية الافريقية.. كانت في عصر جمال عبدالناصر ثم تراجعت هذه القوة بعد وفاته وعادت بمنتهي القوة ابتداء من عام 2014 حيث رأي الرئيس عبدالفتاح السيسي انه لا يمكن تجاهل القارة الافريقية لأن الله شاء ان تكون مصر فيها.
الإنجازات في افريقيا
الحقيقة ان عصر عبدالناصر مهما كانت هناك سلبيات إلا انه حقق الكثير والكثير من الانجازات لافريقيا مثلا كان يحلم بإنشاء معهد كبير وعلي مستوي علمي مؤثر يعني بالكشف عن كل ما يتعلق بالقارة الافريقية ويخلق وعي للشباب المصري لكي يهتم بالقارة ويشارك مع شعوبها في تقدمها وتنميتها وتخليصها من الاستعمار وبالفعل نجح عبدالناصر في تحويل معهد الدراسات السودانية الذي كان قائما في عام 1947 لحل المشكلة السودانية بشكل اكاديمي إلي معهد متخصص في الدراسات الافريقية وتضمنت برامجه اقسام مختلفة للتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والانثرويولوجيا "علم دراسة الإنسان" وغيرها واستمر عبدالناصر في تكثيف الجهود بدول افريقيا للحصول علي استقلالها والعمل علي تنميتها باعتبار ان المعركة ضد الاستعمار مستمرة.
وفي شهر يناير عام 1961 عقد مؤتمر حركة تحرير افريقيا في الدار البيضاء وشاركت فيه غانا وغينيا ومالي والمغرب والجزائر وكانت بريطانيا ومعه الدول الأوروبية المستعمرة لبعض الدول الافريقية تبذل جهودا جبارة ضد منح بعض الدول استقلالها حتي ولو دبروا المكائد ضد زعمائها ونجح لاستعمال بالفعل في اغتيال باتريس لومومبا زعيم ثورة الكونغو وخرجت القاهرة في مظاهرات حاشدة ضد هذه الجريمة وتندد باغتيال لومومبا.
الرابطة الافريقية
ورغم ذلك استمرت القاهرة في تقديم دعمها فتأسست فيها الرابطة الافريقية وقامت بدور هام في مجال الكفاح السياسي لأبناء القارة المضطهدين كما أصبحت في القاهرة مكاتب لحركات التحرير للكاميرون وأوغندا والصومال وجنوب افريقيا واتحاد روديسيا وتشاد وزنزبار وخصصت القاهرة ايضا محطة اذاعة موجهة لافريقيا الحرة تذيع باللغات الصومالية والسواحلية والامهرية بالاضافة إلي اللغتين الانجليزية والفرنسية.
منظمة الوحدة الأفريقية
في الوقت نفسه تم تحرير 30 دولة أفريقية في عام 1963 وبذلك بدأت نواة إنشاء منظمة الوحدة الافريقية في الظهور وساعدت مصر في حركة التحرر الوطني للصومال وكينيا وغانا والكونغو الديمقراطية واستمرت في مساعدة كل الدول التي طلبت الاستقلال وكانت المشكلة ان الحدود لم تكن مضبوطة ولا تتفق مع طبيعة الشعوب والقبائل الافريقية وانه تم تخطيطها بشكل عشوائي في برلين بين عامي 1884 - 1885 دون مشاركة الافريقيين انفسهم وكانت مشكلة نجح عبدالناصر في حلها في أحد اجتماعات القمة الافريقية وفي 22 مايو سنة 1963 حضر رؤساء الثلاثين دولة الأفريقية المستقلة ووقعوا ميثاق انشاء منظمة الوحدة الاقتصادية وبعدها بثلاثة ايام تم الاعلان رسميا عن مولد منظمة الوحدة الافريقية في 25 مايو سنة 1963 أما الاتحاد الافريقي فقد ظهر بدلا من المنظمة في عام 2001 ولم تكتف ثورة 23 يوليو بكل هذا بل قررت استضافة العديد من المؤتمرات للثورات الافريقية وكان هناك مؤتمر حول الجلاء عن افريقيا.. وافريقيا للافريقيين وكان هناك ايضا مؤتمر لنساء افريقيا وآخر لشعوب افريقيا وغيره لتضامن شعوب افريقيا وآسيا.
من وإلي "خطوط جوية سياسية"
وكانت البلاد الافريقية منعزلة بعضها عن البعض الآخر ولم تكن هناك مواصلات جوية وبرية تربط بين البلاد الافريقية كان السفر من افريقيا إلي افريقيا يتم عن طريق أوروبا واضطرت الحكومة المصرية إلي أن تطلب من شركة مصر للطيران تسيير بعض الخطوط الجوية لتربط القاهرة ببلاد افريقية وكانت هذه الخطوط تطلق عليها خطوط سياسية نظرا لعدم جدواها اقتصاديا نتيجة عدم وجود ركاب وبالتالي كانت هذه الخطوط تحقق خسائر فادحمة.
حكايات ناصرية
ويروي عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حكايات كثيرة حيث يرد بعنف علي أي تجاوز يمس كرامة المصريين فعندما قام تشومبي بانقلابه الغادر ضد رئيس الكونغو باتريس لومومبا تم قطع العلاقات مع الكونغو ولكن تشومبي بصورة استفزازية قرر حضور مؤتمر القمة الافريقي الذي عقد في القاهرة في عام 1965 ورفض الرئيس عبدالناصر حضوره فما كان من تشومبي إلا ان جاء إلي القاهرة وهنا أمر عبدالناصر بتوصيله إلي قصر العروبة ولم يسمح له بمغادرة القصر حتي انتهت أعمال المؤتمر ثم توصيله مباشرة إلي الطائرة التي اقلته عائدا إلي بلاده.
وكتب الكاتب الكبير بهاء طاهر انه كان ذات مرة في مدينة نيروبي بكينيا بعد وفاة عبدالناصر بسنوات ووجد احد المحلات الصغيرة وقد علق صورة لجمال عبدالناصر وسأله عن هذه الصورة واندهش الرجل معتقدا انه لا يوجد أحد لا يعرف صاحب الصورة ورد عليه انه "أبوأفريقيا" وشرح الرجل له.. ان جمال عبدالناصر هو أبوأفريقيا لأنه لولاه لما حصلت كينيا علي استقلالها ويروي ايضا ان نلسون مانديلا عندما فازت جنوب افريقيا بتنظيم مباريات كأس العالم في بلاده بينما فشلت مصر ان قال لو ان عبدالناصر كان حيا لما جرؤت جنوب افريقيا علي الترشح للفوز بتنظيم هذه المباريات.
أفريقيا مع أنور السادات
مع نهاية السبعينيات من القرن العشرين تصاعدت حدة المواجهات العسكرية بين الصومال وأثيوبيا.. وكانت هناك أيضا حرب أهلية في الصومال وتشاد يشجعها معمر القذافي ويقول بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية اثناء حكم انور السادات والأمين العام للأمم المتحدة فيما بعد ان السياسة المصرية في ذلك الوقت كانت تميل نحو الصومال حيث كانت مصر في عهد محمد علي تحتل موانيء الصومال.
مصر وأثيوبيا
وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات كانت الصومال لا تخضع للتيار الشيوعي بل ومعادية للشيوعية وكان هناك رأي حكومي أن تلتزم مصر بنوع ما من الحياد حتي تستطيع ان تقوم بدور الوسيط في النزاع بين الصومال واثيوبيا لأن علاقات مصر باثيوبيا لابد وان تكون علاقات صداقة مهما يكن الأمر خصوصا وان موارد مصر المائية تأتي بنسبة 85% من اثيوبيا وان أي مشروع يحتاج إلي زيادة مياه يحتاج إلي موافقة اثيوبيا.
وكان رأي الدكتور بطرس غالي انه يجب علي مصر ان تتجنب تحويل اثيوبيا إلي عدو خصوصا وان 85% من ماء النيل ينبع من اثيوبيا ولكن لم يجد أي اقتناع.
مؤتمر الخرطوم 1978
ففي شهر يوليو سنة 1978 عقدت منظمة الوحدة الافريقية مؤتمرها في مدينة الخرطوم وكانت الخرطوم قد تجمع فيها اعداد من الرافضين العرب والأفارقة لعزل مصر عن اطارها الافريقي العريق حيث كان هناك ثلاث دول عربية محتفظة بعلاقتها الدبلوماسية مع مصر هي السودان والصومال وسلطنة عمان واكتشفت مصر ان هناك مؤامرة تحاك ضد مصر في هذا المؤتمر لأنه في حالة ادانة المؤتمر للرئيس السادات علي أساس توقيع اتفاقية صلح مع إسرائيل وبالتالي سيظهر تحالف عربي افريقي غير منحاز يعارض مصر وكان السادات غير مهتم لا بالمعارضة ولا بأي شيء آخر ولم تكن احتمالات عزلة مصر تقلقه.
بطرس غالي ومانجستو
كان أنور السادات يكره كل ما يمت للشيوعية بصلة وامتد هذا الكره للشيوعيين إلي رئيس اثيوبيا منجستو هيلي ماريام الذي قام بانقلاب ضد الامبراطور هيلا سيلاسي واقصاه عن الحكم وكان عداء السادات لمنجستو لا يعادله إلا عداء منجستو للسادات وذلك كما ذكر بطرس غالي في كتابه وكانت مصر توفر الدعم المالي والعسكري للصومال عدو اثيوبيا فضلا عن دعم الثوار الاريتريين الذين كانوا يريدون الحصول علي الاستقلال عن حكم اثيوبيا.
ويقول انه حاول مرارا اقناع السادات بأن مصلحة مصر تتطلب دعم العلاقات مع اثيوبيا وقد حاول بطرس غالي اقناع السادات بتحسين العلاقات لأن التعاون مع اثيوبيا ضروري خصوصا وان 85% من مياه النيل تنبع من اثيوبيا ومن أجل ضمان تدفق النيل فإنه لابد من التعاون مع اثيوبيا بالنظر إلي مشروع الري الاثيوبي المقام في بحيرة تانا والذي يمكن ان يقلل من حصة مصر من مياه النيل.
ويري بطرس غالي انه مادامت العلاقات متوترة بين مصر واثيوبيا قد تؤدي إلي توتر ومشاكل خطيرة والمحافظة علي المياه النيل لصالح مصر ليست مجرد مسألة اقتصادية انها مسألة تتعلق بالبقاء الوطني.
مهمة لم تتم
ومع كثرة الحاح بطرس غالي وافق السادات علي كتابة رسالة إلي منجستو وادت به للسفر إلي اديس أبابا في زيارة رسمية وذلك لمحاولة احداث تقارب خصوصا وكنت ارتبط بالرئيس الاثيوبي بعلاقات نتيجة لقاءات متعددة معه وكانت الرسالة التي تم اعدادها ودية ومهذبة ولا تتطرق لأي قضايا بعينها بل تناولت الأهمية التاريخية والسياسية والاقتصادية للعلاقات بين البلدين.
سافر بطرس غالي في ساعة مبكرة من صباح يوم 28 مارس وكان يفكر في خطة تهدف إلي جمع كل الدول المطلة علي النيل في هيئة فوق وطنية وإنشاء طريق سريع من الاسكندرية إلي قلب قارة افريقيا وانشاء شبكة كهرباء تستفيد من جميع السدود الجديدة المقامة علي طول النهر بل وقد يتعدي الأمر إلي امكانية تصدير الكهرباء إلي الجماعة الاقتصادية الأوروبية ومن الممكن ايضا ان تؤدي هذه الطريقة إلي مبادرة من السادات لها من الأهمية ما يفوق رحلته إلي القدس ويلاحظ ان هذا التفكير دار في ذهن د.بطرس غالي في الربع الأخير من سبعينيات القرن الماضي ولم يتحقق منه شيئ.
النيل لا يهم السادات
ومضي بطرس غالي في سرد ذكرياته حول هذه الفترة وكان يشرح هذا التفكير للكاتب انيس منصور باعتباره من اقرب مستشاري الرئيس السادات وفوجيء الدكتور بطرس برأي انيس منصور حيث قال: انه في رأيه ان السادات في أوج مجده في هذه الفترة "فترة محادثات كامب دافيد وتوقيع الاتفاقية مع إسرائيل".
عدم الاهتمام بالنيل
ويري انه ليس مستعدا لأن يتحمس لأي مشروع جديد قد ينتهي بالفشل ومن ثم يقل مجده واضاف ان السادات لا يهتم بالنيل لأن أولئك المسئولين عن المياه والري في مصر لم يخبروه ابدا بمدي أهمية هذه المشكلة وكان السادات من أجل اقناع الاسرائيليين بإعادة الضفة الغربية وغزة قد عرض عليهم تزويدهم بمياه النيل من أجل مشاريع الري الخاصة بهم وقد اثار ذلك ضجة في مصر كما استشاطت الدول المطلة علي النيل غضبا لأن السادات عرض هذا الاقتراح علي الاسرائيليين دون موافقة هذه الدول وقال انيس ايضا ان السادات مثل جميع السياسيين يهتم بمشاكل اليوم أكثر من اهتمامه بمشاكل الغد.
رفض هبوط الطائرة
وتمضي ذكريات بطرس غالي في سرد أحداث هذه الرحلة قائلا: انه عندما اقتربت الطائرة من مطار اديس أبابا فوجئنا برفض المطار التصريح بهبوط الطائرة وطلب قائد الطائرة الهبوط اضطراريا لعدم كفاية البترول للهبوط في أي مطار آخر أو العودة للقاهرة وتم التصريح بهبوط الطائرة اضطراريا للتزود بالوقود وكان الموقف عجبا بالفعل لأن منجستو الذي كان مرحبا بزيارتي اصدر تعليماته بعدم هبوط الطائرة وكان في المطار السفير المصري لدي اثيوبيا محمود قاسم وعدد قليل من المسئولين الاثيوبيين وذكر السفير هاما ان منجستو رفض مقابلة بطرس غالي الذي كان غاضبا من هذا التصرف وقال للسفير انه مكلف من السادات بتسليم منجستو رسالة وقد حصل عليها من الرئيس بصعوبة بالغة وطلب منه احد المسئولين الاثيوبيين تسليمه الرسالة ليقوم بدوره بتسليمها إلي القصر الاثيوبي ورفض غالي واتجه فورا إلي الطائرة دون ان يشرب حتي فنجان القهوة واقلعت الطائرة إلي نيروبي.
كان الموقف غريبا بالفعل والتصرف غير متوقع وتساءل بينه وبين نفسه هل اكتشف الاثيوبيون ان مصر قد ارسلت شحنة سلاح جديدة إلي الصوماليين أو هل هناك قوي خارجية تعارض أي تقارب بين القاهرة واديس أبابا ولكن لم اعرف أي سبب لهذا التغيير المفاجئ.
المهم واصل بطرس غالي رحلته إلي نيروبي حيث أبلغ الرئيس الكيني انه علي استعداد للتوسط بمهمة المساعي الحميدة مع الرئيس سياد بري رئيس جمهورية الصومال فقد كانت العلاقات بين كينيا والصومال متوترة وانتقل غالي ومهمته إلي موجاديشيو حيث فوجئ باستقبال ضخم ويعتقد انه كان أول مسئول سياسي كبير يزور موجاديشيو بعد مرور سنوات عديدة وعند اجتماعه بالرئيس سياد بري تبين ان الرئيس الصومالي لا يعرف اللون الرمادي.. اما ابيض أو اسود واما ان يكون الرد مناصرا أو معاديا.. لم يكن يفهم الخيال واتضح انه لا يثق به معتقدا انه في صف اثيوبيا مؤيدا لها ورغم ذلك كان سياد بري يؤيد مصر واتفاقيات كامب دافيد ومقابل ذلك كان يتوقع زيادة المساعدات العسكرية والمالية من مصر خصوصا وان اثيوبيا وكينيا كانتا متحالفتين ضد الصومال بينما كان الصوماليون يرون في مصر الشقيقة الكبري التي يمكن ان نساند مطالبهم في قيام الصومال الكبير التي تضم جيبوتي والأوجاديين الاثيوبيين وجزءا من كينيا.
وذكر له الرئيس سياد بري بأن الصومال يمكن ان تصبح مخزن الغلال لمصر مطالبا بارسال فلاحين وفنيين للزراعة في أرض الصومال.
السادات يهدد بضرب أثيوبيا
وعند انتهاء الرحلة علم بطرس غالي اسباب رفض مانجستو رئيس اثيوبيا مقابلته فقد كان بالفعل يريد بدء حوار مع مصر وكان مستعدا لاستقباله كمبعوث خاص للرئيس السادات غير انه عشية السفر إلي اثيوبيا اصدر الرئيس السادات بيانا صحفيا انتقد فيه منجستو ونظام حكمه للناس إلي الدرجة التي هدده فيها بالتدخل العسكري إذا ما تجرأ علي المساس بمياه النيل وقد وصل هذا البيان إلي منجستو قبل بضع ساعات من وصول الطائرة وهاج وماج منجستو ورفض استقباله.
حكايات
أزمة مع كينيا
في يوم الأربعاء 15 فبراير 78 وصلت إلي القاهرة أنباء تشير إلي أن السلطات الكينية احتجزت طائرة مصرية من طراز بوينج 707 كانت في طريقها إلي الصومال وعلي متنها شحنة من الأسلحة وكانت السلطات الكينية قد طلبت من قائد الطائرة العودة للقاهرة ولكنه رفض لأنه في حاجة إلي وقود وطلبت منه السلطات بمطار نيروبي هبوطا اضطراريا للتزود بالوقود ولكن بمجرد هبوط الطائرة حتي احاطتها القوات الكينية واقتحمتها وفتشتها وصادرت الأسلحة والذخيرة ورفضت السماح لطاقم الطائرة بمغادرتها.
في الوقت نفسه قامت السلطات المصرية بعمل انتقامي حيث أجبرت طائرة ركاب كينية علي الهبوط في مطار القاهرة وتم وضعها تحت الحراسة وبعد ساعات حجزت السلطات المصرية طائرة كينية ثانية كانت قادمة من أوروبا في طريقها إلي نيروبي عبر الأجواء المصرية واجبرتها علي الهبوط وصدر بيان ان الطائرتين ستبقيان إلي ان يتم الافراج عن الطائرة المصرية المحتجزة في مطار نيروبي.
في ذلك الوقت كان نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك الذي قرر عدم الافراج عن الطائرتين إلا إذا تم إعادة الطائرة المصرية وعليها الشحنة كاملة مع طاقمها.. وكان الموقف صعبا خصوصا وان الطائرتين المحجوزتين في مطار القاهرة تمثلان نصف مجموع الاسطول الجوي لكينيا وتم اعادة الطائرة المصرية كاملة وأفرجت مصر عن الطائرتين الكينيتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.