القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس الماضي 21 ديسمبر ورفض به العالم تهويد القدس وانتزاعها من القضية الفلسطينية بأغلبية 128 دولة ضد 9 دول.. ليس قراراً عادياً بل تاريخياً بكل ما تحمله الكلمة وعلي كافة المستويات.. ولكن يجب ألا نعتبره نهاية المطاف بل أوله وبالتالي لابد أن نتعامل معه ومع تبعاته بالجدية الفائقة واليقظة التامة. هذا القرار في حكم التطبيق ليس ملزماً لأحد.. فهو لن يجبر ترامب علي سحب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل أو علي عدم نقل سفارة بلاده إليها. ولن يجبر إسرائيل علي التوقف عن تهويد القدس. كما لن يجبر الأممالمتحدة ذاتها علي اتخاذ موقف معاد للدولتين. لكنه في ذات الوقت انتصار سياسي علي أعتي دولة في العالم.. انتصار علي البلطجة والابتزاز وتزييف التاريخ والجغارافيا.. انتصار علي الهيمنة والإذلال ولي الذراع بسلاح المعونات والمساعدات.. ويجب أن نبني علي هذا الانتصار.. وهنا نتساءل: * أولاً.. لماذا هاج ترامب ومندوبته نيكي هالي كل هذا الهياج قبل وبعد جلسة التصويت ووصلت بهما الثورة إلي حد التهديد الصريح لأية دولة تؤيد القرار بقطع المعونات عنها ومن ثم وضعها في القائمة السوداء مع أنه ليس قراراً ملزماً؟؟ الإجابة القاطعة.. أن قرار 21 ديسمبر اعتبرته واشنطن زلزالاً مدمراً أشبه بأحداث 11 ديسمبر من حيث التأثير.. انه بمثابة سحق للهيمنة الأمريكية علي العالم. ضربة قاضية للتأثير الأمريكي علي العالم عامة وعلي حلفاء أمريكا والاتحادين الأوروبي والأفريقي خاصة. انه دليل إدانة لأمريكا يثبت تخليها عن مبادئ سياستها المتبعة تجاه القدس رغم أنها كانت سياسة شكلية علي مر العصور ويؤكد مخالفتها للثوابت التاريخية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.. انه تجرؤ علي انتقاد السياسة الأمريكية علانية مما ينذر بالمزيد ويهز صورة بلاد العم سام في العيون.. أنه يعزل أمريكا عن العالم ويجعلها وحيدة ويتيمة بلا حليف أو صديق بعد أن سقطت آخر ورقة توت تواري سوءتها وهو ما حدث حيث لم تجد معها خلال التصويت سوي إسرائيل ودول هاموشية بلا وزن سياسي وهي جواتيمالا وتوجو وهندوراس وجزر ميكرونيسيا وناورو والمارشال وبالاو وهي الدول السبع التي شذت عن الإجماع ووقفت بجانب أمريكا وإسرائيل طبعاً.. القرار أو الزلزال يعني أخيراً أن دول العالم قد فطمت وحطمت الببرونة الأمريكية وأصبحت قادرة علي أن تقول "لأ" للتدخل في شئونها أو الإملاء عليها أو شراء ذممها بالمال وهو ما عبر عنه مندوب فنزويلا نيابة عن دول عدم الإنحياز بصراحة ان "العالم ليس للبيع". * ثانياً.. وماذا ستفعل أمريكا إزاء ذلك والذي وصفته الحيزبونة الوقحة نيكي هالي بأنه "إهانة لن ننساها"؟؟ الإجابة معروفة.. حيث ستقطع أمريكا المساعدات والمعونات المادية والعينية عن كثير من الدول.. وسوف تزرع الفتن والثورات فيها رداً علي الإهانة وستقول لكلابها الحقوقية والإعلامية "بسك عليه" لاتخاذ قرارات فردية ودولية تجاهها.. إلي جانب المزيد من دعم الإرهاب ومن استهداف مفاصل اقتصاد الدول ان لم يكن الدول ذاتها. * ثالثاً.. وماذا أعددنا.. وماذا سنفعل؟؟ 1- يجب أن تكون كل الدول الإسلامية والعربية والمحبة للسلام والعدل الكارهة للابتزاز علي قلب رجل واحد.. أن تعتبر أي إجراء يُتخذ ضد دولة إنما هو إجراء ضد كل الدول وبالتالي تواجهه مجتمعة.. فبدائل أمريكا كثيرة وهي الرسالة الأهم لهذه الدولة البلطجية. 2- أن تؤمن الدول حدودها وتقوي جيوشها أكثر وأكثر وتراقب جبهتها الداخلية بأعلي درجات اليقظة لأن الأعمال السفلية حتماً ستبدأ لزرع الفتن الدينية والطائفية والمذهبية وهو ما يجب مواجهتها بقوة وحسم وقبضة فولاذية.. وسوف يتم استهداف البشر والحجر.. وأن تكون الدول جاهزة للرد علي أية افتراءات.. فاللعب أصبح ع المكشوف وبلا حياء أو خجل. 3- ستحاول أمريكا من خلال عملائها استهداف الشخصيات العامة.. نعم نؤمن بقضاء الله وقدره لكن يجب أن نأخذ بالأسباب. 4- أن تكون لنا شخصيتنا النابعة من تراثنا وقيمنا وأدياننا.. مثلاً.. يجب أن نلغي من قاموسنا المسميات التي سعت أمريكا وإسرائيل لزرعها فينا ونجحتا إلي حد كبير وأصبحنا نرددها بلا وعي وأن نسمي الأشياء بمسمياتها.. علي سبيل المثال لا الحصر.. نلغي مسمي "الشرق الأوسط" ونقول "المنطقة العربية" وهو ما لفتت نظري إليه الصديقة الفاضلة خيرية الدروي جزاها الله خيراً.. ألا نسايرهم في أن الصراع علي القدس "ديني خالص" حتي لا ندخل في متاهات ونتمسك بالحقيقة الدامغة وهي أنه صراع بين أصحاب أرض ومحتل غاصب احتل هذه الأرض بالبلطجة والإرهاب والقوة المسلحة وأن الجانب الديني الإسلامي والمسيحي بل واليهودي أيضاً هو جزء من هذا الصراع وليس كله.. وهكذا. هذا بعض من كل.. فقط ذكرت نماذج.. وحتماً سيكون لكل حادث حديث. غداً بإذن الله.. نسلط الضوء بكثافة علي ما بدأته أمريكا مع مصر والمنتظر منها وما هو موقفنا. حفظ الله مصر.. دولة وشعباً وقيادة وجيشاً وشرطة. [email protected]