حين وجهنا إليه السؤال: أيهما أقرب إليك: الإبداع أم النقد. قال د. حسن البنداري: اعتز بأني مبدع وناقد وأستاذ جامعي.. فقد كتبت روايتي الاولي "سلوي الروح" وعمري 16 عاماً. وحظيت بكتابات كثيرة. وهناك دراسة مقارنة بينها وبين رواية لكاتب انجليزي. قام بها د. ياسر خميس. وصدرت روايتي الثانية "الجرح" في 1972. وقد كتب عنها الناقد الكبير د. السعيد الورقي فصلاً في رسالته للماجستير بعنوان "تيار الوعي عند حسن البنداري" وتناول البعض ما في أعمالي الباكرة من تناص رغم اني لم أكن أعلم ساعتها ماذا يعني التناص. وأذكر أن الناقد والمبدع الكبير محمد قطب أفرد دراسة لمناقشة التناص بين قصتي "الصباح الآخر" وإلياذة هوميروس" . أضاف د. البنداري: علي الجانب الآخر كنت مهموماً بالدراسة الاكاديمية. قدمت رسالة ماجستير في القصة القصيرة. وتناولت في رسالة الدكتوراه النقد العربي القديم. وزاوجت- فيما بعد- بين الابداع والدراسة الجامعية. وأبدعت الرواية والمجموعة القصصية وظني أني طرحت في المجالين. من خلال العديد من المؤلفات ما يحسب لي كمبدع. * ما رأيك في القول إن نجيب محفوظ لم يجد كتابة القصة القصيرة إجادته لكتابة الرواية؟ ** ربما بدأت هذه المقولة في كتاب غالي شكري "المنتمي"" فقد أشار إلي أن قصص محفوظ القصيرة هي اسكتشات لرواياته. والثابت أن أولي قصصه نشرت سنة 1934. ومجموع ما نشر له من هذا اللون لايقل في قيمته عما أبدعه يوسف إدريس. ذلك ما أثبته في رسالتي الاسس الفنية لتطوير القصة القصيرة عند نجيب محفوظ" وقد حولت العنوان- عند نشرها- إلي "فن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ" ونشرت الطبعة الاولي من الكتاب في 1983 ولاقي صدي جيداً. وقدمت حوله دراسات عديدة. وجدان القارئ * ارتكازاً إلي هذا الرأي.. ما ملامح القصة القصيرة في إبداع محفوظ؟ ** الموقف في القصة القصيرة عند محفوظ مركز جداً حول فكرة معينة. تنهض بها شخصية. أو مجموعة شخصيات لابراز هذا الموقف.. واللغة مكثفة ومركبة جداً ومناسبة لكل موقف. فلكل موقف سمة مثل البساطة أو الغموض أحياناً إن اقتضي الموقف ذلك لاثارة وجدان القارئ. ربما علينا ان نقرأ مجموعة "همس الجنون" التي نشرت في 1947 وتحضرني بالتحديد قصة "بذلة الاسير" التي تشغل خمس صفحات من المجموعة وتتناول قصة مواطن بسيط قتل. دون ان يعرف لماذا قتل. فقد استبدل - ليستر بدنه- علبه السجائر بملابس الاسير العائد إلي القاهرة. الدلالة رائعة وتحتاج إلي الكثير من التأمل تحضرني كذلك قصة "سائق القطار" في مجموعة "بيت سئ السمعة" التي وصفها غالي شكري- بحق - إنه لايكتبها إلا نجيب محفوظ. لقد كانت تحذياً فنياً من نكسة 1967 كما أجادت قصص محفوظظ توظيف الحلم وأزعم أني أول من التفت إلي توظيف الحلم عند مبدعنا الكبير. وهو ما عرضته في كتابي "تقنية الحلم والفن القصصي عند نجيب محفوظ". والحق أني شغلت بالقصة القصيرة عند أديب نوبل منذ زمن. ولي كتاب "البنيات الكاشفة للنص القصصي عند نجيب محفوظ" وقد نشرته في هيئة الكتاب بعنوان "لعبة الضمائر" فالقضية مطروحة من زمن وهناك من كتب فيها. مثل عزيزة مريدن من لبنان. ود. فاطمة الزهراء من مصر لكنني أنا الذي كتبت أولاً. فرسالتي صدرت في .1979 وثمة من يري أن نجيب محفوظ عندما كان يريد ان يعلن عن مقفه في قضية أو موقف اجتماعي ما كان يصوغ أفكاره في قصة قصيرة لانها اسرع في الكتابة والتلقي. وعلينا ان نتذكر "أحلام فترة النقاهة" التي كتبها وهو مصاب بطعنة مهووس اتهم مبدعاً كبيراً بما لم يقرأه له وحكم عليه بالموت ثم حاول ان ينفذ الحكم. القصة في أحلام فترة النقاهة تبدأ بجملة واحدة وتنتهي بعشرة أسطر. وتمثل في كل الاحوال لحظة قصصية كاملة أو ما يمكن ان نطلق عليه "القصة الومضةü" ولا أنسي قصة الرجل الذي أراد ان يودع حياته بما كان يحياه في القديم لبي أهله مطلبه بإنشاء الشقة فوق السطح فيها بنية الحمام وشروخ الجدران وتآكل السلالم والمشهد الذي طالما أطل عليه وكل ما ينتسب إلي الماضي ووافق الرجل علي كل ما رآه لكنه أضاف القول: أين الروح؟.. أي أن الحياة التي تعاني تكلف الصنعة. تظل غير حقيقية وبلا روح هذه قصصة لايكتبها إلا فنان عظيم وعموماً فإن النص الادبي- - مثل كل الاشياء التي يصنعها الانسان- يصعب أن يحصل علي الاجماع. * بهذه المناسبة: هل أنت مع القصة القصيرة جداً. أو القصة الومضة. وما يطالعنا الآن في الصحف والدوريات والندوات من نماذج لها؟ - ناتالي ساروت أول من كتب القصة الومضة في مجموعتها "انفعالات " التي ترجمها فتحي العشري وترجمت في لبنان بعنوان "انعطافات" وسماها المترجم "قصص قد الكف"" وقد تعالت الدعوات من أيامها ان يدرس هذا النوع القصصي. أما عن رأيي في هذا النوع فإنه إذا اسرفنا في الغمض عقدنا المسألة. لابد من الوضوح في عرض الفكرة وهذا لا يمنع أبداً ان يكون العرض محوحياً فلابد حين أقرأ عملاً ان أخرج منه بنتيجة ما ينشر الان أغلبه سطور لامعني لها أذكرك بما فعله نجيب محفوظ حينما تحدث في هذه القصص عن مصر جعل الاطفال كلهم يلقمون ثدي أمهم القصة الومضة الآن أغلبها نوع من الاستسهال للتعبير القصصي. ولانجد من ورائها معني. هي لشهرة صاحبها. وأنا أري أن المرأة هي الاقدر فنياً علي كتابة هذا اللون لكنني- في غالبية ما قرأت- أجده استسهالاً في كتابة القصة. أمراض ثقافية * أنت موجود في قلب الحياة الثقافية. كمبدع وناقد وأستاذ جماعي.. ما -في رأيك- أمراض حياتنا الثقافية؟؟ - نحن نعاني المجاملاة.. في النشر والندوات والجوائز وفي بعض الرسائل الجامعية. للاسف الشديد هناك بعض المشرفين لايعرفون لجوء عدد من الباحثين العرب إلي المكاتب لانجاز رسائلهم تلك الظاهرة انتقلت إلي باحثين مصريين. وأذكر أني لاحظت- أنا أناقش الباحث- أنه لايفقه شيئاً من موضوع بحثه. وأدركت ان آخرين كتبوا رسالته وكما اشرت فهناك مراكز تقوم بذلك في وسط البلد وعين شمس وجوار جامعة القاهرة ثمة مجموعة من حملة الليسانس يسربون رسائل من المكتبات يأخذونها من الارفف. وينقلون بلا تصرف فصولاً كثيرة. أما الندوات فثمة سيل من الكتابات والاختيارات غير الموفقة فالكثير من تقدمهم لا يعرفهم أحد وينشأ خلل تعقبه فوضي غير مبررة. * ما يجتذب إعجابك في رسائل الاجيال الطالعة من الباحثين؟ - الجدة هي أول ما يجتذبني في الرسائل الجديدة المحاولات المخلصة في البحث والتقليب والنقاش والتوصل إلي وجهات نظر تستحق المراجعة المؤلفات كثيرة ولايبقي منها إلا ما يتسم بالجدة. وبالاضافة في المجال الذي يرتاده نحن لانذكر من الكتب التي ثبتت في يقين قارئ العربية إلا القليل مما حرص علي تقديم وجهة النظر المستندة إلي نصوص ووثائق وقدرة علي الموازنة بين الكتابات العربية أو المقارنة بينها وبين الكتابات الاجنبية ولعل صوتي يعلو بالاعجاب وأنا أنهي قراءة رسالة تطرح جزراً مجهولة تضيف إلي الثقافة العربية- بل والعالمية- ما يسد فراغاً مهماً ويمثل-في الوقت نفسه- قيمة أكاديمية مهمة. * كناقد.. ما رأيك في الابداعات الشعرية الحديثة؟ - هناك محاولات ممتازة وهناك محاولات غامضة جداً ورغم ان الفن إضمار فإن الفكرة الغامضة جداً تفقد الشعر الكثير ثمة غموض محرك وغموض استغلاق يجعل المتلقي لايتذوق الشعر.