كلما أصابني ألم نفسي أو حزن شديد أتذكر نافذتكم الكريمة التي كم واستني وخففت عني من الهموم واليوم أجدني مشدودًا للكتابة لها عن أجمل صديق قابلته في حياتي لعلي أوفيه بعضًا من حقه عليّ وأقدمه كنموذج يحتذي لإنسان فَهِم رسالته في الحياة وعمل عليها. إنه جاري ووالدي الروحي "منير ميخائيل" الذي سبق وأشرت إليه في رسالتي الثانية إليكم وهي "شُفيت من أبي"» جاري الذي بدأت معرفتي به منذ عشر سنوات وأنا في منتصف العشرينيات من العمر فكنت ألجأ إليه حين يشتد الخلاف بيني وبين أبي رحمه الله وكان يُسدي إليّ النصح ولا يتركني أنصرف من عنده قبل أن أستعيد هدوئي. وتوطدت صداقتي به أكثر حين عملت معه في فترة من الفترات في مجال المقاولات تلك المهنة التي عشقها وظل يزاولها بمنتهي الجدية والصدق والأمانة» وبعد وفاة أبي صار هو ملاذي الوحيد بعد الله والطبيب الذي ألجأ إليه لكي يشخص الحالة ويصف العلاج حينما يشتد الخلاف بيني وبين أحد من أفراد عائلتي أو الأصدقاء ومع تزايد ثقتي فيه وإدراكي لعمق الخبرات التي يتمتع بها كنت أستشيره في أدق أموري الخاصة لأحصل منه علي روشتة السعادة والنجاح.. و.. وكنت إذا خالفت نصائحه في مشكلة ما ويزداد الأمر تعقيدًا أعود إليه معتذرًا آسفًا بأني لم آخذ بالنصيحة!! هكذا عرفت صديقي الأستاذ "منير" وما قربني إليه أكثر وجعلني أشعر بأنني ابن حقيقي له أنه لم يتزوج ونسي نفسه في غمرة الكفاح والمسئوليات. أبي الروحي الذي بقدر عطفه وحنانه بقدر ما كان حازمًا وصارمًا معي لكن دون عنف أو إهانة. وبخصاله الحميدة اكتسب احترام الجميع له صغيرًا وكبيرًا وكان حريصًا علي تهنئتي في عيدي الفطر والأضحي وفي أي مناسبات أخري. وفي مرضه الأخير علمت أنه كان دائم السؤال عني.. وفي يوم وفاته كنت في مقدمة مشيعيه وحرصت علي المشاركة في حمل التابوت... ومن يوم رحيله وأنا في حالة ألم شديد وانكسار يملؤني شعور العاجز قليل الحيلة. .. وكلما شدني الحنين إليه أذهب وأجلس أسفل نافذة منزله مستدعيًا ذكرياتي معه بقلب حزين وعين دامعة. أربعة شهور مضت علي وفاته ومع ذلك لا أدري كيف الفرار من أحزاني التي أحاول مغالبتها بالعمل بنصائحه وبكيفية التعامل مع الناس والتصرف في المواقف المختلفة؟! سيدتي ألا تتفقين معي والقراء أن "العم منير" نموذج يحتذي في الصداقة وصدقه مع نفسه والآخرين وأن إنسانًا بمثل خصاله من الصعب نسيانه ليظل القلب حزينًا والعين دامعة؟! صديق النافذة: أحمد حسين المحلة الكبري المحررة : عدت لنا من جديد لترثي والدك الروحي الذي لم يبخل بنصائحه لك ونجح فيما أخفق فيه والدك رحمه الله من قبل حين اتخذ من الشدة والحسم وحدهما أسلوبًا في التعامل معك ما جعلك تبحث عن الأب العطوف الصديق فوجدته في جارك العم "منير" الذي بقدر ما ملأ حياتك بقدر ما ملأت أنت حياته ليري فيك الابن الذي كان يتمناه ويجد سعادته في مساعدتك علي حل مشاكلك مع الآخرين. تسأل أليس العم منير نموذجًا يحتذي في الصداقة والصدق مع نفسه والآخرين؟.. والإجابة تأتي مؤكدًا ب "نعم" لأنه ببساطة امتلك مهارة الطبيب حين أحسن التشخيص ووصف لك بدقة الدواء في كيفية التعامل مع والدك ومع الناس والمواقف المختلفة؟! فلعل الآباء الغافلين ينتبهون لخطورة جفائهم لأبنائهم ويتعاملون معهم مثل العم "منير" بقلب الأب الصديق القادر علي استيعاب ابنه واحتوائه قبل فوات الأوان. ولعل نافذة منزله تشهد بطيب ما غرسه وأن ابنه الروحي لا يزال سائرًا علي الدرب. عارفًا بالجميل.