صرخت الأم المكلومة.. والدموع تنهمر من عينيها: لعن الله "الإضراب" منكم لله.. وحسبي الله ونعم الوكيل.. قالتها بعد توسلات ومحايلات بعد رفض أطباء المركز الطبي بمدينة المستقبل بالسادس من أكتوبر استقبال أحد أبنائها المصاب في حادث. هرعت الأم وهي تضرب كفاً علي كف إلي مستشفي 6 أكتوبر العام بالحي السادس علي أمل إنقاذ حياة فلذة كبدها والدماء تسيل علي وجنتيه.. وجاء الرد مزلزلاً واضحا من قبل أطباء وموظفي وممرضي المستشفي "إحنا في إضراب.. يا ماما وأعلي ما في خيلك اركبيه". استشاطت الأم المسكينة غضباً واندفعت لأحد المستشفيات الخاصة لإسعاف ولدها.. وهي تلعن الاضراب والمضربين الذين يتاجرون بحياة الناس. تلك سطور من واقعنا المرير.. ومأساة إنسانية من جزء حمي الإضراب التي تنتقل كالنار في الهشيم.. من محافظة لأخري ومن فئة لأخري.. في فترة عنق الزجاجة وفي أدق وأخطر اللحظات التي يمر بها الوطن. هذه السيناريوهات المتكررة لا نعلم من يحركها ويؤججها في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة والتي أوشكت علي الانتهاء.. فمن المستحيل لأي حكومة مهما بلغت درجة قوتها ان تستوعب تلك الهموم والمشكلات المتراكمة من عشرات السنين دفعة واحدة فهي في نهاية الأمر حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال ودفع عجلة الحياة بالحد الأدني اللازم لدورانها إلي الأمام ولهم العذر. أما أصحاب المعاطف البيضاء وملائكة الرحمة والذي تحولوا فجأة لشياطين عذاب من أجل بضعة جنيهات فلا عذر لهم.. ومهمتهم الإنسانية السامية التي تشرفوا بها تربأ بهم من تلك المزايدة والمتاجرة بصحة البسطاء ومن الانزلاق والتمادي في هذا الجرم. الجميع يعلم أنكم كسائر أبناء الوطن لكن حقوق هضمتها سنوات المر البائدة.. ولكن المسئولية الوطنية الآن تحتم علي الجميع التكاتف والتقارب ونكران الذات حتي يعلو البناء ونتجاوز جميعاً هذه المحن والفتن المتلاحقة علينا كقطع الليل المظلم. شعب مصر الصبور تعاطف مع مطالبكم المشروعة.. ولكنه لن يقبل بعد الثورة ان يتاجر أحد بقوته أو بصحته أو بأبسط الخدمات التي تقدم إليه أو بالأحري حقوقه التي طالما كان يحلم بها في وطنه. ولا أجد أن اضراب المعلمين وموظفي البريد وسائقي حافلات النقل العام عن ذلك ببعيد.. فالتلويح بحرمان المواطن البسيط من حقوقه الانسانية المتواضعة جريمة لا تغتفر.. ولعب بالنار غير محمود العواقب. شهور قليلة ويعود البرلمان وينتخب رئيس جديد للبلاد وتعود الحياة الطبيعية.. والأمر جد خطير ويحتاج الكثير من الدهاء.. والقليل من الصبر.