من نعم الله علي عباده التوفيق في الأداء والإكثار من العمل الصالح خاصة بر الوالدين لأنه الطريق لرضا رب العباد من هؤلاء الرجال أويس بن عامر القرني وقد أدرك رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يره. أسلم وحسن إسلامه وهو من أهل اليمن ورغم أنه كان رقيق الحال إلا أنه كان يتقن العمل في رعي الغنم وفي نفس الوقت كان باراً بأمه لأن نور الإيمان قد امتلك وجدانه فقد كانت أمه لا تنام إلا علي كتفيه ورغم أنه يعود من الرعي مرهقاً إلا أن بره بأمه جعله ينسي آلامه وتعبه ويقدم علي حملها تقديراً لمكانتها وتنفيذاً لتعليمات رب العالمين "وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً" الإسراء 23 وقد ظل أويس علي حمل أمه رغم أنها حاولت مراراً إثناءه عن القيام بهذه المهمة تقديراً لظروفه حيث يعود مرهقاً من رعي الغنم لكن أويس أصر علي حمل أمه كي تحصل علي قسط من الراحة رغم أنه يعاني من مرض البرص وهو مرض جلدي شديد القسوة علي من يصاب به. هذا الوفاء من جانب أويس بن عامر القرني بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم وتحددت أمامه معالمه وطريقة بره بأمه فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد ثم من قرن. كان بن برص فبرأ منه إلا قدر موضع درهم له والدة هو بها بار لو أقسم علي الله لأبره. فإن استطعت أن يستغفر لك فأفعل؟ وفي رواية إذا لقيته يا عمر فأسأله أن يستغفر لك. ظل عمر يترقب الوفود القادمة من جهة اليمن. ومضت الأيام وعمر لايزال يترقب هذا الرجل. وقد اقتضت الظروف أن يرحل أويس مع بعض القرنيين واستقر في الكوفة وأصبح من كبار تابعيها ويروي أبونضرة عن أسير بن جابر كما جاء في كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة: كان محدث من أهل الكوفة يتحدث فإذا فرغ من حديثه تفرقوا ويبقي رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحداً يتكلم بكلامه. فأحببته. ثم تقدمه. فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه. ذا أويس القرني. قلت: تعرفه أو تعرف منزله؟ قال: نعم. فانطلقت معه حتي جئت حجرته. فخرج إليّ فقلت: يا أخي ما حبسك عنا؟ قال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه. قال: قلت خذ هذا البرد فألبسه. قال: لا تفعل فإنهم يؤذونني. أضاف: لم أزل به حتي لبس البرد ثم خرج عليهم. فقالوا من تري خدع عن برده هذا؟ سخرية واستهزاء. ثم قام بخلعه وقال للرجل: ألا تري هؤلاء. فأتيت المجلس فقلت ماذا تريدون من هذا الرجل؟ قد اذيتموه وأخذهم بلسانه كي يردعهم بعيداً عنه. هذا الحوار يشير إلي أن أويس كان رقيق الحال وربما كان بياض بشرته يدفع بعض السفهاء للنيل منه. ولا يدركون أن هذا الرجل مستجاب الدعوة ولو أقسم علي الله لأبره. ورغم مضي بعض السنوات إلا أن أمير المؤمنين أبوحفص عمر رضي الله عنه لم تفتر عزيمته وظل يتابع الرجل وتنقلاته مع أهل الكوفة التي استقر بها مع القرنيين هناك.. وفي إحدي السنوات جاء إلي عمر رضي الله عنه وفد فيهم رجل ممن كان يسخر بأويس. فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له: أويس لا يدع باليمن غير أم. وقد كان به بياض - أي برص - فدعا الله فأذهبه عنه إلا مثل الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فمروه فيستغفر لكم. هذا الرجل جاء إلي أويس حتي دخل عليه قبل أن يأتي أهله. فقال أويس: ما هذه بعادتك؟ قال: سمعت عمر يقول: كذا وكذا فاستغفر لي. قال: لا أفعل حتي تجعل لي عليك أنك لا تسخر بي ولا تذكر قول عمر لأحد. بعد تعهد الرجل استغفر له. ثم قدم أويس علي عمر رضي الله عنه فسأله: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. هنا قال عمر: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد ثم من قرن. كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم . له والدة هو بها بار لو أقسم علي الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؟ كلمات الرسول في الحديث موجهة لعمر. وقد سأل عمر أويساً أن يستغفر له فاستغفر له. ثم سأله قال: أين تقصد؟ قال: الكوفة؟ قال عمر: هل أكتب لك لعاقلها؟ قال أويس: لا.. أن أكون في غبراء الناس أحب إليّ. مما سبق يتضح أن أويس كان رقيق الحال حنيف أرهقه مرض البرص فكان مثار السخرية. لكن كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: رب اشعت أغبر لو أقسم علي الله لأبره. لقد انطبقت هذه الصفات علي أويس فمن الله عليه باستجابة الدعاء. رحم الله أويس ونسأله سبحانه أن يلهمنا التوفيق واستجابة الدعاء.