بينما تستعد البيوت المصرية لاستقبال شهر رمضان المبارك وتهيئة الأنفس للحالة الروحانية التي ننتظرها من العام للعام فوجئنا ببعض القنوات تعلن عن مسلسلاتها التي سوف تقدمها في شهر رمضان المبارك. وكان أشد هذه الإعلانات جراءة تصل إلي حد السفالة ما أذاعته قناة "النهار" الفضائية من "برومو" لمسلسل اللبنانية هيفاء وهبي بما يتضمنه من مشاهد عري وايحاءات جنسية وتسليط الكاميرا علي مناطق من جسد هذه الممثلة بطريقة لا تليق أبداً مع روحانيات الشهر الكريم.. وبمجرد إذاعة هذا الاعلان عن المسلسل انتفض الكثيرون وأعلنوا رفضهم لهذا الابتذال الرخيص بهدف تحقيق أعلي نسبة مشاهدة. "المساء" استطلعت آراء من لهم علاقة بهذا الموضوع وفي مقدمتهم مسئولو المجلس الأعلي للاعلام. والهيئة الوطنية للاعلام ونقابة الاعلاميين الذين من بين أهداف تشكيلهم ضبط الايقاع الاعلامي والحفاظ علي قيم وتقاليد المجتمع ضد أي انحراف. قال الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلي لتنظيم الاعلام ل"المساء" حتي الآن لم أشاهد أي بروموهات أو أعمال حتي أحكم عليها. ولاسيما أن هذا الشأن يخص الهيئة الوطنية للاعلام برئاسة حسين زين وليس من اختصاصنا. مشيرا إلي أنه في حالة وجود شكوي ترد إلينا ضد القنوات التي تعرض الأعمال التي هدفها تشويه قيم المجتمع خاصة عندما تعرض في شهر رمضان سوف نحقق فيها وبالتالي سوف تكون هناك قرارات حاسمة. وقال حمدي الكنيسي عضو الهيئة الوطنية للاعلام ونقيب الاعلاميين: ليس دور الهيئة الوطنية للاعلام اتخاذ اجراءات مع القنوات الخاصة في المحتوي الذي تقدمه للمشاهد لكن الهيئة معنية فقط بالاعلام الرسمي. مؤكداً أن هذا الشأن يخص دور نقابة الاعلاميين من خلال رصد هذه القنوات ووضع التقارير التي تؤكد علي أن مثل هذه الأعمال الدرامية تتنافي مع القيم والمبايء التي نص عليها القانون وتقدم كتوصية بالتنسيق مع المجلس الأعلي لتنظيم الاعلام لتوقيع العقوبة المناسبة تجاه تلك القناة تصل إلي الغرامة أو ايقاف القناة. واتفق معه عبدالرحمن رشاد عضو الهيئة الوطنية للاعلام مؤكدا أن القنوات الخاصة وما يعرض فيها يخص المجلس الأعلي من خلال الرصد والمتابعة وتقويم ومراجعة المحتوي الخاص بتلك القنوات. وتفعيل القانون الذي يهدف إلي حماية قيم المجتمع المصري الدينية والاخلاقية والمجتمعية. أما بالنسبة لدور الهيئة الوطنية للاعلام فيتعلق بالاعلام الرسمي للدولة وكل ما هو منوط بها في هذا الإطار. وتساءل خبراء علم النفس والاجتماع والاعلام: اذا كانت الاعلانات عن المسلسلات بهذا الشكل الجرئ فماذا نشاهد عند العرض خلال الشهر الكريم. وقالوا إن المادة الدرامية أصبحت تقاس بنسبة الغرائز والايحاءات الجنسية لتحقيق أعلي نسبة مشاهدة وأرباح. والاهتمام بأعمال العنف والبلطجة والراقصات والغوازي وكأنها أصبحت ثقافة الفن الدرامي.. طالبوا الكتاب والأدباء بضرورة الارتقاء بالذوق العام. قال د.جبر محمد جبر "أستاذ علم النفس الاكلينكي بجامعة بورسعيد": الفن انعكاس للواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي في أي مجتمع وهو مرآة توضح الحالة العامة والسلوكيات. والمجتمع المصري مر بعدة فترات أثرت في المادة الدرامية التي يتم نقلها للمشاهد. بداية من مرحلة القيم التي كان يتم تدوين أهمها علي كراسات المدارس وتوعية التلاميذ بمجموعة من السلوكيات. ثم جاءت فترة الانفتاح والتي ألغت مجموعة من القيم حتي وصلت لمرحلة "أنا" وظهرت مع هذه المرحلة مصطلحات مثل "أنا ومن بعدي الطوفان" ثم أعقبتها مرحلة التوريث لاستكمال "الأنا" عند الجميع. أضاف: ثورة يناير و30 يونيو نقلت المجتمع من ثقافة إلي ثقافة أخري. وبصرف النظر عن الآراء المتباينة بين نجاح أو فشل الثورة يبقي الأساس وهو وجود عوامل أدت إلي تشكيل شخصية المجتمع المصري شخصية هلامية وغير محددة مما أدي إلي انعكاس ذلك علي الفن المصري والاعمال الدرامية. وأصبحت تقاس المادة المقدمة بنسبة الغرائز التي بها وهل تجذب اعدادا كبيرة من المشاهدين أم لا. وأصبح المجتمع الفني لا يهتم الا بالمكسب والأرباح. ولا نشاهد إلا حلقات من المبارزة في أجهزة الاعلام. حتي مذيعي "التوك شو" ومذيعات قنوات الدولة يظهرون في برامج لمدة ساعتين بملابس غير لائقة علي الاطلاق. حتي طريقة الحوار لا تنم عن وجود مستوي من الثقافة. وللأسف أصبحت مخاطبة الغرائز الجنسية هي الهدف لتحقيق أعلي نسبة من المشاهدة. بالاضافة لتجسيد أعمال العنف والبلطجة وكأنها أصبحت هي ثقافة الفن الدرامي في مسلسلاتنا. د.سيد عفيفي "أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم": ما نشاهده علي قنوات الفضائيات من أعمال درامية مبتذلة ما هو الا نتاج لحالة الخلل الذي حدث في القيم. وحلت القيم السلبية بالمجتمع. وللأسف البعض منا فهم الثورات علي أنها انطلاق للحريات بلا ضوابط. ولا تتوقف السلبيات علي غير المتعلمين فقط ولكن هناك الكثير من المتعلمين والمثقفين بدأوا في مسايرة الموجة وعدم الاهتمام بالقيم. أضاف: الخلل أصاب جميع شرائح المجتمع وأصبح التمسك بالتقاليد والقيم هو الشيء الغريب والشاذ ويتم مواجهته بسخرية شديدة. وللعولمة دور كبير في بث هذه السلبيات نتيجة للفضائيات التي تنقل ثقافات مختلفة من دول أوروبية وعربية. الشيخ علي أبو الحسن "رئيس لجنة الفتوي في جامعة الأزهر سابقا" يقول: من المفترض ان تراعي المسلسلات التليفزيونية التي تقدم في شهر رمضان شعائر وفضل هذا الشهر وتبتعد عن مشاهد الاسفاف والابتذال والعري فعقاب القائمين علي هذه الاعمال التي تتعارض مع فضائل الشهر يتضاعف!! أشار إلي أنه لا مانع من المسلسلات المسلية التي من شأنها أن تذكر وتعظ المجتمع بهدف غرس مبادئ حسنة أما الابتذال الذي نشاهده بموجز اعلاني للمسلسلات يظهر مشاهد عري والفاظ وسلوكيات متدنية بغرض جذب الناس ما هو إلا اسلوب رخيص لهدف اشاعة الانحطاط. أضاف ان الانسان يجب ان يتجرد من جميع العادات والسلوكيات السيئة ليكون مندمجا مع الشهر الكريم فالامساك ليس عن الطعام فقط لكن أيضا عن جميع المحرمات وينبه بعدم الانسياق وراء الاعمال الدرامية الي من شأنها التعارض مع موجبات الصيام والشعائر الرمضانية. د.صفوت العالم "أستاذ الاعلام والرأي العام بكلية الاعلام جامعة القاهرة" يقول: اعتدنا في السنوات الأخيرة علي كثرة المسلسلات التي تعرض في شهر رمضان وتتناول موضوعات ومحتوي لا يليق بقيم الشهر الفضيل وهذه المسلسلات تتكلف انفاقاً ماديا ضخما دون أن يكون هناك مضمون يتفق مع القيم والافكار التي تبني جيلا جديدا لذلك نحتاج من المجلس الأعلي للاعلام الجديد تشكيل لجان جادة لتقييم الأعمال الدرامية المقدمة ومعرفة مدي الجدوي التي تعود علي المجتمع من مشاهدتها حتي تسمح بعرضها للجمهور. أضاف ان هناك وكالات اعلانية تنتج مسلسلات مليئة بالاسفاف لغرض واحد وهو تسويق الاعلانات فهل سنترك تلك المهزلة التليفزيونية دون رقابة حقيقية؟!