في حوار صحفي. عاب الصديق الروائي بهاء طاهر علي عدد من الروائيين أنهم يحرصون علي غزارة الانتاج فهم يقلبون العمل الواحد أكثر من مرة كالجورب القديم الذي يصعب علي صاحبه أن يرتديه فيقلبه ليسهل استعماله من جديد. في رده عن سؤال: هل معيار المستوي لديك مقدم علي الكم؟ قال: خير لي أن أكون مقلاً من أن أكون مدلساً بعض الأعمال الأدبية يقلبها صاحبها مثل الجوارب وأنا يصيبني الرعب من تكرار أي شخصية أو فكرة في أي عمل لي. ورأيي أنه إذا كان بهاء طاهر يتجه باتهامه إلي من تستهويهم الكتابة الإبداعية في ذاتها لا شأن لهم بوفرة اصداراتهم أو العكس فإن الاتهام يبدو صعبا إذا كان للكاتب مشروعه الذي أخلص له منذ بداياته بصرف النظر ما إذا كان هذا المشروع يتضمن كتباً قليلة أم كثيرة. أتصور أن المبدع الحقيقي له فلسفة حياة ليس بالمعني الميتافيزيقي وإنما بالمعني الذي يشمل مواقفه من المجتمع والسياسة والتاريخ واللغة وعلم الجمال وغيرها بالإضافة طبعاً إلي الميتافيزيقا التي يصعب أن يخلو منها ولو في الخلفية إبداع ما. سقوط الإنسان الأقرب إلي الانتصار هو ما يطالعنا في روايات همنجواي: لمن تدق الأجراس. ستشرق الشمس ثانية. العجوز والبحر. ثلوج كليمانجارو. الأيام الباريسية وغيرها روايات يصعب وصفها بالكثيرة لكن المبدع تناول فيها باقتدار مشكلة المصير الإنساني السقوط الذي يرقي إلي مرتبة الانتصار. والعبثية التي ينبغي علي المرء أن يضيف بما يبدل من صورتها وتماهي المشروع الإبداعي أو المشروع الفلسفي الحياتي لألبير كامي ربما لو أن كامي لم يختطفه الموت وهو في أوائل الأربعينيات لعمق مشروعه بكتابات أخري غيرها وقد اكتشف في السنوات الأخيرة مخطوط روائي لكامي لم ينشر في حياته القصيرة نسبياً. والأمثلة تضيق بها المساحة. ما أريد تأكيده أن الأمر لا يعود إلي الرغبة في الكثرة ولا إعادة قلب الجورب ولا الحكي الذي يستهدف الثرثرة إبداع الفنان الحقيقي يصدر من خلال مشروع متكامل. رؤية متكاملة من خلال فلسفة حياة تحاول الاكتمال. يراجع ما كتب. فيجد أنه قد عبر عن مشروعه بصورة صحيحة أو العكس وفي حالة السلب فإنه يعود إلي القلم والأوراق وما يريد التعبير عنه فيكتب لا يعنيه إلا أن يقرب ما أمكن من تجسيد مشروعه الروائي في أعمال قد تتكرر أجواؤها "أذكرك بماكوندو ماركيث" أو تتشابه شخصياتها وأحداثها لكن الهدف من الكتابة يتجاوز ذلك كله. الأديب ليس "مقصدار" يلجأ إلي المسطرة والمازورة ولا هو حكواتي يشغله إزجاء وقت فراغ رواد المقاهي برواية السير الشعبية والحكايات لكنه صاحب رؤية ويشغله أن يعبر بما تواتيه قدراته الفنية عن هذه الرؤية.