عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فيتحول به الأمر إلي مهزلة.. هذا فيلم "مسخرة" التأليف ان افترضنا صحة هذا المصطلح هنا بدوره مسخرة. وطريقة الحكي لا تخلو من مساخر والفيلم برمته فيلم "هزلي" ومستنقع لذوق وأفكار صناعه وهم فريق يبدأ مشواره السينمائي ولديه خبرة بالجمهور الذي يتوجه إليه ويتفاعل مع هذه الحزمة من المساخر. ومثل هذه التجارب الفيلمية الهزلية تواجه في الأغلب ما تستحقه من جزاء أو عقاب حسب مستوي الاقبال عليه أو الانصراف عنه. تحدد ذلك الإيرادات. المؤلفون الثلاثة أحمد سعد وأحمد كامل وعمرو سكر والاسماء الثلاثة ليست معروفة وهذا العنوان الطويل بطاقة تعارف تحدد هوية الشكل الفني الذي يثقون في قدرته علي جذب المتفرج. علي أي حال يعتبر الشكل الهزلي "فارس Farec" وهو فرع معترف به في حقل الكوميديا. وهو نوع يعتمد علي خفة التناول لموضوعات يفترض أنها جادة وعلي التبسيط إن لم يكن التسطيح ليصل به إلي حدود الهزل. ولا تتجاوز الظاهر الخارجي الذي ينقله الحوار وحركات الجسد والإفيهات المفرطة في السوقية والاستخفاف ودغدغة توقعات الجمهور المغرم بحوارات الغرز وهلاوس مدمني المخدرات وتعتمد المواقف علي هذه العناصر التي من شأنها أن تثير الضحك بالنسبة لجمهور دفع ثمن التذكرة لتحقيق هذا الغرض فقط في مثل هذه الأعمال الهزلية لا يوجد تطور للشخصيات ولا المواقف. لأن المواقف في هذا السياق لا تعدو نمرة فكاهية. وفي هذا الفيلم تبدأ في محل كوافير وصاحبه فنان الباديكير والمانكير "محمد سلام" خفيف الظل يستعد للسفر إلي بيروت للمشاركة في لجنة تحكيم ملكة جمال لبنان "!!" في هذا الموقف نسمع حوار ساخراً وطريفاً يناسب الشخصية ويمنح المتفرج فرصة للابتسام. البطل الثاني "أحمد فتحي" ممثل له تكوين خاص لحيته الصناعية الكثة تضاعف من "هطله" أنه متطرف دينياً. وساذج ومضحوك عليه. وبدوره يستعد للسفر إلي بيروت للالتحاق بأمير الجماعة الإرهابية. "محسن منصور" وهو بدوره شخصية هزلية يخطط للسطو علي صندوق "تحيا مصر". والثالث عامل "دي جي" ومهرب مخدرات "ديلر" "محمد ثروت" يرافق خاله "بيومي فؤاد" في رحلة عمل إلي بيروت. يلتقيان فيها بأمرأة جميلة تعمل لدي عصابة التهريب فتسلمهما كيساً مملوءاً بحبوب "الهلوسة" وما ينجم عن ذلك من مشاهد "هلوسة" عندما يتناول الاثنان كمية من هذه الحبوب. تجمع الصدفة بين الشخصيات الأربعة في المطار أثناء توجههم إلي لبنان. ثم بنفس القدرة علي الفبركة والتحرر من قواعد البناء الفني يختلق كتاب السيناريو الثلاثة مواقف مصطنعة لا تتكيء علي منطق يبرر الفعل وردود الفعل بخلاف الهدف الرئيسي. وهو توليد أسباب للضحك. علي سبيل المثال ما هو الهدف من اختيار عنوان طويل جداً وجاد أو يوحي بالجدية لعمل هزلي غارق في الهيافة اللهم إلا خلق مفارقة كبيرة بين ما يوحي به العنوان وبين مضمون العمل. وهي نفس المفارقة التي تقفز عند قراءة هذا العنوان نفسه علي أفيش يضم مجموعة الممثلين الهزليين أبطال الفيلم. وهي في ذات الوقت المفارقة بين هيئة أمير إمارة عمور بطاقيته وجاكتته وجلبابه والشريط الأحمر بالنياشين علي صدره. ناهيك عن لهجته وطريقة أدائه للحوار ومشروعه الموجه لسرقة صندوق "تحيا مصر" فالمفارقة حيلة فنية مشروعة لخلق السخرية وتعميق الاحساس بالمناخ الهزلي الذي يشيعه الفيلم.. في الآونة الأخيرة انتشر بيومي فؤاد في الأعمال الفنية حتي يكاد لا يخلو عمل كوميدي منه. وأخشي أن يحرق نفسه بنفسه. في هذا الفيلم لا غرض في اضافته إلا لمزيد من التركيز لصناعة الافيه وبغض النظر إذا جاءت النتيجة بعكس الهدف المنشود. عموماً في هذا الفيلم يبدو دور الإناث ليس فقط هامشياً ولكنه أقرب إلي الزائدة الدودية. ولا أتصور مستقبلاً أفضل لصناعة الفيلم الكوميدي إذا ظل يعتمد علي صنايعية الورش الخاصة بانتاج السيناريوهات.. فهذه التوليفة من الاسماء المشاركة أجتهدت بقدر امكانياتها للخروج من التوليفة السوقية التجارية المكونة من راقصة ومطرب وكوميديان وكمية من الافيهات والاشتباكات العضلية المصطنعة والتلميحات الجنسية. والله يرحم أرواح من أمتعونا ومازالوا بأفلام يعاد عرضها في القنوات فتمنحنا فرصة عملية لعقد مقارنة بين ما كان وما جري في صناعة الكوميديا التي يعتمد عليها السوق التجاري للفيلم اعتماداً شبه كامل.. هذا الفيلم بعنوانه الطويل المفتعل عينة تظهر التراجع الكبير في صناعة الترفيه. والتراجع المزعج في ذوق الجمهور الذي يتوجه إليه أصحاب شركات الانتاج. الضحك من أجل الضحك رسالة ليس لدينا اعتراض عليها ولكن أن يصبح هذا هو الهدف الوحيد للانتاج الكوميدي فإن ذلك ينطوي علي دلالة خطيرة. وخصوصاً أن هدف الاضحاك وحده يصل بنا إلي التسطيح المخل للأمور الجادة ويفسح المجال للترويج لمظاهر القبح في لغة الخطاب وتشويه اللغة وخلق لغة سوقية بديلة مستمدة من الغرز والمقاهي والكافتيريات المنتشرة ولغة بعض المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي ومنهم من يعملون في مهن جماهيرية يستخدمون في تواصلهم لغة البلطجية والقوادين والشمامين وعلي نحو يندي له الجبين. هذا الفيلم طويل العنوان معدوم القيمة يفسح المجال لأعمال قليلة التكلفة بممثلين طيبين لا يشكلون عبئاً علي ميزانية الفيلم مع مخرج جديد "شادي علي" يطمح إلي أكثر من مجرد اثبات حضوره علي الشاشة وإرضاء جمهور يسعي إلي التسلية ولكنه اختار الطريق الاسهل. الانتاج السينمائي مغامرة وبالتاكيد في ظل الركود الاقتصادي والارتفاع غير المحتمل لثمن تذكرة الدخول "70 جنيهاً" وهناك علي أي حال نوافذ أخري لبيع الفيلم ممثلة في القنوات المتخصصة المهم أن تظل الاستوديوهات عامرة وعجلة الانتاج مستمرة إلي أن ترتقي هذه الصناعة الجماهيرية شديدة الاهمية حين يرتقي ذوق الجمهور المستهلك لها.