الممثل الكوميدي أحمد حلمي بتكوينه العقلي ومزاجه الفني وموهبته وأسلوب أدائه واختياراته بعد أن أصبح في مقدوره أن يختار فالنجوم فقط هم من يمتلكون هذا الامتياز: الاختيار. بهذه المكونات يضيف هذا الممثل إلي مكانة الفيلم الكوميدي ودوره الاجتماعي والترفيهي ويحتل من ثم مكانه المميز. نجومنا الكوميديون "ألبوم" متنوع ومتباين في الشكل وحجم الموهبة وخفة الروح والحضور والتأثير والمتأمل لهذا "الألبوم" سوف يجد ان لكل واحد منهم شكلا مميزا خاصا به.. ولكل واحد طريقته في انتاج الفكاهة وأدوات تتركز في الملامح الخارجية يوظفها للوصول "بالضحك" إلي حد القهقهة. تأمل الصفحة الخاصة بالنجم اسماعيل ياسين باعتباره الأكثر نجاحا ودواما وارتباطا حميما بذوق العامة من المصريين ستجد ان ملامح الوجه وتوظيف درجات الصوت ومخارج الألفاظ ولغة الجسد الفجة مع المفارقة التي تتولد عنها خاصة في المواقف التي تستلزم جدية وصرامة ستجد انه صمد طويلاً وحقق خلودا لم يحظ به كثيرون امتلكوا نفس الخواص. لقد حقق هذا من خلال الشكل الخارجي وأدواره التي يمكن أن تجعله تلقائيا انسانا بسيط بلا عقد ولا انحيازات فكرية ولا مواقف سياسية تكبل اختياراته كفنان.. هو "إنسان" سلس ومرن وان كان سييء الحظ أحيانا إلا انه "رابح" في معظم الأحيان فكاهية مسجلة حباها الله بما يمكن استثماره إلي أقصي حد في صناعة الفكاهة وعلي الطريقة المصرية وحسب الحس الفكاهي المصري أي فكاهة صنعت في مصر. أيضاً علي الكسار وعبدالسلام النابلسي وعبدالفتاح القصري وحسن فايق وعبدالمنعم ابراهيم وزينات صدقي.. إلخ الأسماء التي شكلت في الأربعينيات والخمسينيات قوة فكاهية ضاربة ومرحلة مهمة من مراحل تطور الكوميديا المصرية. لاحظ انني لم أضم نجيب الريحاني عن قصد لأنه لا يعتمد فقط علي الشكل والأداء الخارجي المعتمد علي لغة جثمانية ظاهرة ودالة تلقطها حاستا العين والسمع ويستقبلها المتفرج بحبور وابتهاج لأنها تتواءم مع ذوقه وحاسته الفكاهية ومع النكتة والإفيه الصوتي والحركي والصخب المميز لكل واحد فضلا عن خفة الظل وطرافة الأداء. وحده نجيب الريحاني ماركة متفردة شخصية فنية من لحم ودم وليست مجرد قناع خارجي. ليست بلياتشو ولا مهرجا ولا أراجوزا ولا "شكوكو" انه بورتريه خاص يأخذك أثناء متابعته في الأفلام القليلة التي شارك فيها إلي منطقة أعمق من مجرد الضحك المؤقت.. يضعك في حالة ذهنية تتجاوز اللغة البصرية السمعية الخارجية وإلي مستوي من التفاعل يلمس العقل والقلب والروح في ضربة واحدة "لقطة أو مشهد". نافذة معظم الفنانين الكوميديين من علي الكسار وحتي عادل إمام مرورا بكتيبة التسعينيات وما بعدها "علاء ولي الدين محمد سعد ياسمين عبدالعزيز محمد هنيدي. إلخ" يتكئون أساسا في توليد الضحك علي أداء خارجي صاخب علي أقنعة خاصة بكل واحد ونمط من الأداء المتكرر وفي كل الحالات يوفرون للمتفرج حالة من الاسترخاء الكوميدي المؤقت الذي ينتهي أثره بانتهاء الدور.. لديهم مهارات وعندهم مواهب متفاوتة القوة وعندهم خاصية الحضور والمتفرج جاهز لردود الفعل والتفاعل مع النمر والألعاب التي يقدمونها.. وهم "أي الكوميديون" في معظم الأوقات يوفون بشروط العقد المبرم بينهم وبين الجمهور دافع التذكرة يقدم وجبة من الضحك بغض النظر عن مكوناتها. وتختلف مستويات الانتاج الكوميدي من حيث مستوي الذوق ودرجة الاستسهال والاستخفاف أو الهزل والجدية حسب البيئة والمراحل الاجتماعية والثقافية ومن ثم يختلف مستوي انتاج الممثل نفسه. ففي مراحل الانحطاط الثقافي التي عشناها حيث لا تربية ولا تعليم ولا ثقافة عامة ولا رقي انساني عام ليصبح العمل الكوميدي بلاعة للألفاظ البذيئة والمصطلحات السوقية الغريبة والابتذال الشكلي والتدني القيمي والتشوهات الخِلقية والخُلقية! أحمد حلمي لم ينجرف إلي هذه "البلاعة" لم يحط نفسه بالسائد ولم يستعن بالرائج والأهم انه كوميديان متحرر إلي حد كبير من القناع الخارجي فهو ليس شخصية كرتونية مقطوعة الصلة بما هو حي وحقيقي.. والضحك الذي يولده نابع من الفهم. ومن الموقف المركب ومن السياق المتصل لموضوع الفيلم. ليس مجرد "نمرة" فكاهية. انه يكشف عما تحت "القناع" في برامج الأطفال استطاع أن يشد الانتباه حتي قبل أن يدخل السينما. ** مؤخرا يحتاج منا إلي وقفة أو بالأحري "صفارة" إنذار أو "تنبيه" بأن ليس كل عمل غير مصري يمكن أن يتحول إلي شيء "صنع في مصر" خصوصا في الكوميديا التي يعتبر الشعب المصري ملكها غير المتوج.