ظلت واشنطن حتي وقت قريب تحتل مكانة روما أيام الإمبراطورية الرومانية.. ورغم توجهات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي تحبذ "التحرك خطوة إلي الخلف" إن جاز التعبير. فيما يتعلق بالقضايا الأمنية حول العالم. فإن واشنطن لاتزال تمثل ثقلاً كبيراً علي مستوي العالم ككل. والخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية. لا سيما فيما يتعلق بإلغاء بعض الاتفاقيات التجارية ومنها اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي وإعادة النظر في اتفاق التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية "نافتا" أثارت قلقاً عالمياً واسعاً. علاوة علي ما سبق جاء موقف الإدارة الأمريكية من حرية التجارة العالمية. وخصوصاً العلاقات التجارية مع الصين. ليضفي مزيداً من مشاعر القلق والارتياب حول مستقبل العولمة والأسواق المفتوحة. إذ أنه لا يمكن إنكار أن العالم الان أصبح بالفعل يشبه منظومة تجارية وصناعية واحدة. بغض النظر عن الرابح والخاسر في هذه المنظومة. وبرغم أن كثيراً من المحللين الأمريكيين أنفسهم يؤكدون أن الولاياتالمتحدة تعد من كبار المستفيدين من العولمة إن لم تكن أكبرهم. وإذا كانت السياسات الأمريكية المعلنة وما ترتب عليها من ردود أفعال عالمية. تعطي مؤشراً علي حدوث تغييرات في النظام الدولي. سواء لصالح تكريس القوة الأمريكية. باعتبارها القطب الأوحد في العالم أو لصالح ظهور عالم متعدد الأقطاب. فإن واشنطن ستظل وجهة سياسية واقتصادية وأمنية للكثير من زعماء دول العالم. والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أو إنكارها. أن مصر تمثل قوة إقليمية لها وزنها في منطقة الشرق الأوسط الحافلة بالصراعات والتي تعاني من عدم الاستقرار. سواء علي مستوي القضية الفلسطينية أو فيما يتعلق بالأوضاع في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها. أو باعتبار المنطقة منبتاً لجذور الإرهاب اللعين. وعلاقة مصر أو أية دولة أخري بالولاياتالمتحدة مسألة ضرورية. بل حتمية. بمعايير السياسة الدولية. ويري بعض الخبراء الاستراتيجيين أنه خلال الخمسين عاماً المقبلة. سيقاس مدي نجاح أية دولة أو فشلها بمدي نجاحها في إقامة علاقات مع الجانب الأمريكي. باعتبار أن الولاياتالمتحدة تمتلك الأسواق الواسعة. والقدرات الشرائية العالية. ولديها رأس المال الذي يمكنها من الاستثمار في أي مكان من العالم. كما أنها تمثل القوة العسكرية الأولي بلا منازع. علي الأقل حتي الآن. والواضح لكل ذي عينين أن السياسة الخارجية المصرية تتحرك علي الساحة الدولية بمعايير دقيقة وحساسة انطلاقاً مما تري أنه يخدم المصالح العليا للبلاد. وفي حدود قدراتها وثقلها الإقليمي والدولي وبحكم تأثيرها في محيطها الجغرافي. كما تتحرك من أجل خدمة القضايا العربية في إطار إمكاناتها وقدراتها الاستراتيجية. التي تستمدها من ثقلها السكاني وموقعها الجغرافي وقوتها الناعمة والخشنة في الوقت نفسه. ولا شك في أن زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة. سيكون الهدف منها السعي لتحقيق المصالح المتبادلة لمصر. كقوة إقليمية لها وزنها وثقلها في المنطقة. وللولايات المتحدةالأمريكية كقوة عالمية وقطب لا يباري علي الساحة الدولية. وفي ظل السياسة الانعزالية الأمريكية. وشعار "أمريكا أولاً" الذي ترفعه إدارة ترامب منذ الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي. ربما تتضح الأهمية الاستراتيجية لما حققته مصر من توطيد علاقاتها بأقطاب دولية أخري. لها وزنها الكبير. مثل الصين وروسيا وألمانيا. التي تعد القوة الاقتصادية الأولي في الاتحاد الأوربي. وتوطيد العلاقات مع هذه الأقطاب. التي باتت علاقاتها بالولاياتالمتحدة يشوبها التوتر والحذر. لا شك سيصب في صالح مصر خلال التفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وخلال محادثات الرئيس السيسي في البيت الأبيض حول القضايا العربية والإقليمية وفيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين القطبين "الإقليمي" و"العالمي".