أوروبا تمر بحالة ارتباك خطيرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووصول دونالد ترامب لرئاسة أمريكا. رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي كانت أول من قام بزيارة رسمية لأمريكا بعد انتخاب ترامب.. وأظهر الاثنان توافقا.. وقال المعلقون إن بينهما "كيمياء" شخصية مشتركة. ليس هذا جديدا.. إنه مجرد تكرار لثنائي "تاتشر - ريجان" أو "بوش - بلير" فدائما بريطانيا هي الدولة الأوروبية الأكثر ميلا لأمريكا وتوافقا معها حتي في اخطائها. هذه المرة.. الأمر مختلف. ترامب منذ اللحظة الأولي لفوزه بالرئاسة بل خلال حملته الانتخابية نفسها أثني علي قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي واعتبر الاتحاد لا لزوم له. وكان هذا مفتاح توافق مع رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي التي تتحمل مسئولية تنفيذ قرار شعبها. وهذا يزعج أوروبا بالطبع.. فهو يشجع أعضاء آخرين في الاتحاد علي الخروج منه. وهو يجعل أوروبا في موقف حرج لأن "واسطتها" لدي ترامب والتي تحدثت بلسانها في لقائها معه هي رئيسة وزراء بريطانيا المنسحبة من الاتحاد وليس دولة عضوا به كألمانيا مثلا أو فرنسا أو بلجيكا. ولذلك كانت القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت ليوم واحد في مالطا الجمعة الماضية نموذجاً لحالة الارتباك التي تعيشها القارة واتحادها. الرئيس الفرنسي "أولاند" تصدر المدافعين عن أوروبا واتحادها. وتصدي لترامب قائلا له في خطابه بهذه القمة. عليك أن تتوقف عن التدخل في شئوننا. وكانت هذه أول مرة يطلق زعيم أوروبي مثل هذا التحذير لرئيس أمريكي. ولم يكن أولاند يتحدث كزعيم لأوروبا من فراغ فأوروبا كان لها مقعدان بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن هما بريطانياوفرنسا. الآن بعد خروج بريطانيا من الاتحاد ستصبح فرنسا هي الممثل الوحيد للاتحاد في المجلس وبالتالي تقع عليها مسئولية الدفاع عن الاتحاد. وفرنسا مقبلة علي انتخابات رئاسية هذا العام. ومن أسف فإن من يتصدر سباق المرشحين في هذه الانتخابات هي "ماري لوبن" ممثلة اليمين المتشدد والتي تتوافق رؤاها مع ترامب وتريزا ماي. وأول بند في برنامجها الانتخابي هو السير علي خطي بريطانيا وانسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي. ولو حدث ذلك فلن تقوم للاتحاد قائمة.. فألمانيا مقبلة هي الأخري علي انتخابات عامة في سبتمبر القادم.. وفوز زعيمتها أنجيلا ميركل بفترة رابعة في منصب المستشار غير مؤكد. وحتي ولو فازت فلن تستطيع ألمانيا بمفردها.. وفي غياب بريطانياوفرنسا أن تقود الاتحاد أو تحافظ علي تماسكه. ولذلك تمر أوروبا الآن - كما قلت - بحالة ارتباك خطيرة تهدد بقاء اتحاد طالما تطلعت إليه كثير من دول العالم باعتباره نموذجا تتمني تحقيقه في أقاليمها.