نجح الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء ووزير المالية في الاختبار.. انتصر علي نفسه.. وانتصر علي اللوائح والتقاليد الوظيفية الراسخة.. العقيمة.. وعبر عن روح الثورة وطموحها وشفافيتها وأعلن لأول مرة في تاريخ الحكومة المصرية حقيقة ما حصل عليه من وظيفته خلال الشهر الأول الذي أمضاه في موقعه الوزاري. كان الدكتور الببلاوي قد أعلن في مؤتمر صحفي عقب توليه منصبه انه سوف يعلن رقم مرتبه بالضبط عندما يعرفه.. ووضع نفسه في اختبار صعب واستعد الكثيرون ان تواتيه الشجاعة بعد ان يجلس علي الكرسي لكي يعلن راتبه الفعلي وتوقعوا ان يلجأ إلي كلام انشائي يتهرب فيه من ذكر الحقيقة كما كان يحدث من قبل خصوصا ان هذه خطوة غير مسبوقة في حياتنا العامة.. لم نتعود عليها. وبالأمس نشرت "الوفد" نص الخطاب الذي ارسله د.الببلاوي إلي الصديق سليمان جودة رئيس التحرير يكشف فيه عن حقيقة راتبه ويكشف ايضا عن ثغرات وسلبيات في الروتين المصري العتيد.. آن الأوان ان نتنبه إليها وننسفها حتي تستقيم الأمور. يقول د.الببلاوي في خطابه: قبل نهاية الشهر الأول بعد تقلدي المنصب سألت عن مرتبي وجاءت الافادة بأن المرتب هو 65.1882 جنيه - فقط ألف وثمانمائة واثنان وثمانون جنيها وخمسة وستون قرشا لا غير - وهذا هو مرتب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية.. ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك فبعد عدة ايام وعند مروري علي البنك للاستفسار عن بعض حساباتي وجدت ان رصيدي في البنك قد أضيف إليه مبلغ 40466 - فقط اربعون ألفا واربعمائة وستة وستون جنيها لا غير - بعد شهر وعشرة أيام في المنصب الوزاري.. أي بمعدل ثلاثين ألف جنيه للشهر.. وأظن ان هذه الزيادة قد أضيفت إلي حسابي باعتبارها تعديلا للمرتب وبما يجعله مناسبا لظروف الحياة.. ولا أعرف إذا كانت هذه الزيادة مستمرة أم متقطعة وقد تكون له توابع أخري لا أعرفها. ونحن إذ نضم صوتنا إلي صوت الصديق سليمان جودة في الاشادة الواجبة بشجاعة الوزير وشفافيته إلا ان هذه الرسالة تطرح في الواقع من الاسئلة أكثر مما تقدم من الاجابات.. ومن هذه الاسئلة: * ماذا فعل السيد الوزير مع موظفيه الذين قدموا له افادة شكلية وكاذبة عن مرتبه عندما سألهم وقالوا له انه ألف وثمانمائة واثنان وثمانون جنيها وخمسة وستون قرشا؟! وهل من المعقول ان هؤلاء الموظفين يعلمون هذا المبلغ الهزيل ويجهلون الراتب الحقيقي الذي يصل إلي ثلاثين ألف جنيه في الشهر؟! وإذا كان الأمر كذلك فعلا فهل هؤلاء موظفون صادقون أم لهم توصيف آخر؟! * وكيف لم يسأل السيد الوزير عن الجهة التي أودعت في حسابه مبلغ الأربعين ألف جنيه؟ وكيف فوجيء بالمبلغ أو وجده عرضا طبقا لما ذكر أليس هو الذي اعطي موظفا ما رقم هذا الحساب لكي يودع فيه ما أودع؟ * وبعيدا عن الظن.. ألم يكن من الأفضل ان يسأل السيد الوزير مرة أخري وبشكل حاسم عن طبيعة هذا المبلغ المضاف إليه ليعرف ان كانت الزيادة تعديلا للمرتب أم انها بدلات وحوافز وغلاء معيشة واضافي ومكافآت وغير ذلك من البنود التي تعج بها كشوف مرتبات الموظفين وهل هذه الزيادة مستمرة أم متقطعة؟ * وأخيرا.. كان يجب أن يتقصي السيد الوزير بشفافيته المعهودة عن الجهة التي اصدرت قرار تعديل المرتب بما يجعله مناسبا لظروف الحياة.. هل هو رئيس الوزراء الحالي أم السابق.. أم من علي وجه التحديد؟! في احدي المؤسسات الكبري جلس رئيس مجلس الادارة الجديد علي كرسيه وطلب من كبير مديريه ان يخبره عن راتبه واللائحة التي تنظم مستحقاته فجاءه الجواب: أنتم يا افندم اللائحة.. وأنت الذي يحدد المرتب كما تريد. وبناء علي هذه التجربة.. وأيضا علي تجربة السيد الدكتور حازم الببلاوي وما يستجد من تجارب نرجو ان يكشف بقية الوزراء والمحافظين عنها في كيفية التعامل مع المرتبات والمستحقات.. يحدونا أمل كبير في ان يقود السيد وزير المالية - المشهود له بالكفاءة والنزاهة - حملة للإصلاح الوظيفي لانجاز المهام التالية علي وجه السرعة: * أن يتم اختصار مفردات المرتب والدخل بأكمله في رقم واحد صريح وواضح بدلا من المتاهة التي يجري التعامل بها حاليا وترهق الجن والإنس معا. * ان يجري تعديل المرتب للعاملين في الدولة بما يجعل هذا المرتب مناسبا لظروف الحياة أسوة بما اتبع مع السيد الوزير وغيره ممن هم في المناصب العليا.. لأن ظروف الحياة اشد قسوة علي سكان الطوابق السفلي ومازلنا في انتظار تحقيق هدف الثورة في العدالة الاجتماعية. * أن يتم الاعلان عن مرتبات كل من يشغل وظيفة عامة وفي موقع قيادي بشكل حاسم لا يسمح بوجود قنوات جانبية تتدفق منها اضافات غير معلومة المصدر. * أن يرتبط هذا كله بتفعيل دور اقرار الذمة المالية لتكون المحاسبة جادة.. وتعود إلي ثقافة "من أين لك هذا" حتي لا نصنع فراعنة وأباطرة وقياصرة في بلد فقير ومسروق من أصحابه.