المشاهير ونجوم القلم والرأي في مصر. هُم المعارضون الشتامون السبابون من فئة الذين قال عنهم المثل الشعبي: "علمني الهيافة. أو الغلاسة. أو الرخامة يا بابا.. قال له: تعال في الفارغة واتصدر". المعارضون شُجعَان. وأبطال. ومناضلون ولو كذبوا.. والموالون منافقون. وكاذبون. ومطبلون. ومزمرون. ولو صدقوا.. والحاكم أو المسئول يظل حبيب الكل إلي أن يتولي المسئولية.. ويفقد الحب بمجرد جلوسه علي كرسي المسئولية.. هو سيارة علي الزيرو قبل أن يتولي المسئولية. سعرها مثلاً مليون جنيه.. وبمجرد أن تسير عدة كيلو مترات تفقد نصف ثمنها رغم أنها بحالتها. في مصر مَن قال: لا فقد صدق.. ومَن قال: نعم فقد كذب. المعارض شجاع ووطني والموالي جبان وخائن.. وعندما كنا طلاباً في الجامعة ويدور بيننا نقاش حول الأوضاع.. كان أحدنا مثلاً يقول رأياً منصفاً للحكومة أو الحاكم.. فينبري له الزملاء قائلين: هذا عميل للمباحث.. ويتحول إلي أجرب يتجنبه الجميع.. والصحف الأكثر توزيعاً. والبرامج الأكثر مشاهدة هي المعارضة. والمناكفة. والمناوئة للحكومة. والحاكم.. حتي نواب الشعب في البرلمان يقدمون أسئلتهم وطلبات إحاطتهم وبياناتهم مشفوعة بالسب والقذف ولعن "أبو الحكومة".. كأن يقول أحدهم: الفلاح مات مقتولاً بيد الحكومة.. والنائب هنا يريد فقط أن يثبت أنه شجاع ووطني ومنحاز للشعب. ولو علي جثة الحكومة.. وهناك انطباع غبي بأنك لابد أن تختار بين الانحياز للحكومة أو الانحياز للشعب والوطن.. وكأن الحكومة دائماً غير وطنية.. وكأنها ضد الشعب.. الحكومة دائماً في رأي المصريين ضد الشعب.. وهذا فولكلور شعبي مصري قديم.. الشعب بريء والحكومة مذنبة.. الشعب مظلوم والحكومة ظالمة.. الحكومة سبب الغلاء والوباء والفساد.. ولا يوجد نائب واحد في البرلمان.. ولا يوجد كاتب رأي واحد.. يمكن أن يتهم الشعب بالتسيب والإهمال والسُعار الاستهلاكي و"الأنتخة" والتوقف عن الإنتاج وممارسة الفساد والبلطجة.. لا أحد يطالب بإصلاح الشعب. ولكن الكل يطالب بإصلاح أو إسقاط النظام. لماذا؟!.. لأن مصر والمصريين جميعاً. إلا مَن رَحِمَ ربي. صاروا متطرفين مع أي شيء أو ضده.. مصر أصبحت عنيفة جداً.. حتي في الكلام العادي.. حتي في المزاح و"الهزار".. والنكات البذيئة. والسب والقذف علي الهواء مباشرة.. مصر صارت مناكفة.. والمصري تقول له: "ثور.. يقول احلبوه".. وكُتَّاب الرأي وأصحاب البرامج ينافقون الشعب.. بل إن الحكومة نفسها صارت تنافق الشعب ولا تصارحه بعيوبه.. ولا كلام سوي عن شعب مصر العظيم.. والشعب يتكئ علي أريكته. ويقول: "المفروض الحكومة تعمل كذا وكذا.. طب أنت فين يا شعب؟!".. والفلاح الذي قال النائب "النايبة" إنه مات مقتولاً بيد الحكومة.. ينتحر كل يوم.. بل كل لحظة بالبناء علي الرقعة الزراعية.. ومصر لم يعد فيها فلاحون. ولم يعد فيها ريف.. والريف الذي كان يُطعم المدينة ويعولها. أصبح عالة عليها.. وفي الريف سُعار استهلاكي أضعاف سُعار المدينة.. ولم يعد الفلاح يخبز في الفرن البلدي. بل صار يشتري "العيش" من أفران البلدي والفينو.. الفلاح لم يعد فصيحاً. بل صار غبياً عيياً. ينام في التكييف ويشاهد الفضائيات حتي الصباح. وصار يتحدث في السياسة ويسب الحكومة مثل أهل "البندر".. فالقري صارت "بندر".. بل إنها رقصت علي السلم. فلا هي بقيت قري ولا هي أصبحت مدناً. مصر عنيفة جداً حتي أنها تجرح نفسها وتذبح نفسها.. والمصريون لم يعد عندهم كياسة. ولا فطنة. ولا رقة. ولا أدب الاختلاف. المصريون يعانون خللاً نفسياً عاماً يحتاج إلي تدخل علاجي أو حتي جراحي سريع. وقد مضي زمان اعتبار نقد الحكومة وسبها شجاعة.. "كان زمان".. لكن المصريين مازالوا متوقفين عند الماضي.ومازال المصري يري أن سب الحكومة "ومسح البلاط" بها شجاعة وقوة.. رغم أن هذا أمر عادي الآن.وتري الواحد يسب الحكومة. ثم يقول: "أنا مش بخاف من حد".. يريد أن يقول إنه شجاع وجريء.. وأنا أري أن الموالاة والتأييد في أيامنا "الغبراء" هذه الشجاعة الحقيقية لأنها سباحة ضد تيار البذاءات وقلة الحياء والسفالات.. سباحة ضد "مصر عتيقة. التي صارت مصر عنيفة.. وعلي غير مذهب أبي حنيفة"!!!