أكد فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر أنه لا يعرف فتنة أضر علي الناس. ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسم الدين. والعرق. فما للقتل بعث الأنبياء وأرسل المرسلون. ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون. أضاف في افتتاح فعاليات الجولة الأولي من "ملتقي شباب بورما للحوار من أجل السلام" أنه تقرر في الأديان الإلهية كلها وكتبها المقدسة وتعاليمها أن إرادة الله شاءت أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم ولو أنه أراد أن يخلقهم جميعاً علي دين واحد. أو يجعل لهم لوناً واحداً ولغة واحدة و جنساً واحداً لفعل.. موضحاً أن الأديان كلها تؤكد هذه الحقيقة المحورية في فلسفة الخلق والتكوين: "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" "الروم: 22". وكما تعلمنا أخوة الدين تعلمنا أيضاً أخوة الإنسانية. وأن الناس بالقياس إلي المؤمن إما أخ في الدين. أو نظير في الإنسانية. ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويشهد عليه قوله- صلي الله عليه وسلم- مخاطباً ربه: "أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك. ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة" ولا يوجد برهان أكبر من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلي الأبد ودون تحفظ علي جنس أو لون أو عرق أو دين. قال: تعلمنا الأديان أن الله تعالي كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضاً. ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالي: "وهو الذي خقلكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير" "التغابن: 2". ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر علي المؤمن في هذه الآية دليل علي أن الكفر هو الأغلب علي الناس والأكثر فيهم. ويجب أن نعلم أن الحكمة الإلهية تتعالي عن أن يخلق الله- سبحانه- الكافرين ثم يأمر المؤمنين بقتلهم. فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق. لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه. وجاء في الأثر: "الخلق كلهم عيال الله. وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله". وليس بين المؤمن والكافر إلا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة. ثم ترك كل واحد منهما حبل صاحبه علي غاربه. أكد أنه إذا كانت الأديان كلها تتبني هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن. فهل يعقل أن تنسي تعاليم الأديان ذلك أو تصادره بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية؟! وجه حديثاً للشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه. قائلاً: إن حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام. التي تزخر بها أرضكم. تناديكم صباح مساء. لا تقتلوا. ولا تسرقوا. ولا تكذبوا. والزموا العفة. لا تشربوا المسكرات. وقد تعلمنا في كلية أصول الدين بالأزهر. ونحن ندرس حكماء الشرق أن البوذية عاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول. وأن بوذا هو الحكيم الصامت. هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية. وكان من أبرز صفاته الهدوء والعقلانية وشدة الحنان والعطف والمودة. وأن كبار مؤرخي الأديان في العالم يصفون تعاليمه بأنها "تعاليم الرحمة غير المتناهية". وأن صاحبها كان وديعاً مسالماً غير متكبر ولا متشامخ. بل سهلاً ليناً قريباً من الناس. وكانت وصاياه تدور علي المحبة والإحسان للآخرين. وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم- أيها الشباب والشابات- آمالاً وأن تبدأوا غرس شجرة السلام التي تظلل مواطني "راخين" بل مواطني بورما بأجمعهم. وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة. حتي تقضوا علي مفهوم "الأقليات" وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش. ينتهي دائماً بسفك الدماء وتشريد الأبرياء. قال الإمام الأكبر: علينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلاً واضطهاداً ومطاردة. لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما. وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلا تعقيداً. بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية في هذا البلد. الذي أتمني. ويتمناه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين. أن يوقف إلي الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب. ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلي نزع فتيل الحقد والكراهية ونؤكد أنه لا سبيل إلي ذلك إلا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العرق.. ومجلس حكماء المسلمين علي استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ وتقديم تجربة بين العائلة المصري. الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر. الذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.