تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 23 أغسطس 2025    مواعيد مباريات اليوم السبت 23 أغسطس والقنوات الناقلة    استشهاد 12 فلسطينيًا جراء قصف للاحتلال استهدف خيام نازحين شمال غرب خان يونس    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 23 أغسطس 2025    مهاجر التيك توك «الأفغاني» يقدم نصائح لقتل الزوجات وتجنب العقوبة    القاهرة تسجل 40 مجددا والصعيد يعود إلى "الجحيم"، درجات الحرارة اليوم السبت في مصر    ثوانٍ فارقة أنقذت شابًا من دهس القطار.. وعامل مزلقان السادات يروي التفاصيل    قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    «ميستحقوش يلعبوا في الزمالك».. إكرامي يفتح النار على ألفينا وشيكو بانزا    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    بطريقة درامية، دوناروما يودع جماهير باريس سان جيرمان (فيديو وصور)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام الأكبر: لا توجد فتنة أضرَّ على الناس من القتل والقتال باسمِ الدِّين
نشر في صوت البلد يوم 03 - 01 - 2017

ننشر نص كلمة الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"، والتى أكد خلالها أن مفهوم الأقليات البائس ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وأن التفرقة بين مواطني ميانمار لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية، وأنه لاسبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية في ميانمار إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وجاءت نص الكلمة كالتالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة اجتماع ميانمار
السَّادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتي بالتهنئة بالعامِ الجديد أسأل الله تعالى أنْ يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلامِ والأمان للعالَم كُله، وأنْ يجعل منه عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة..
هذا وإنَّ مجلس حكماء المسلمين الذي يشرف بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم لَيُسْعِدَه استقبالكم في بلدكم الثاني مصر، والبلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
ولستُم -أيها الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار-بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد أوطانكم بسبب من الأزمة التي تدور رحاها في ولاية «راخَيْن»، هذه الأزمة التي تفقد كل مبررات بواعثها: الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقًّا- على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام وتَعَلَّم منه الناس الكثير والكثير في هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانيَّة جمعاء.
وأنا لا أعرف فتنة أضرَّ على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسمِ الدِّين تارة وباسمِ العِرق تارة أخرى، فما للقتل بُعِثَ الأنبياء وأُرسل المُرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.
وكيف! وقد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحوريَّة في فلسفة الخلق والتكوين: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ {الروم: 22}، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: «أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ».. ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء في الأثر: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه.
وقد جاء في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: «مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}.
وإذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!
.. .. ..
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه!
إنَّ حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم يصفون تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية»، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لَيِّنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السَّرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا في أن تبدؤوا غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى تَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد، الذي أتمنَّى، ويتمنَّاه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب، ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
أيها الشباب لا أكتمكم أننا في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.
أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلي تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.
ننشر نص كلمة الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"، والتى أكد خلالها أن مفهوم الأقليات البائس ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وأن التفرقة بين مواطني ميانمار لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية، وأنه لاسبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية في ميانمار إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وجاءت نص الكلمة كالتالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة اجتماع ميانمار
السَّادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتي بالتهنئة بالعامِ الجديد أسأل الله تعالى أنْ يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلامِ والأمان للعالَم كُله، وأنْ يجعل منه عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة..
هذا وإنَّ مجلس حكماء المسلمين الذي يشرف بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم لَيُسْعِدَه استقبالكم في بلدكم الثاني مصر، والبلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
ولستُم -أيها الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار-بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد أوطانكم بسبب من الأزمة التي تدور رحاها في ولاية «راخَيْن»، هذه الأزمة التي تفقد كل مبررات بواعثها: الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقًّا- على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام وتَعَلَّم منه الناس الكثير والكثير في هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانيَّة جمعاء.
وأنا لا أعرف فتنة أضرَّ على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسمِ الدِّين تارة وباسمِ العِرق تارة أخرى، فما للقتل بُعِثَ الأنبياء وأُرسل المُرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.
وكيف! وقد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحوريَّة في فلسفة الخلق والتكوين: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ {الروم: 22}، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: «أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ».. ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء في الأثر: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه.
وقد جاء في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: «مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}.
وإذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!
.. .. ..
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه!
إنَّ حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم يصفون تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية»، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لَيِّنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السَّرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا في أن تبدؤوا غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى تَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد، الذي أتمنَّى، ويتمنَّاه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب، ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
أيها الشباب لا أكتمكم أننا في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.
أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلي تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.