محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    استقرار أسعار الفاكهة بسوق العبور اليوم 17 يونيه    «الإسكان»: جهاز تعمير وسط وشمال الصعيد ينفذ 1384 مشروعاً بحياة كريمة    مسؤولون فلسطينيون: 16 ألف طفل قتلهم الاحتلال خلال الحرب على غزة    الخارجية الإيرانية: بيان الترويكا الأوروبية بشأن البرنامج النووي الإيراني لا قيمة له    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط غزة    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    بعد قرار كولر.. الأهلي يفتح باب الرحيل أمام أليو ديانج للدوري السعودي    «الأرصاد»: انخفاض في درجات الحرارة.. العظمى على القاهرة 37    ملفوف في سجادة.. تفاصيل العثور على جثة شاب مقتولًا في البدرشين    انتقاما منه.. تفاصيل إضرام سيدة النيران في شقة زوجها لزواجه في الوراق    وفاة قائد طائرة خلال رحلة جوية من القاهرة للطائف    ثاني أيام العيد.. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    إصابة عامل بحروق أثناء تنظيف المنزل بمادة بترولية بجرجا فى سوهاج    اليوم.. قصور الثقافة تستعيد ذكريات الثمانينيات والتسعينيات في حفلات مجانية بالسامر والقناطر    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    ما حكم ذبح الأضحية ليلًا في أيام التشريق؟    «المحلاوي» عن يوم «القر».. من أعظم أيام الله ويستجاب فيه الدعاء (تفاصيل)    جامعة القاهرة تستقبل 3079 حالة طوارئ وتُجري 371 عملية خلال عطلة العيد    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    الجونة يستضيف البنك الأهلي لمداواة جراحه بالدوري    معيط: تخفيف أعباء الضريبة عن محدودى الدخل من العاملين بالدولة والقطاع الخاص    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    فرنسا ومبابي في اختبار صعب أمام النمسا في مستهل مشوار يورو 2024    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري في الدوري    أسعار العملات في البنوك اليوم الاثنين 17-6-2024    مصادر فلسطينية: القوات الإسرائيلية تقتحم مخيم عقبة جبر في أريحا ومدينة قلقيلية    تشكيل الإسماعيلي المتوقع ضد إنبي في الدوري المصري    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    تفاصيل الحلقة الأولى من الموسم الثاني ل House Of The Dragon    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    بينها دولتان عربيتان.. 9 دول إسلامية تحتفل بأول أيام عيد الأضحى اليوم    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    وفاة الحالة السادسة من حجاج الفيوم بالأراضي المقدسة    دعاء الضيق والحزن: اللهم فرج كربي وهمي، وأزيل كل ضيق عن روحي وجسدي    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    افتتاح المرحلة «ج» من ممشى النيل بمدينة بنها قريبًا    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    وقوع 4 هزات أرضية في جورجيا في يوم واحد    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    انخفاض أعداد الموقعين على بيان مؤتمر أوكرانيا الختامي ل82 دولة ومنظمة    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    وزير الداخلية السعودي يقف على سير العمل بمستشفى قوى الأمن بمكة ويزور عدداً من المرضى    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام الأكبر: لا توجد فتنة أضرَّ على الناس من القتل والقتال باسمِ الدِّين
نشر في صوت البلد يوم 03 - 01 - 2017

ننشر نص كلمة الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"، والتى أكد خلالها أن مفهوم الأقليات البائس ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وأن التفرقة بين مواطني ميانمار لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية، وأنه لاسبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية في ميانمار إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وجاءت نص الكلمة كالتالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة اجتماع ميانمار
السَّادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتي بالتهنئة بالعامِ الجديد أسأل الله تعالى أنْ يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلامِ والأمان للعالَم كُله، وأنْ يجعل منه عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة..
هذا وإنَّ مجلس حكماء المسلمين الذي يشرف بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم لَيُسْعِدَه استقبالكم في بلدكم الثاني مصر، والبلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
ولستُم -أيها الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار-بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد أوطانكم بسبب من الأزمة التي تدور رحاها في ولاية «راخَيْن»، هذه الأزمة التي تفقد كل مبررات بواعثها: الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقًّا- على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام وتَعَلَّم منه الناس الكثير والكثير في هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانيَّة جمعاء.
وأنا لا أعرف فتنة أضرَّ على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسمِ الدِّين تارة وباسمِ العِرق تارة أخرى، فما للقتل بُعِثَ الأنبياء وأُرسل المُرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.
وكيف! وقد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحوريَّة في فلسفة الخلق والتكوين: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ {الروم: 22}، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: «أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ».. ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء في الأثر: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه.
وقد جاء في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: «مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}.
وإذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!
.. .. ..
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه!
إنَّ حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم يصفون تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية»، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لَيِّنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السَّرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا في أن تبدؤوا غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى تَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد، الذي أتمنَّى، ويتمنَّاه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب، ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
أيها الشباب لا أكتمكم أننا في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.
أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلي تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.
ننشر نص كلمة الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"، والتى أكد خلالها أن مفهوم الأقليات البائس ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وأن التفرقة بين مواطني ميانمار لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية، وأنه لاسبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية في ميانمار إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وجاءت نص الكلمة كالتالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة اجتماع ميانمار
السَّادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتي بالتهنئة بالعامِ الجديد أسأل الله تعالى أنْ يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلامِ والأمان للعالَم كُله، وأنْ يجعل منه عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة..
هذا وإنَّ مجلس حكماء المسلمين الذي يشرف بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم لَيُسْعِدَه استقبالكم في بلدكم الثاني مصر، والبلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
ولستُم -أيها الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار-بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد أوطانكم بسبب من الأزمة التي تدور رحاها في ولاية «راخَيْن»، هذه الأزمة التي تفقد كل مبررات بواعثها: الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقًّا- على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام وتَعَلَّم منه الناس الكثير والكثير في هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانيَّة جمعاء.
وأنا لا أعرف فتنة أضرَّ على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسمِ الدِّين تارة وباسمِ العِرق تارة أخرى، فما للقتل بُعِثَ الأنبياء وأُرسل المُرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.
وكيف! وقد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحوريَّة في فلسفة الخلق والتكوين: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ {الروم: 22}، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: «أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ».. ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء في الأثر: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه.
وقد جاء في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: «مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}.
وإذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!
.. .. ..
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه!
إنَّ حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم يصفون تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية»، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لَيِّنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السَّرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا في أن تبدؤوا غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى تَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد، الذي أتمنَّى، ويتمنَّاه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب، ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
أيها الشباب لا أكتمكم أننا في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.
أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلي تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.