انتخابات النواب 2025.. انتظام عملية التصويت في الدوائر ال19 بجولة الإعادة    وزير الإسكان يتفقد المحاور والطرق بمدينة الشروق بعد جولته بالقاهرة الجديدة    خبراء: الاستيراد والتعاقدات طويلة الأجل ساهمت في استقرار أسعار القمح محليًا رغم الارتفاع العالمي    زيلينسكي يلمح إلى حل وسط في مفاوضات أوكرانيا وخارطة طريق اقتصادية حتى 2040    القاهرة الإخبارية: تأكيد سعودي على وحدة اليمن ودعم المسار السياسي لوقف التصعيد    الجيش الملكي يعلن الاستئناف على عقوبات الكاف بعد مباراة الأهلي    كأس مصر.. شريف وجراديشار يقودان هجوم الأهلي أمام المصرية للاتصالات    رونالدو يقود النصر أمام الأخدود في الجولة 11 من دوري روشن السعودي    وزير الرياضة ومحافظ القاهرة يشهدان ختام نهائي دوري القهاوي للطاولة والدومينو    بسبب الطقس السيئ.. سقوط شجرة على سيارة أجرة بالبحيرة    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    وزير الثقافة ناعيًا المخرج الكبير داود عبد السيد: السينما المصرية فقدت قامة فنية كبيرة ومبدعًا استثنائيًا    وزير الصحة يكرم العاملين بالمنظومة الصحية تقديرا لجهودهم خلال عام 2025    مكتبة الإسكندرية تحتضن ختام فعاليات "أكبر لوحة في العالم" بمشاركة أطفال المدارس المصرية اليابانية    رمضان 2026| الصور الأولى من مسلسل "فن الحرب"    تأجيل محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يستخدم المدرعات والروبوتات المفخخة ويكثف قصفه شرق غزة    رمضان 2026.. الصور الأولى من كواليس "عين سحرية" بطولة عصام عمر    أمم إفريقيا - دوكو دودو ل في الجول: كنا نستحق نتيجة أفضل أمام الكونغو.. ونريد الوصول إلى أبعد نقطة    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    محافظ البحيرة تتفقد لجان انتخابات النواب.. وتؤكد على الحياد أمام جميع المرشحين    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    ترامب يدعو وزارة العدل إلى فضح الديمقراطيين المتورطين في قضية جيفري إبستين    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    قرار وزاري من وزير العمل بشأن تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية    تطورات الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "الملحد" ل أحمد حاتم    مواعيد وضوابط التقييمات النهائية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    هيئة تنشيط السياحة: القوافل السياحية أداة استراتيجية مهمة للترويج للمنتج المصري    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    بولندا تغلق مطارات بسبب غارات روسية على أوكرانيا    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    القبض على أجنبي لتحرشه بسيدة في عابدين    متحدث الوزراء: توجيهات بتخصيص الموارد لتطوير التأمين الصحي الشامل و«حياة كريمة»    تواجد بنزيما.. تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام الشباب بالدوري السعودي    الغش ممنوع تماما.. 10 تعليمات صارمة من المديريات التعليمية لامتحانات الفصل الدراسي الأول    إصلاح كسر خط مياه بشارع 17 بمدينة بنى سويف    روسيا: تنفيذ ضربة مكثفة ضد البنية التحتية للطاقة والصناعة الدفاعية الأوكرانية    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    انطلاق الدورة 37 لمؤتمر أدباء مصر بالعريش    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    مفتي مصر بدين الهجوم على مسجد بحمص السورية    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    نجم الزمالك السابق: محمد صلاح دوره مع منتخب مصر مؤثر    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام الأكبر: لا توجد فتنة أضرَّ على الناس من القتل والقتال باسمِ الدِّين
نشر في صوت البلد يوم 03 - 01 - 2017

ننشر نص كلمة الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"، والتى أكد خلالها أن مفهوم الأقليات البائس ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وأن التفرقة بين مواطني ميانمار لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية، وأنه لاسبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية في ميانمار إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وجاءت نص الكلمة كالتالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة اجتماع ميانمار
السَّادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتي بالتهنئة بالعامِ الجديد أسأل الله تعالى أنْ يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلامِ والأمان للعالَم كُله، وأنْ يجعل منه عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة..
هذا وإنَّ مجلس حكماء المسلمين الذي يشرف بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم لَيُسْعِدَه استقبالكم في بلدكم الثاني مصر، والبلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
ولستُم -أيها الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار-بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد أوطانكم بسبب من الأزمة التي تدور رحاها في ولاية «راخَيْن»، هذه الأزمة التي تفقد كل مبررات بواعثها: الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقًّا- على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام وتَعَلَّم منه الناس الكثير والكثير في هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانيَّة جمعاء.
وأنا لا أعرف فتنة أضرَّ على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسمِ الدِّين تارة وباسمِ العِرق تارة أخرى، فما للقتل بُعِثَ الأنبياء وأُرسل المُرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.
وكيف! وقد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحوريَّة في فلسفة الخلق والتكوين: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ {الروم: 22}، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: «أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ».. ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء في الأثر: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه.
وقد جاء في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: «مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}.
وإذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!
.. .. ..
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه!
إنَّ حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم يصفون تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية»، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لَيِّنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السَّرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا في أن تبدؤوا غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى تَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد، الذي أتمنَّى، ويتمنَّاه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب، ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
أيها الشباب لا أكتمكم أننا في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.
أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلي تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.
ننشر نص كلمة الإمام الأكبر في افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام"، والتى أكد خلالها أن مفهوم الأقليات البائس ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وأن التفرقة بين مواطني ميانمار لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية، وأنه لاسبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية في ميانمار إلا بتطبيق مبدأ المواطنة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.
وجاءت نص الكلمة كالتالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة اجتماع ميانمار
السَّادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتي بالتهنئة بالعامِ الجديد أسأل الله تعالى أنْ يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلامِ والأمان للعالَم كُله، وأنْ يجعل منه عام حقن للدِّماءِ وإطفاء لنيرانِ الحروب التي يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدِّين وأخوة الإنسانيَّة..
هذا وإنَّ مجلس حكماء المسلمين الذي يشرف بدعوةِ نخبة منتقاة من فتيانِ دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم لَيُسْعِدَه استقبالكم في بلدكم الثاني مصر، والبلد الطَّيب الذي تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها في نسيجٍ وطني واحد، شكَّل صخرة من فولاذ، طالما تحطَّمت عليها آمال المُجرمين والمخرِّبين الذي يضمرون الشَّر للناس ويريدون بهم الدَّمار والخراب.
ولستُم -أيها الإخوَة والأبناء من شعب ميانمار-بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القول في بيانِ الخطر الماحق الذي يتهدَّد أوطانكم بسبب من الأزمة التي تدور رحاها في ولاية «راخَيْن»، هذه الأزمة التي تفقد كل مبررات بواعثها: الدِّينيَّة والإنسانيَّة والحضاريَّة أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقًّا- على شعب ميانمار الذي يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد في تاريخ الدِّين والحِكْمَة والسَّلام وتَعَلَّم منه الناس الكثير والكثير في هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانيَّة جمعاء.
وأنا لا أعرف فتنة أضرَّ على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسمِ الدِّين تارة وباسمِ العِرق تارة أخرى، فما للقتل بُعِثَ الأنبياء وأُرسل المُرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.
وكيف! وقد تقرَّر في الأديان الإلهيَّة كلها وفي كتبها المقدَّسة وتعاليمها أن إرادة الله العليّ الأعلى شاءت أنْ يخلقَ الناس مختلفين في أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنَّه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكِّد هذه الحقيقة المحوريَّة في فلسفة الخلق والتكوين: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ {الروم: 22}، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ في الدين، أو نظير في الإنسانية، ومما كان يردده نبي الإسلام عقب كل صلاة ويَشْهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: «أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ».. ولا يوجد برهان أكبرُ من هذه الشهادة التي تفتح باب الإخاء الإنساني بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن في هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أنْ نعلم أنَّ الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمرَ المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزري بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء في الأثر: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»، وليس بين المؤمن والكافر إلَّا الدعوةُ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمةِ الطيبة، ثم تركِ كلِّ واحدٍ منهما حبلَ صاحبه على غاربه.
وقد جاء في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: «مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}.
وإذا كانت الأديان كلها تتبنَّى هذا الأدب الإنساني الرفيع في دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يُعقل أن تَنْسَى تعاليم الأديان ذلك أو تصادرَه بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!
.. .. ..
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه!
إنَّ حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التي تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفَّة، لا تشربوا المُسكرات، وقد تعلَّمنا في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، ونحن نَدْرُس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوءُ والعقلانية وشِدَّة الحنان والعطف والمَودَّة، وأن كِبَار مؤرخي الأديان في العالَم يصفون تعاليمه بأنها «تعاليم الرحمة غير المتناهية»، وأن صاحبها كان وديعًا مُسالمًا غير متكِّبر ولا متشامخ، بل سهلًا لَيِّنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبَّة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السَّرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا في أن تبدؤوا غرس شجرة السَّلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى تَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهي دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التي تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضاري عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلًّا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدُّم والتنمية في هذا البلد، الذي أتمنَّى، ويتمنَّاه معي مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يُوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التي تؤذي مشاعر الإنسانية في الشرق والغرب، ونحن هنا في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العِرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلةِ المصري، الذي يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذي نجح في فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.
أيها الشباب لا أكتمكم أننا في مجلس الحكماء قد شُغلنا طويلًا بقضية السلام في ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطني بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التي لو تُركت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.
أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلي تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.