وضعنا النائب العام السويسري مايكل لوبير في مقارنة محرجة عندما أشار في مؤتمره الصحفي الذي عقده السبت الماضي أثناء زيارته السريعة للقاهرة إلي نجاح تونس في استرداد الجانب الأكبر من أرصدة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي المهربة بينما فشلت مصر في استرداد دولار واحد من أموال مبارك وعائلته ورموز حكمه المهربة.. والسبب في ذلك - حسبما أوضح - يعود إلي تعدد الأطراف القضائية والمحامين وعدم صدور أحكام قضائية قاطعة لإثبات علاقة الأموال المهربة بجرائم الفساد. الحقيقة الوحيدة في الكلام الكثير الذي قاله النائب العام السويسري أثناء وجوده بالقاهرة انه تم إنهاء تجميد 180 مليون فرنك سويسري من أموال رموز حكم مبارك.. وأن هذه الأموال عادت لأصحابها وأشهرهم حسين سالم ورشيد محمد رشيد ومحمد منصور ومحمود الجمال.. وذلك بعد أن تصالحت الحكومة معهم.. واعطتهم الدولة المصرية صك البراءة. وكانت قائمة الذين تم تجميد أموالهم المهربة عام 2011 بعد سقوط نظام مبارك تضم 14 شخصا بأرصدة تصل إلي 580 مليون فرنك.. وصارت الآن بعد المصالحات وتقادم مدة التقاضي تضم 6 أفراد فقط مجموع أرصدتهم 430 مليون فرنك أشهرهم مبارك ونجلاه ويوسف بطرس غالي وصفوت الشريف الذي نفي تماما في التحقيقات الأخيرة مع جهاز الكسب غير المشروع أن له أرصدة مهربة في الخارج. وطبقا لبيان النائب العام السويسري فقد تقلصت الأموال المنهوبة والمجمدة في الخارج.. وتقلصت قائمة المتهمين.. ولم تسفر اللجان التي تم تشكيلها بعد الثورة وسافرت إلي أوروبا وأمريكا عن أية اتفاقات جادة لاستعادة هذه الأموال.. رغم ملايين الدولارات التي انفقتها هذه اللجان في السفر والاقامة.. ومن يدري.. ربما في الزيارة القادمة للنائب العام السويسري يأتينا بصدمة جديدة ليخبرنا أن أصحاب الأموال استردوها بالكامل ولم يعد لمصر ما تطالب به. كانت هناك طموحات كبيرة عندما نشرت تقارير صحفية عديدة بعد الثورة عن ثروات مبارك وعائلته ورموز حكمه المهربة.. وقالت بعض هذه التقارير إنه في الأيام القليلة التي تلت تنحي مبارك تم تهريب أكثر من 39 مليار دولار من مصر إلي الخارج. وكانت ثروة مبارك وعائلته المهربة إلي الخارج تقدر وحدها ب 70 مليار دولار.. كما أكد تقرير نشرته صحيفة "الجارديان البريطانية" منذ 5 سنوات.. وهو ما جعل الناس تمني نفسها باستعادة هذه الأموال وتوزيعها علي الفئات المعدمة.. وأخيرا تبين أنها أحلام وطارت في الهواء. وقد تبارت الصحف الأجنبية بعد سقوط النظام في تقدير ثروة العائلة الرئاسية المباركية.. بعضها قدرها ب 70 مليار دولار والآخر قدرها ب 40 مليارا فقط.. تنوعت ما بين أموال سائلة وسندات وسبائك في بنوك أمريكا ولندن وسويسرا.. وعقارات راقية في عواصم غربية بالإضافة إلي شرم الشيخ والغردقة.. أغلبها باسم علاء وجمال.. وذكرت بعض هذه الصحف أنها تمتلك وثائق لهذه الثروات غير الشرعية للعائلة.. إحداها تزعم أن مبارك نفسه حول 620 مليون دولار من حساب في بنك "باركليز" الانجليزي إلي بنك "إيكو تريد ايه جي" السويسري. كما كشفت "وثائق بنما" التي نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين منذ عدة شهور امتلاك علاء مبارك شركة "بان وورلد انفستمنت" المسجلة في جزيرة العذراء البريطانية.. وهي أحد الملاذات الضريبية الشهيرة ذات السمعة السيئة. الغريب في الأمر أن حكومات ما بعد الثورة لم تتعامل بالجدية الكاملة مع هذه التقارير الصحفية.. بل أكاد أقول لم تتعامل بالجدية الكاملة مع ملف الكسب غير المشروع بصفة عامة.. حتي وصلنا إلي النتيجة التي نحن فيها.. والتي جسدتها صيحة القاضي الفاضل في المحاكمة الثانية لمبارك ورموز حكمه.. "عودوا إلي مواقعكم". لقد عادوا إذن.. وعادت إليهم أموالهم.. ولا عزاء للشعب الذي حلم يوما ما باستعادة أمواله المنهوبة والمهربة إلي الخارج.. كما عادت أموال شعوب أخري في تونس ونيجيريا والفلبين وبيرو.