"تك تك بوم" فيلم هادف. وهادف جدا كمان.. فلا تتعجل وواصل القراءة حتي لاتصاب بالصدمة.. انه أحد الأفلام التفصيل كالعادة والأكثر انه من تأليف محمد سعد عن فكرة لإسعاد يونس.. وهو عمل مابعد "الثورة". من الواضح ان الفكرة التي ربما قيلت في سطر واحد أو شفهيا ضاعت في فيلم "شعبي" من ماركة أفلام محمد سعد وإن كان أكثر تفككا وأقل منطقية في أحداثه التي جرت مع ثورة 25 يناير! فموهبة محمد سعد الفكاهية تتركز في لغة الجسد الهزلية وقدرته علي تحريف ملامح الوجه والمبالغة في استخدامها مع لغة الحوار التي تخضع لنفس اسلوب التحريف والتشويه وقد كان لكلمة "الفيس بوك" مثلا نصيب واضح من التحريف.. فهذه أدوات محمد سعد وقد اشرنا اليها في كل مرة نكتب عن أفلامه. ورغم ذلك فدماغه ليست فاضية تماما ولكنها ضحلة تشير الي الظواهر فقط وتلمس القشور مثلما يحدث في هذا الفيلم الذي تقول العناوين ان السيناريو والحوار من تأليفه وبالطبع رسمه للشخصيات وتصوره عنها ومن أهل الحارة وتصويره لهم. فالفيلم هنا فيلم محمد سعد وليس أشرف فايق المخرج.. لأن لمسات المخرج ليست موجودة. والتفصيل الذي نلحظه في هذا العمل ليس علي مقاس محمد سعد وحده كما يحدث في كل افلامه. وانما علي مقاس "المرحلة التاريخية" الفريدة التي يظهر فيها الفيلم.. بقول أكثر وضوحا. الفيلم يغازل الثورة والجيش والشرطة. ومستشفي 57357 لسرطان الاطفال في اعلان صريح يدخل ضمن سياق الفيلم. وسعد يلعب علي الوتر الديني ويعالج موضوع الوحدة الوطنية. ويغني للشعب في مطالب يعلنها من خلال أغنية "آه لو كنت رئيس" التي قام بتأليفها اسلام خليل. والاغنية صاخبة جدا وطريفة وترض الذوق الشعبي وبالذات جمهور شعبان عبدالرحيم والعمل بعد كل هذا المجهود التلفيقي التوليفي الصعب لن يضع محمد سعد في اطار جديد وانما يبقيه علي حاله كما هو. منذ أن بدأ في اللمبي وعوكل وبوحة وحتي آخر عمل.. أما فيلمه "اللي بالي بالك" فقد حاول أن يذكر الناس به باعتباره أقل افلامه سوقية. الا أن المحاولة قد تضعه في مأزق مع الشرطة بسبب الصورة الكارثية التي رسم بها صورة رجل البوليس المشوقة وغير الواقعية لأن فساد مثل هذا النموذج لن يكون تهريجيا ولا عبيطا سخيفا كما أظهره الفيلم. تيكا عبدالناصر والمنفلوطي يلعب محمد سعد شخصيتين في الفيلم "تيكا" الذي يصنع "البومب" الردئ الذي ينفجر علي أدمغة زبائنه. وشخصية رياض المنفلوطي الشرطي المنفوخ. المتلعثم بسبب تركيبة اسنانه. الفظ الذي يلفق التهم ويسجن الشباب بلا جريرة.. الأول فقير ومحب للناس رغم تشوهاته الظاهرة ويعيش في حي شعبي ويحب "طيفه" ويريد ان يعقد عليها ولكن تشاء الصدفة أن يكون يوم فرح "تيكا" في نفس توقيت ثورة 25 يناير. وخروج الفتوات للعبث بأمن الناس.. ومن ثم لا يتسع الزمان ولا المكان للدخول بها.. صور المخرج مشاهد محاولات "الدخلة" كنمرة فكاهية ليست جديدة علي المتفرج. أما الثاني فهو شرطي مغرور ومشوه الخلقة والخلق ولكنه يمتلك نفس مؤهلات الاول. بمعني انه يتعامل مع تكوينه الشكلي والجسماني كوسائط للتعبير الهزلي النمطي الذي حفظناه من خلال افلامه. ورغم اجتهادات محمد سعد في ادائه للشخصيتين الا انه حسب تقديري الشخصي لن يحقق النجاح الذي يتوقعه بعد غيبة ليست قصيرة عن الشاشة وعودة تعيد الي الاذهان صورته القديمة. البعد عن الثورة غنيمة أسوأ ما في فيلم "تك تك بوم" ليس تواضعه الفني. ولا في التوليفة التي تجمع بين عناصر تتكرر في أفلام محمد سعد. ولكن في استغلاله للثورة وتشويهه للحدث التاريخي بحشره عنوة في عمل تجاري بذئ جدا محصلته الأخيرة لا تخدم الثورة لتعكس نوعية الفيلم الذي يعبر عن تأثيرها في حياة شخصية بسيطة أراد ان يدخل دنيا جديدة ولكن انفجار الحدث وتداعياته جعلته يؤجل ليلة الدخلة لحين سيادة الامن والامان. لا أحد يستطيع ان يشكك في نوايا الممثل الذي يريد ان يلعب دورا في مرحلة تحتاج الي جهود كل فنان جماهيري له شعبية مثل محمد سعد. فقد تنجح الاغنية التي غناها "آه لو كنت رئيس" وربما حققت ببساطتها ولحنها الشعبي جانبا من الهدف الذي يسعي المؤلف والمطرب الي تحقيقه.. واللافت ان محمد سعد قدم الأغنية في الفيلم باداء "محترم" نسبيا وبأقل الحركات ابتذالا مما يؤكد وعيه بجدية الرغبة في ايصال أهدافها الي كل من يريد أن يكون رئيسا علي شعب مصر.. والاغنية نفسها لا تخلو كلماتها من طرافة وسذاجة ليست مرفوضة المشكلة ان الانطباع الاخير الذي يخرج به المتفرج من الفيلم ليس ايجابيا. الوحدة الوطنية لقد حاول المؤلف محمد سعد ان يضم السيناريو شخصية قبطي مصري "لطفي لبيب" يسكن في نفس الحي. ويتفاعل علي طريقته مع أفراحهم. وهو صديق "لتيكا" ويعرف طيفه درة ويتعاطف مع عجزه المادي وقد تعرض مثل سائر الناس الي عدوان "شلظم" "محمد لطفي" وعصابته. ووجد هو نفسه تعاطفا من جيرانه ومن تيكا الذي دافع عنه. والتيار الديني أيضا وقدم جمال اسماعيل شخصية الشيخ "علي" كتجسيد للخطاب الإسلامي المعتدل وجمع بين الشيخ علي وجورج داخل الجامع بعد قيام الثورة في مودة ووئام. وعلي الجانب الآخر اظهر بنفس الافتعال والسذاجة علاقة الشعب البسيط برجل الشرطة في الشارع. واخفق بنفس القدر من الافتعال والسذاجة في تجسيد شخصية الشباب الذين طالبوه بالنزول الي ميدان التحرير وهو غافل عما يدور في هذا الميدان. وغارق في مشكلته الشخصية حيث الزواج من "طيفه" يعتبر أهم حدث في حياته. لم يترك المؤلف محمد سعد أي "قضية" سمع بها أو قرأ عنها دون أن يضمها في السيناريو معتمدا علي لغة حوار خشنة وسوقية ولوازم لفظية بذيئة بالإضافة الي حركات تضيف الي بيئة الفيلم جوا خاصا أصبح يتكرر في اعمال محمد سعد وهو جو يصلح لأي حدوتة الا حدوتة "الثورة" فالفن البائد لا يخدم ثورة أسقطت نظام ترعرع فيه هذا الفن. الجديد ربما في هذا العمل البايت الذي يحمل توقيع الممثل المؤلف ان مشاهد المعارك ليست صورة طبق الأصل من المشاهد المتكررة التي اعتدناها علي الشاشة. هناك لمسة تجديد في تصميم لغة العنف العضلي. وليس في توظيفه ولا طريقة استخدامه فشلقم هنا ليس نموذج "البلطجي" الذي كشفت عنه الثورة وعصابته التي صورها الفيلم تنتمي الي عهد "الفتوة" وافلام هذه النوعية وعمليات السطو التي جرت اثناء الثورة والتي تعبر عن خيال قاصر وبعيد عما جري. وبالذات صورة اهل الحارة الذين رفضوا "الحرام" وأعادوا البضاعة المسروقة الصورة ميراث سينما عفا عليه الزمن. ** حاول "تك تك بوم" ان يقول أشياء جيدة علي المستوي الاخلاقي. وحاول ان ينتصر للحلال علي المستوي الديني. وان يرسم صورة رومانسية للبطل الشعبي الذي يتحول من الهم الشخصي الي الهم العام ولكن محاولاته بقيت في إطار معرفته وذوقه وفهمه للأداء التمثيلي ومهاراته التي اعتاد استعراضها علي الشاشة.