لدي ثقة في قدرة مصر علي عبور أزماتها طالما توفرت الجدية والإقناع برؤية عميقة متماسكة تقدمها الحكومة - أي حكومة حالية أو قادمة - قبل اتخاذ أي قرارات مهمة. ناهيك عن أن تكون مفصلية أو مؤلمة.. فلن يقنع في النهاية إلا ما هو مقنع. ولن يصدق الناس شيئاً إلا إذا رأوه رأي العين. واطمأنت بهم قلوبهم "قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي" وإلا فالبديل أن ينفصل الشعب عن حكومته فلا يصدقها. ولا يتجاوب مع قراراتها. وربما لجأ في ظل غياب المعلومات الكافية والمصارحة والشفافية إلي الوقوع في براثن الشائعات والاستسلام لغواية التعتيم والأباطيل التي يروجها من لا يرجون لمصر قراراً ولا استقراراً. الإجراءات الاقتصادية المؤلمة تراها حكومتنا ضرورية لا نملك ترف تأجيلها. ورآها البعض قاسية ومنقوصة لم تتوفر لها مقومات مؤهلة لجني ثمار الإصلاح. وكان ينبغي أن يسبقها شفافية وتدرج آمن وإقناع وإجراءات حمائية للطبقة الوسطي فضلا عن الفقراء ورقابة رادعة لأي انفلات أو استغلال للأزمة وكفاءة في التنفيذ.. لكن الحكم النهائي تلك الإجراءات سيظل رهنا بتغيير العوامل التي قادت لمثل هذه الأزمة المزمنة. وتحسن حياة الناس والتخفيف عن كاهلهم. بحسابات المنطق فإن أي تأخير إضافي في معالجة تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة بإحداث زيادة سريعة للإنتاج خصوصا الزراعي لسد احتياجات السوق المحلي. وصولا للاكتفاء الذاتي من السلع الضرورية المرهقة للخزانة العامة وتحقيق الاشباع الحقيقي للسوق المحلية دون فواتير إضافية.. أي تأخير من شأنه أن يبدد أي أثر إيجابي لتلك القرارات ويبتلع أي قروض جديدة كما ابتلع قروضاً ومنحاً سابقة كانت أرقامها أكبر وتيسيراتها أعظم. الإجراءات الحمائية لغير القادرين علي درجة بالغة الأهمية. ولا يصح للحكومة أن تستهين بمردود تلك القرارات علي الشارع. ولا أن تكف عن استشعار مدي رضاه أو غضبه منها.. ولا أن تنخدع بإشادات دولية بصحة ما أقدمت عليه من قرارات قد لا يكون هناك مفر من اتخاذها واقعياً لكن بشروط أفضل ومقدمات أكثر تهيئة وقابلية للتنفيذ.. فالأهم هو مردودها علي الشارع.. وإلي متي تستطيع الغالبية احتمال آثارها. وعدم الاكتفاء بتحميلهم فاتورة الإصلاح بالجباية تارة وتعويم الجنيه الذي انتقص من قيمة ما يملكونه أو يدخرونه أو يأتيهم من دخول بنسبة جاوزت 45%. وهنا تصبح أسئلة ما بعد القرارات الصعبة.. متي يتحقق مجتمع الكفاية قبل الجباية.. متي يتحول اقتصادنا من الريعية الهشة والاحتكار اللذين يقودان بالضرورة إلي الفساد واللاعدالة إلي اقتصاد الإنتاج والكفاية.. ولماذا لم تقدم الحكومة أولا علي تفعيل الكروت الذكية للوقود دعماً لمستحقيه بدلا من تحميله أعباء جديدة غير عادلة.. ومتي تتحمل الدولة دعم السفارات والأجانب المقيمين علي أرضها والأغنياء بالوقود والسلع المدعمة.. متي توقف نزيف الهدر والفاقد في الموارد والثروات فربما اكتشفت فائضاً مهدراً في موضع حسبته يعاني خللا ونقصاً.. وأخيراً هل يكفي الإعلان عن ترشيد الإنفاق الحكومي والاتجاه لفرض ضرائب تصاعدية.. أم أن الأمر في حاجة لمزيد من الإجراءات العادلة والرؤية المعلنة المتماسكة لتجاوز أخطاء عقود ماضية وتوفير مزيد من المعلومات والمصارحة لدعم الثقة في المستقبل المنظور.. وقطع الطريق علي مؤامرة يساعد علي إنجاحها للأسف مسئولون لا يقدرون خطورة ما نحن فيه.