كل عام وأنتم بخير.. كل عيد ومصرنا الغالية أكثر حرية وأكثر أمنا ورخاء وعدالة اجتماعية. كل عيد ونحن معاً.. أكثر تماسكاً وتضامناً في ظل الديمقراطية الصحيحة والوحدة الوطنية. كل عيد وصحيفتنا "المساء" أكثر ازدهاراً وتألقاً.. وأكثر ارتباطاً بقرائها.. تجمعهم علي كل ما هو جميل ومفيد ورفيع القيمة. وما أحلي الرجوع إليك - عزيزي القارئ - بعد اجازة طالت علي مدي شهر رمضان الكريم.. كان القلم فيها يناوشني ليكتب عن الأحداث الساخنة التي مرت بنا لكنني كنت أتراجع وأصر علي الاجازة. الكتابة عراك يومي.. اشتباك ومعاناة إذا كان الهدف رسالة ذات مذاق وذات تأثير وفاعلية وليس مجرد اجترار أو تسجيل انطباعات عارضة لا تحمل معني ولا مغزي. شهر كامل مضي شهد الكثير مما يستوجب الكتابة عنه والشهادة عليه في ظل واقعنا الذي يموج بأحداث وتطورات متلاحقة ومتلاطمة.. فقد كان بودي أن أقف مع التحرك الذكي والوطني لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر للحصول علي توافق بين الجماعات السياسية المتنافرة حول المبادئ التي حملتها وثيقة الأزهر.. بما يحفظ البلاد من التشرذم.. ويخرجها من النفق المظلم الذي دخلت إليه بجدل عقيم حول الدستور أولاً أم الانتخابات.. ثم بجدل آخر حول ما سمي ب"المبادئ فوق الدستورية". وقد أتت الخطوة المباركة ثمارها والحمد لله.. وهدأت الضجة إلي حين.. وإن تكاثرت بعد ذلك عروض المبادئ فوق الدستورية استباقاً للدستور.. وخوفاً من أن ينفرد فصيل سياسي واحد بتفصيل دستور علي مقاسه إذا حصل علي الأغلبية في الانتخابات البرلمانية القادمة. أظن أننا عبرنا هذه المرحلة الجدلية الآن.. وإن كان الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء مازال يبحث عن مناطق للتوافق الوطني قبيل الدخول إلي مرحلة إعداد الدستور الجديد.. لكن الرأي استقر الآن - فيما أتصور - علي ضرورة الالتزام بخريطة الطريق التي حددها استفتاء 19 مارس.. وعدم استباق أعمال اللجنة التحضيرية المختصة بإعداد الدستور.. والبعد عن أي إجراءات يمكن أن تعرقل أداء اللجنة وتكون عبئا عليها. وقد ظهر رأي عاقل وسديد في هذا الصدد يقول إن بالإمكان الاكتفاء بالقواعد العامة التي تضمنتها وثيقة الأزهر حول الديمقراطية والتعددية السياسية والحريات الدينية والمساواة كضوابط تكفل عدم طغيان أي تيار سياسي وانفراده بإعداد الدستور الجديد.. وهذا رأي له اعتباره واحترامه. كما شهد الشهر الكريم أيضا انتفاضة مصر بكل أطيافها لمواجهة جريمة إسرائيل بقتل ثلاثة من أبنائنا علي الحدود بأعذار واهية.. وقد أظهرت مصر في هذه الانتفاضة العين الحمراء لإسرائيل للمرة الأولي منذ توقيع معاهدة السلام عام ..1979 فلم يحدث أن واجهت إسرائيل علي مدي تلك السنوات الطويلة الماضية رد فعل مصري قوي وحاسم وواع بهذا الشكل.. كانت المفاجأة كبيرة لإسرائيل وغير متوقعة.. وإذا كان هناك من قال إن جريمة الحدود كانت اختباراً لمصر في ظل ظروفها الحالية فالنتيجة كانت لصالحنا علي كل حال.. لأنها كشفت عن حقيقة معدن هذا الشعب الذي كانوا يراهنون علي سلبيته ووهن عزيمته وضعف إرادته.. وكشفت أيضا عن حقيقة هويته وأصالته.. فهو يحارب معركته هنا ضد الفساد والديكتاتورية والاستبداد والفقر وعينه علي غزة والقدس.. وصوته يطالب بطرد السفير العدو. ورب ضارة نافعة... فقد أدت الجريمة الصهيونية إلي اصطفاف المصريين جميعا علي اختلاف ميولهم السياسية والفكرية وراء القوات المسلحة والمجلس العسكري.. وإنهاء مرحلة الصراع السياسي والاستقطاب والمعاندة والمكايدة التي كادت تأخذنا إلي الهلاك.. لنتجه معا إلي سيناء وضرورة تعميرها وكامب ديفيد وضرورة تطويرها لتتحول علاقاتنا من الخضوع إلي المقاومة. لقد تصورت واشنطن أن بإمكانها احتواء الثورة المصرية ولم يخطر ببالها أن هذه الثورة في حقيقتها ضد التحالف غير المقدس بين الفساد الداخلي والخضوع للمشروع الأمريكي الصهيوني في منطقتنا العربية.. لكن الصورة ظهرت كاملة من خلال الأزمة الأخيرة.. والمواقف تبلورت بما فيه الكفاية. أما الحدث الثالث فقد كان سقوط القذافي.. أحد أعمدة الفساد في البيت العربي.. لم يكن القذافي مجرد حاكم أو ديكتاتور.. وإنما كان علامة علي التخلف والانحطاط.. وبسقوطه انتهت وطويت صفحة من أسوأ صفحاتنا.. لتبدأ صفحة جديدة لزمن جديد.. زمن الحرية والديمقراطية والبناء واحترام إرادة الشعوب وعقولها. لقد تزاحمت الأخبار الجيدة خلال شهر رمضان الكريم.. وكلها تصب في اتجاه واحد.. اتجاه اعتدال البوصلة العربية. ما أجمل العودة إلي الكتابة.. وما أحلي الرجوع إليك عزيزي القارئ.