ليست مفاجأة أن يعلن فيجيرخان برزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق أنه يريد مناقشة استقلال الإقليم - الذي يتمتع بالحكم الذاتي حالياً - فور استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. ليست مفاجأة.. فمخطط تقسيم العراق إلي دولة كردية في الشمال ودولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط معروف منذ زمن بعيد.. ومعروف أن الأكراد - تحديداً - ينتظرون اللحظة المناسبة لإعلان انفصالهم في مناطق كركوك وأربيل والموصل الشمالية.. ولا شك أن برزاني يري أن هذه اللحظة قد حانت.. فالعرب مفككون والعراق في أسوأ حالاته.. وإسرائيل وأمريكا جاهزتان للدعم والتأييد. المشكلة الكبري ستكون مع إيرانوتركيا اللتين ترفضان مخطط الانفصال ليس حباً في العراق.. وإنما خوفاً من أن إعلان قيام دولة كردية في شمال العراق سيستتبعه علي الفور انضمام الأقاليم الكردية في سورياوتركياوإيران إلي الدولة الوليدة لتشكيل دولة الأكراد الكبري علي أساس عرقي في منطقة مليئة بالتناقضات والصراعات العرقية فتزيدها اشتعالاً وتفكيكاً. يقول برزاني إن الأمور ناضجة منذ فترة طويلة للاستقلال.. انتظرنا طويلاً وكنا نعتقد أنه بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ستكون هناك انطلاقة جديدة لعراق جديد ديمقراطي.. لكن هذا العراق فشل.. نحن لسنا عرباً بل أمة كردية.. الأسرة الدولية يجب أن تنظر إلي ذلك بطريقة واقعية.. عندنا لا يوجد جيش عراقي ولا شرطة عراقية.. وفي وقت ما سيكون هناك استفتاء حول استقلال كردستان لنترك للناس يقررون. إلي هذا الحد وصل استقواء الأكراد علي الدولة العراقية.. وإعلان الرغبة الصريحة في الانفصال.. والدولة العراقية لن تستطيع الوقوف في وجه هذا الاستقواء الكردي.. لكنها تعتمد فقط علي التوازنات الدولية والتحالفات التي يمكن أن تخمد ثورة الطموحات الكردية التي انطلقت في اللحظة التي يتم فيها التخلص من تنظيم داعش الإرهابي.. وقد بدا للجميع أن الأكراد يريدون أن يحلوا محل داعش في المناطق الشمالية التي يغادرها. وكانت تركيا قد أعلنت مؤخراً أنها لن تسمح بأن تصبح مدينة "سنجار" غرب الموصل قاعدة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني - عدوها اللدود - وذكر بيان للبيت الأبيض أن أوباما وأردوغان "أكدا دعمهما لسيادة ووحدة أراضي العراق". وهناك قوات من الأكراد - البيشمركة - تشارك في معارك تحرير الموصل من داعش.. واستطاعت هذه القوات السيطرة علي مدينة "بعشيقة" ومحاصرة بعض القري والطرق الرئيسية.. وهناك تخوفات حقيقية من أن يتم طرد السكان العرب من هذه المناطق لإحلال مواطنين أكراد مكانهم علي نحو ما فعلت العصابات الصهيونية مع الفلسطينيين في .1948 وما يحدث في شمال العراق يحدث مثله في شمال سوريا.. ولذلك اتخذت قرارات استباقية لعدم إشراك أية قوات كردية في معارك تحرير المدن التي يسيطر عليها داعش في الشمال السوري.. حتي لا يحل الخطر الكردي محل الخطر الداعشي. خطر داعش عليه إجماع عربي ودولي.. وسوف ينتهي إن عاجلاً أو آجلاً.. فكم خرجت جماعات فاسدة في تاريخنا ثم انتهي أمرها إلي زوال.. لكن الخطر الذي لن يزول بسهولة هو خطر التفكيك والانفصال.. ويبدو أن مرحلة ما بعد داعش سوف تشهد تصعيداً لهذا الخطر.. الذي يشبه الفيروس الكامن في الجسد.. والذي يتحين فرصة الضعف والوهن لكي ينشط ويفعل أفاعيله.