ليست صحيفة "المساء" مثل أي صحيفة.. فهي متفردة في أسلوبها وطريقة عرضها للمواد الصحفية.. ولها طريقتها الرائعة في التعامل بين محرريها سواء أكانوا من الشباب الناهضين أو من جيل الوسط أو من شيوخ المهنة. تجمعهم دائماً علاقة حب لا تنفصم حتي ولو كان هناك خلاف في العمل.. إن هذا الخلاف يقوم في اللحظة الراهنة ولكنه لا يمكن أن يمتد إلي العلاقات الإنسانية والصداقة الشخصية بين الزملاء. في "المساء" أيضاً مدرسة للتعليم المهني.. فلا يكاد شاب يلتحق بالعمل بها حتي يأخذ الجميع بيديه.. يعلمونه أسرار المهنة وخباياها.. فلا يلبث غير وقت قصير حتي يندمج مع كتيبة "المساء" فينفرد بالخبر الصادق من مصادره.. ويتابع في دأب الأخبار التي نشرتها الصحف الصباحية فيأتي فيها بكل جديد لم تذكره كل الصحف. و"المساء" تنفرد بعناوين براقة.. تلفت الانتباه منذ قراءتها وتشدك إلي قراءة الموضوع فلاتستطيع أن تضع الصحيفة جانباً إلا أن تلم بموضوع الخبر أو التحقيق أو التقرير. وقد تحولت في عهد الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ سمير رجب الذي بعثها من مرقدها حتي صارت أشهر صحيفة مسائية في الشرق الأوسط.. فلا تعتمد في توزيعها علي الرياضة بل أصبحت صحيفة شاملة فيها كل أنواع فنون الصحافة وصارت منافسة لأعرق الصحف الصباحية. قضيت ثلثي عمري الصحفي في صحيفة "المساء" بعد أن اختارني الزميل والصديق الأستاذ سمير رجب لأكون مديراً لتحريرها عام 1982 وكان قد سبقني إليها كرئيس للتحرير عام 1981 فمددت إليه يدي معاوناً له بكل الصدق والحرفية وسهرنا الليالي وبتنا في الصحيفة معظم أيام الأسبوع ومعنا نخبة من الزملاء حتي نهضت الصحيفة من سباتها العميق.. وقامت لتعلن عن نفسها بأنها "المساء" المعبرة عن مشاكل الشعب وطموحاته. رشحني الأستاذ سمير رجب لأتولي رئاسة تحرير مجلة "حريتي" التي أنشأها عام 1990 وكان هو ما يزال رئيساً لتحرير "المساء" وقد توليت رئاسة تحرير المجلة عام 1991 لكنه أصر علي أن أجمع بين عملين أحدهما رئاسة التحرير والآخر مديراً لتحرير "المساء" وهي سابقة في تاريخ الصحافة.. ولم يأت ذلك من فراغ لأن الزميل والصديق الأستاذ سمير رجب كان يثق بي وبقدراتي علي أن أتولي المنصبين معاً. تولي هو رئاسة مجلس إدارة المؤسسة عام 1989 وبعدها تولي رئاسة تحرير جريدة "الجمهورية" ورشحني للمرة الثانية لرئاسة تحرير "المساء". انطلقت بعدها لأواصل مع زملاء مازلت أعتز بحبهم وصداقتهم حتي الآن مسيرة النجاح التي حققها سمير رجب في "المساء".. وكنا علي العهد معه دائماً نتشاور في أمور الصحيفة حتي صارت مع "الجمهورية".. توأمين متلازمين.. هذه صحيفة صباحية وتلك مسائية فخلقنا نوعاً من الانسجام بيننا كان شعاره الحب والتفاني لتكون مؤسسة دار التحرير وصحفها يداً واحدة تبني وتعمر لصالح جموع هذا الشعب. انتشرت "المساء" لتحقق أكبر رقم في التوزيع.. كان القراء يتهافتون عليها بحب وصدق حتي أخبرني بعض الموزعين أن القراء حجزوا الصحيفة قبلها بيوم حتي لا يسبقهم أحد بشرائها.. وكنا سعداء بأنك لو ركبت قطاراً أو مترو الأنفاق أو أي وسيلة مواصلة تجد "المساء" هي الأولي التي تستحوذ علي قلوب قرائها. لم يكن هذا جهد فرد معين ولا جهد عدة أفراد.. بل كان حصيلة لجهد جميع الزملاء.. لم يتخلف أحد منهم يوماً عن الحضور للجريدة في الوقت المحدد له فكنا نعزف قطعة موسيقية لا نشاز فيها.. وكان مايسترو الفرقة سمير رجب الذي قاد المؤسسة بعبقرية فذة وضبط إيقاعها في مقرها الجديد بشارع رمسيس الذي صار مفخرة وعنواناً للصحافة الرائدة. هكذا تحولت "المساء" إلي صحيفة يعشقها كل الشعب المصري ابتداء من القرية حتي المراكز والمدن وعواصم المحافظات.. وكان الموزعون في الطرقات والشوارع وعلي الطرق السريعة لا يحملون في أيديهم إلا "المساء" لأنها نالت ثقة القراء وحبهم. وحان يوم مغادرتي للصحيفة كقائد للعمل فيها بعد 7 سنوات كاملة.. وكان يوماً مشهوداً عندما علمت أن أخي الأصغر الزميل والصديق خالد إمام سيتولي قيادة العمل في الصحيفة بعدي.. فنبهت علي جميع الزملاء وحتي الساهرين منهم ان يحضروا.. وعقدنا في يوم التسليم مجلس التحرير.. وكلفنا الزملاء بمهامهم لتكون الصحيفة جاهزة في اليوم التالي. ثم استقبلت أنا والزملاء خالد إمام أحسن استقبال. وقدمته لكل الزملاء ولم يكن غريباً عنهم.. وقلت إن "المساء" حققت رقماً خيالياً في التوزيع وأنا أنتظر منكم ان تتعاونوا مع خالد لتنطلق الصحيفة أكثر وأكثر.. وبالفعل. انطلقت الصحيفة في عهده. وقد تسلم خالد العمل مني تسليماً حضارياً لم تشهده أي صحيفة حتي الآن.. وأخذته من يده وأجلسته علي المقعد الذي كنت أجلس عليه وأهديته هدية رمزية لتكون عنواناً للمودة والصفاء. وبعد انتهاء فترة خالد توالت القيادات من بعده.. فجاء ابني وزميلي الأستاذ جمال أبوبيه ليتولي قيادة الصحيفة.. وتربطني به علاقة محبة وأخوة ونتشارك معاً في يوم عيد الميلاد حيث يبادرني بالتهنئة متمنياً لي عاماً سعيداً وأبادله نفس التهنئة. وجاء من بعد جمال الزميل والأخ العزيز الأستاذ مؤمن الهباء ليكون علامة مضيئة في تاريخ المساء.. ويسير علي نفس النهج الذي سرنا عليه.. ونظراً لقوة الرابطة والحب التي جمعتنا فقد دعانا جمال إلي حفل عشاء في منزله وكان مؤمن الهباء أول المدعوين. ثم جاء آخر العنقود الزميل والصديق الأستاذ سامي حامد ليكون رئيساً للتحرير فأحدث بعض التغييرات في نظام العمل بالصحيفة وعين شاباً متفتحاً هو الزميل الأستاذ أحمد سليمان ليكون مديراً عاماً للتحرير. لم ينس سامي حامد زملاءه من شيوخ الصحافة وأبناء ويجل الوسط فاعتز بهم وبالقيادات التي عاونتهم.. وشجع الشباب في الصحيفة حتي صارت بوتقة تجمع كل الأجيال.. ألم أقل ان الحب والصداقة هو المانشيت الرئيسي للمساء. كان بودي أن أشير إلي علاقات الصداقة والزمالة وعلاقات الحب التي جمعتنا.. لو أن المساحة كانت تسمح.. ولكني أتوجه بالشكر للجميع فرداً فرداً علي تلك الألفة التي جمعتنا.. وستظل هذه الألفة عنواناً لنا في المساء علي مدي الأجيال القادمة. والتحية الخاصة للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ سمير رجب باعث نهضة المساء ومنشئ أحدث دار صحفية في الشرق الأوسط.