تعاني صناعة الأثاث في دمياط من عدم التطوير الصناعي منذ نشأتها حيث توقفت المهنة عند مرحلة الصناعة اليدوية والتي اكسبت صناعة الأثاث شهرتها ووصلت إلي العالمية ولكن تبقي الآلات المساعدة لصناعة الأثاث أشد تخلفاً مقارنة بالآلات المستخدمة في الخارج مثل ايطاليا أكبر الدول المصنعة للأثاث في العالم أو الصين التي تنافسها أو فرنسا التي اشتهرت بتطوير منتجاتها من الأثاث خلال الفترة الأخيرة. يقول محمد أبو قمر الباحث في تاريخ دمياط ان آلات صناعة الأثاث في دمياط لم يتم تعديلها منذ نشأة المهنة التي اشتهرت بها منذ القدم واشتهر كثير من الدمايطة بالمهارة في هذه الصناعة وكان يسمي محترفوها "بالنجار النقي" وكان يصنع المشربيات التي كانت تطل من البيوت علي شاطئ دمياط والمنابر العجيبة وغير ذلك من الصناعات الدقيقة ولهذا قفزت صناعة الأثاث من الصندوق الذي تفننوا في صنعه إلي اخفاء ادراجه المسحورة إلي الدولاب أبو مراية إلي قطع بسيطة من الأثاث ظلت تتطور منذ الحرب العظمي عام 1914 عندما انقطعت الواردات الخارجية وقامت هذه الصناعة بسد الحاجة المحلية وظلت تنمو حتي أصبحت صناعة ضخمة بدمياط حتي الآن. أوضح ان تزامن دخول ماكينات شق الأخشاب "المنشار" في دمياط مع بداية إنشاء مصنع اللوزي للغزل والنسيج فبدأت ورش دمياط تفكر في استعمال آلات شق الأخشاب الكهربائية وكانت هذه الآلات تعمل في القاهرة فقط وهي المنشار والمنقار والحلاية والرابوب والتخانة وكان معظمها مستورداً من الخارج واستدعي صاحب ورشة كبيرة بدمياط أحد صناع هذه الآلات ليقوم بتركيبها في ورشته وبعد الانتهاء من التركيب أشار عليه أن يقوم بفتح ورشة خاصة لشق الأخشاب لجميع الورش الصغيرة والمتوسطة وبالفعل تم فتح أول ورشة في دمياط لشق الأخشاب وتوالي بعدها فتح ورش لشق الأخشاب فقط وهذا أعطي لدمياط خاصية الانتاج السريع والتخصص الشديد في شق الأخشاب وأصبح له فنه الخاص ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد توقف تطوير هذه الآلات منذ هذا التاريخ وهي آلات أساسية مهمة لصناعة الأثاث وكان من أسوأ ما فعلته هذه الآلات بصناع الأثاث هي اصابتهم ببتر أصابعهم أو أكفهم بشكل دائم ومستمر وحتي هذه اللحظة نظراً لأنها تحتاج إلي الانتباه الشديد من العامل عندما يستعملها فهي غير مؤمنة وبلغ الحد مداه بأن طالب أبناء دمياط بإنشاء مستشفي للأطراف بدمياط لأنه لا يوجد مستشفي لهذا النوع من الإصابات. لم يتوقف الأمر علي ماكينات شق الأخشاب ولكن انتقلت هذه العدوي منذ القدم إلي مهنة "الكرينة" والتي تستخدم في تنجيد الأنتريهات والصالونات في دمياط وما يميزها انها خامة محلية تستخدم في صناعة الأثاث يتم تصنيعها من سعف النخيل عن طريق ماكينات بدائية تحدث العديد من الكوارث والإصابات للعاملين بها وتركزت هذه الصناعة في قرية كفر ميت أبو غالب التابعة لمركز كفر سعد ويوجد بها أكثر من 100 ورشة لفرم الكرينة رصدنا أكثر من 50 حالة أصيبت بعاهات بسبب هذه الماكينات تنوعت بين بتر يد أو ذراع أو تشويه أو الموت فقد سحبت إحدي الماكينات عاملاً من ذراعه إلي داخل الماكينة وقضت عليه. يشرح مدكور دراز صانع سكاكين ماكينة الكرينة من قرية ميت أبو غالب تكوين هذه الآلة التي تضم من 350 إلي 500 سكين "شفرة" ويكون العامل تحت رحمة السكاكين التي توضع في ماكينة بدائية جداً لم يتم تطويرها وأصابت الكثيرين وأنا من بينهم حيث أصبت وأنا في الصف الأول الإعدادي عام 1992 وتم عمل عملية زرع يد واعتبر من ضمن الحالات البسيطة في البلد فهناك حالات حدث لها تشوه في الذراع وآخر من سحبته الماكينة حتي توفي. ويقول عامل بإحدي الورش أصبت في يدي وأصبحت عاجزاً بدون عمل وأصحاب الورش في البداية كانوا يرفضون الماكينة الحديثة لأنها كانت تقوم بفرم الكرينة تماما حتي يصبح تراباً ولا تصلح لتنجيد الأنتريهات والصالونات فتم تعديل الماكينة لتكون آمنة ولكن النتيجة كانت تقليص العمالة حيث كانت الماكينة القديمة يعمل عليها أربعة عمال أما الآن فصاحب الورشة يكتفي بنفسه فقط ليعمل عليها. يقول علي البدوي "عامل": أنا لا أعرف عمل سوي فرم سعف النخيل وتحويله إلي كرينة فأنا أعمل في هذه المهنة منذ الطفولة حتي أصبت وفرمتني الماكينة فأثناء عملي سحبت الماكينة يدي وعندما ذهبنا إلي القسم وبشهادة الشهود أثبتت انه بسبب خطأ في الماكينة وبسببها تم رفع قضية وتم الحكم لي ب 290 جنيها شهرياً وهكذا فقد أنهت هذه الماكينة حياتنا فأنا الآن عاطل لأن أصحاب الورش يفضلون العامل السليم الخالي من الإصابة. طالب صلاح مصباح عضو حزب التجمع بدمياط ضياء الدين داود عضو مجلس النواب عن محافظة دمياط بحقوق هؤلاء العمال وأكد انهم يعملون في ظروف غير مناسبة بمهنة شاقة وعنيفة ويجب علي الدولة تحديث هذه الماكينة بالكامل لأن الكرينة خامة مهمة في صناعة الأثاث المصري. كما أكد ان جميع العاملين في مجال صناعة الأثاث مظلومين من حيث الرعاية الطبية وحمايتهم عند الإصابات. أما المهنة الأصعب والأشد فهي مهنة تقطيع الرخام والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بصناعة الأثاث حيث يتم استخدامها علي ترابيزات الصالونات والأنتريه وكذلك في غرفة السفرة والمرحلة الأخطر فيها هي حلاية الرخامة من الحواف حيث تتم بآلة تسمي الصاروخ والتي ينتج عنها كميات كبيرة من التراب تتسبب في معظم أمراض الصدر. عزيز فيالة يعمل في مجال الرخام يقول ان كل من عملوا في هذا المجال أصيبوا بأمراض صدرية. فالغبار الذي يخرج من الرخام يعتبر مادة سامة تسبب تحجر الرئتين مؤكداً انه احتجز في مستشفي الصدر لمدة شهرين للعلاج منذ عدة سنوات ولكنه عاد للعمل مرة ثانية فأكل العيش مر والعمل يقهر المرض أحياناً وإذا لم يقهره فأشرف للإنسان أن يعمل علي أن يمد يده للآخرين وهو ليس له تأمين أو حتي معاش شأنه شأن الآلاف من العاملين. طالب فيالة بتبني الدولة لبرامج حقيقية لتطوير المعدات المستخدمة في صناعة الموبيليا بدلاً من تبني برامج لا جدوي لها ولا يتم تنفيذها. مشيراً إلي أن المهنة تنحدر ولا تجد من يهتم بها في الدولة ولا من يناقش تحديثها بشكل حقيقي. تأتي المهنة الرابعة والأخطر وهي مهنة رش البوريتان والبوليستر والتي تتركز في قري الشعراء والبصارطة والعنانية وعزب النهضة وهي قري متجاورة وتمتهن مهنة رش الموبيليات وهي من المهن التي تضر العاملين بها والمحيطين بأماكن الرش حيث يعاني أهلها من أزمات الربو وضيق التنفس بنسبة 12% من إجمالي المصابين بأمراض تنفسية. يقول المهندس جمال ماريا رئيس جمعية حماية المستهلك بدمياط انه بسبب تساهل المسئولين في تطبيق القانون تقع كل يوم جرائم كبري بحق الأهالي والعاملين أنفسهم حيث ان قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 ينص علي حث أصحاب ورش دهانات الموبيليا بضرورة استخدام الكبائن والكابينة هي غرفة معزولة عن الخارج لها اشتراطات خاصة يتم رش البوليستر والبوريتان فيها لمنع انتشار النواتج المسممة من الرش. كما ان هناك مواد رقم 31. 32. 42. 43 من اللائحة التنفيذية التي تقتضي بفرض عقوبة في حالة المخالفة يتم تطبيق غرامة مالية وقدرها 20 ألف جنيه وحبس 3 سنوات. يقول عادل علي المهندس الجيولوجي بشئون البيئة والذي تولي حل هذه المشكلة أكثر من مرة ان رش الموبيليا في الشوارع مشكلة قائمة بالفعل نعاني منها منذ سنوات طويلة وانه قام بعدة محاولات لإنهاء هذه المشكلة ولكنها باءت بالفشل وأوضح عادل أن نواتج الرش والدهانات خطيرة جداً ومضرة بالصنايعي والأهالي المحيطة بأماكن الرش وان التصفية هي أخطر مراحل الدهانات حيث يتم استخدام مواد خام ومواد الدهانات مثل البوليستر والبوريستان والنيتروسيلز. أضاف ان الآثار السلبية الناتجة عن هذه المواد خطيرة جداً نظراً لقابليتها علي الاشتعال عند تعرضها للحرارة وتقوم بتهيج الجهاز التنفسي وتسبب السرطان وتهيجات للجلد والعين ففي قرية الشعراء حوالي 8 آلاف ورشة لرش الموبيليا وهو عدد كبير بالنسبة لقرية مثل الشعراء. أكد عادل انه قام بتقديم حل للمجلس المحلي ولكنهم لم يستجيبوا له حتي الآن كما ان أصحاب الورش لم يتعاونوا معه بالرغم من انه تم بناء كبائن مخصصة لرش الموبيليا وانه تم بناء حوالي 52 كابينة "فرن" في الشعراء عام 2014 لمنع الرش في الشوارع لكنهم لم يتعاونوا بسبب كسل أصحاب الورش ونقلها من مكان لآخر بسبب تكاليف الرش داخل الكابينة. أضاف مظهر نعمان رئيس جهاز البيئة السابق بدمياط ان الجهاز شن حملات علي الورش التي تستخدم مواد كيميائية ضارة بالبيئة بجميع مناطق المحافظة خاصة الشعراء التي بها أكثر من 8 آلاف ورشة بمشاركة مديرية شئون البيئة والصحة والطب البيطري وعدد من قوات الشرطة العسكرية وأسفرت الحملات عن تحويل أكثر من 40 صاحب ورشة من أصحاب ورش رش الموبيليا إلي النيابة العامة بسبب قيامهم باستخدام مواد كيميائية مثل البوليستر والبروتان وهي مواد كيميائية تمثل خطرا علي البيئة وصحة الإنسان وأكد نعمان ان الشكاوي التي وصلت إلينا كلها تشكو من اصابة الأطفال بمرض الربو وضيق التنفس بسبب رش الموبيليا. أكد مدير مكتب الأمن الصناعي بدمياط ان هناك عدة شروط للترخيص بإنشاء كابينة للرش داخل أي ورشة موبيليات ومن هذه الشروط هي أن تقع الورش علي شارع 6 أمتار وبارتفاع 4 أمتار ويمكن استثناء هذا الشرط بموافقة المحافظ وأيضاً التزام العمال بلبس كمامات لحمايتهم ووجود مدخنة أعلي الورش بارتفاع لا يقل عن 2 متر ووجود مبني مجاور للورشة في مساحة نصف قطرها 25 مترا ويقوم الأمن الصناعي بحملات لضبط الورش المخالفة وبطلب من رئيس المدينة والمركز وإصدار قرار بالغلق الإداري بناء علي طلب مدير القوي العاملة وأري ان تعميم الكبائن المجهزة هو الحل لحماية الحرفيين أنفسهم وحماية السكان. يقول خالد عباس أبو العينين "25 عاما" يعمل في مهنة رش الموبيليات بالبوليستر ويتردد علي مستشفي الصدر بدمياط انه بدأ يعاني من ضيق في التنفس وقام بعمل أشعة وقال له الأطباء انه اذا استمر في هذه المهنة والعمل بها بدون استخدام وسائل تأمين فيصاب بتحجر رئوي. وعن مشكلة عمالة الأطفال يقول ابراهيم منتصر "مدير مدرسة أطفال" ان هؤلاء الأطفال الدمايطة يخرجون إلي سوق العمل مبكراً والملاحظ انه يتناقص هذا العمر كل وقت فمن الممكن أن نري طفلاً في الثامنة من العمر ويعمل داخل ورشة في أعمال خطيرة مثل رش الدهانات ويرجع ذلك لسببين الأول وهو اجتماعي لأن رب الأسرة يخرج إلي المعاش مبكراً مثل صناع الأثاث "الشريحة الأكبر في المجتمع الدمياطي" حيث ينتهي عمره الانتاجي وهو في سن الخمسين مما يجعله مضطراً للدفع بابنه الصغير نحو سوق العمل لزيادة دخل الأسرة والسبب الثاني يرجع لتسرب هؤلاء الأطفال من المدارس بسبب ان البرنامج التربوي الموجود حالياً لا شأن له علي الاطلاق بهذه النوعية من الأطفال ولكنه مصمم لطبقات اجتماعية أخري لا تعاني من المشاكل المالية لذلك يجب أن يكون هناك نظام دراسي مخصص لتلك الفئة وبفترة دراسية أطول تصل إلي 11 شهراً وبنظام نصف اسبوعي مع اعطائهم بعض الحوافز المالية والاجتماعية.