قال أبي لأمي -: -هل تذكرين هذا المكان . وأشار بيده من خلف الأسوار الفولاذية الي مبني شديد القدم. قال: كانت هنا. طريحة الفراش. قلت: لعلها لم تمت. سأحاول البحث عنها. قالت أمي: لاتحاول يا محمد.. لن تصل إلي شيء. الأمر حسم منذ زمن بعيد. قال أبي: فليذهب للبحث عنها. ربما.. كانت زوجتي تنظر إلي في رجاء محاولة اثنائي عن الدخول. لكنها شقيقتي. وعلي أن أبحث عنها مهما حدث. .. دلفت من البوابة الحديدية. تكورت كقط ومرقت من داخل فتحة لأجد نفسي أسير في دهليز ضيق. مجموعة من الغرف الضيقة.. شبه المظلمة. خليط من أصوات متداخلة. ومواء متقطع يقشعر له البدن. بيد أن الغرف جميعها فارغة . قلت لأحدهم: أين الباب الذي يؤدي الي الطابق العلوي؟ أشار برأسه نحو كوة مضيئة في الجدار..حاولت الخروج فلم أستطع. خرج الرجل الضخم صاحب الوجه المستطيل. انني أعرفه جيدا..¢ جمال الفل ¢. جارنا في الحي. لكنه لم يعرفني. طرحت عليه السؤال. قال أخرج بسرعة قبل أن يأتي المدير ويراك. أخيرا خرجت. وسط الأحراش وقفت أنظر إلي طابور طويل من المرضي. كل منهم يمسك حق الدخول الي الطابق الأعلي. علي إذن أن أستخدم ذكائي . فأنا صفر اليدين. وضعت يدي علي جيبي لأتثبت من هويتي الشخصية. المفاجأة . لم تكن موجودة!.. كيف السبيل اذن ؟. الناس المرضي يرتدون ملابس ناصعة. وجوههم في لون الثلج. انطلقت بمفردي. سريعا كنت أرتقي الدرج. أمني نفسي برؤيتها . سأعانقها وأقبل وجهها.. كيف هي الآن» تري ما ملامحها ؟. حين خرجت من البيت قالوا لي: العب بمفردك. فقد ذهبت إلي هناك.. وهناك أشجار كثيرة وفواكه لم نرها من قبل.. وأرجوحة نسجت من خيوط النور تحركها أيادي بضة ووجوه كالأقمار.. تدفع صاحبها للرضي والسعادة. قلت محتجا: ¢ ستأتي . لابد أن تأتي وسوف أمسك بيدها الطرية كعجين ونذهب معا إلي مشتل عم كامل. ونجلس علي حافة النهر نأكل الفسيخ وأعواد الخس المنقوعة في ماء النيل.. وأتسلق شجرة التوت كقرد محترف. أهزها فتقوم هي بجمع حبات السكر الملونة. تري هل مازالت تحتفظ بروعتها كما كانت. شعرها الشمسي.. هل لاتزال العصافير تنشد فيه الأشعار؟؟ مؤكد أن جسدها الطفولي الذي كان يحمل أنوثة مبكرة قد صار أكثر نضجا. وقفت في الطابور أنتظر دوري. كان الموظف الاداري يضرب بالقلم في صفحات كثيرة ويغمعم بكلمات غير واضحة. وعندما صرت أمامه حدجني بدهشة. وقال بحدة¢ كيف وصلت إلي هنا. ليس من حقك الدخول؟! نظرت إليه في استعطاف شديد. قلت: ¢ واجبك أن تقول ذلك..¢ لكنها أختي. لم أرها منذ سنوات طويلة. أرجوك سامحني¢. هز رأسه . أخرج سجلا ضخما راح يبحث فيه. دفع الي بقميص أبيض. صرت بداخله. الآن أصبحت واحدا منهم. لي حق التجول في أروقة المبني. أمسك بيدي. ولجنا احدي الغرف. كان هناك آمال في رؤيتها. رسمت لها صورة نابضة وقمت بعناقها: كيف أنت ؟ بخير اشتقنا اليك كثيرا. كيف حالكم جميعا. أمي.. أخوتي. علي ما يرام والحمد لله علمت أنك تزوجت نعم. جميلة؟ ليست أجمل منك. لكنها تشبهك كثيرا ولها ختم الحسن. استوصي بها خيرا. احتضنتها. لثمت وجهها. أخذتني نوبة بكاء شديد. وضع الاداري راحته علي كتفي. قال: أخبرني بالاسم كاملا. وتاريخ الدخول حتي يتسني لنا البحث عنها. فالدفاتر كما تري تلال من الأوراق والمجلدات الضخمة.. هل ستبحث في كل هذه؟ أشار بيده نحو جهاز ضخم وقال: