عاشت مصر ومعها دول كثيرة من أنحاء العالم أول أمس يوماً حزيناً بعد أن نعي إليها الناعي وفاة العالم الكبير الدكتور أحمد زويل الذي قدم للإنسانية خلاصة جهده العلمي ورفع اسم مصر عالياً في المحافل الدولية بإنجازاته التي نال بسببها جائزة نوبل العالمية. وعلي المستوي الشخصي اعتصرني الألم وشعرت انني فقدت شخصاً غالياً عزيزاً فارقنا علي غير موعد.. فقد كان ملء السمع والبصر ليس بالنسبة لي وحدي.. بل لكل مصري شعر أن الدكتور زويل جزء منه فإذا غاب عنه غابت معه الحياة. رغم الشهرة العالمية التي رفعته إلي أعلي عليين إلا أنه كان يتمتع بخلق العالم الجليل.. رأيناه رجلاً متواضعاً تواضع العلماء.. رجلاً معتزاً بمصريته وبالأصول العريقة التي ينتمي إليها.. حريصاً علي أن تستفيد بلده بالعلم الذي حصله فأنشأ جامعة زويل لتكون منارة للتكنولوجيا المتقدمة في مصر. كان إذا تحدث في مناسبة ما لا تشعر أنه ينتابه الغرور.. فاستمعنا إليه وهو يشرح نظرياته العلمية.. وإذا تناول موضوعات أخري رأيناه حريصاً علي رسم الخطوط التي تدفع بمصر لأن تحتل مكانتها اللائقة علي المستوي العالمي. لم يخجل الدكتور زويل وهو يتحدث في محفل علمي بالولايات المتحدة أن يقول إنه عندما حضر إلي أمريكا لم يكن يجيد اللغة الإنجليزية.. ولكن بالصبر والمصابرة والجدية اللازمة أصبح يجيدها كما يجيدها الرجل الأمريكي. . ومن هنا كرس جهده العلمي وقاد فريقاً من العلماء من زملائه بالجامعة الأمريكية "جامعة بنسلفانيا" للتوصل إلي ما يعرف ب "الفيمتوثانية" التي تساعد في التعرف علي كثير من الأمراض. و"الفيمتوثانية" كما ذكر الموقع الالكتروني لصحيفة اليوم السابع هو جزء من مليون مليار جزء من الثانية مبتكراً لنظام تصوير يعمل باستخدام الليزر وله القدرة علي رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض. نعاه الرئيس عبدالفتاح السيسي ببالغ الحزن وعظيم الأسي.. وقال إن مصر فقدت ابناً باراً وعالماً نابغاً بذل جهوداً دؤوبة لرفع اسمها عالياً في مختلف المحافل العلمية الدولية وتوَّجها بحصوله علي جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 تقديراً لأبحاثه في مجال علوم الليزر واكتشاف "الفيمتوثانية". و قال إن الفقيد كان حريصاً عل نقل ثمرة علمه وأبحاثه التي أثرت مجالي الكيمياء والفيزياء إلي أبناء مصر الذين يتخذونه قدوة علمية عظيمة وقيمة إنسانية راقية.. فحرصت مصر علي تكريمه بمنحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي ثم قلادة النيل العظمي التي تعد أرفع وسام مصري. أضاف أن الفقيد سيظل رمزاً للعالم الذي كرس حياته بشرف وأمانة وإخلاص للبحث العلمي وخير معلم للأجيال من علماء المستقبل الذين سيستكملون مسيرة عطائه من أجل توفير واقع أفضل للإنسانية. لم يكن شيئاً غريباً أن يكرمه العالم أجمع.. فقد حصل علي العديد من الأوسمة والجوائز العالمية التي بلغت حوالي 31 جائزة دولية من أبرزها جائزة "ماكس بلانك" في ألمانيا.. وجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم.. وجائزة الامتياز باسم ليوناردو دافنشي.. وجائزة كارس السويسرية من جامعة زيورخ في الكيمياء والطبيعة وجائزة بنجامين فرانكلين. أوصي أحمد زويل بأن يدفن في مصر.. وأن يهتم بمشروعه العلمي وجامعته التي تحمل اسمه في مصر. وتكريماً لقامة الرجل الذي دخل قلوب المصريين جميعاً فإن مؤسسة الرئاسة قررت إعداد جنازة عسكرية للعالم الكبير عند وصول جثمانه للقاهرة. وقد أهابت أسرة العالم الراحل بأن يتم توجيه قيمة أي نعي بالصحف كتبرع لمدينة زويل "مشروع مصر القومي للنهضة العلمية". ونحن من جانبنا نرجو أن يسارع أبناء مصر بالتبرع لهذا المشروع وفاءً للعالم الجليل وتخليداً لذكراه التي ستبقي في قلوبنا للأبد. رحم الله فقيدنا الغالي العزيز وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته وذويه وجميع تلاميذه ومحبيه في مصر والعالم الصبر والسلوان.