من الذين استقر نور الإيمان في قلوبهم منذ فجر الدعوة المحمدية الصحابي الجليل مصعب ابن عمير فقد كان من السابقين الذين هداهم الله إلي طريق الحق. فقد انطلق مصعب إلي دار الأرقم بن آبي الأرقم حيث كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يلتقي هناك بأصحابه سراً يعلمهم القرآن وقيم دعوة الحق. ووسط هذه المجموعة من المسلمين الأوائل انضم إليهم مصعب وأسلم علي يد رسول الله صلي الله عليه وسلم لكنه كتم هذا الأمر وجعله سراً خوفاً من أمه وقوة. وكان يتحين الأوقات التي يتجه فيها سراً إلي مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم وحرص علي هذا الأسلوب فترة لأن الله حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وفي كل يوم يمضي كان إيمانه يزداد قوة ونوراً سارت حياته هنيئة دون أن يكتشف أمره أحد. شاءت الأقدار أن يشاهد عثمان بن حلمة العبدري مصعب بن عمير يصلي فاشتعل الغضب في صدره واتجه إلي أهله خاصة أنه يعرفهم فأخبرهم بأمر مصعب وعلي الفور أخذوا مصعب وحبسوه وظل في محبسه إلي أن أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلي الحبشة فعندما بلغه الخبر كانت فرحته شديدة وحين تمكن من الخروج من محبسه انطلق مهاجراً إلي الحبشة سعيداً بهذه الرحلة وتلك سمة أهل الإيمان وبعد العودة إلي مكة من الحبشة ظل بها دون التفات إلي أي لون من ألوان الإيذاء والتعذيب. ولا ريب فمصعب كان في مقدمة السابقين ومن فضلاء الصحابة وهو الحافظ للقرآن الكريم يتقن آياته وقلبه مفعم بتلاوة هذا الكتاب الكريم لدرجة أن الصحابة كانوا يطلقون عليه لقب القارئ لإجادته لآيات القرآن وحرصه الشديد علي تلاوته. مضت الأيام وانتشرت الدعوة المحمدية وحين قدم مجموعة من أهل المدينة بحثاً عن الرسول صلي الله عليه وسلم وحين التقوا به هداهم الله للإسلام فقاموا بمبايعته علي السمع والطاعة والوقوف معه في كل المواقف وتم ذلك في بيعة العقبة الأولي وبعد أن انصرف أصحاب بيعة العقبة الأولي قرر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبعث مصعب بن عمير ليعلم هؤلاء بالمدينة القرآن وكذلك أمور الدين الحنيف ومبادئه التي تقطر محبة وسماحة وقد جاء اختيار مصعب بن عمير لما رآه رسول الله صلي الله عليه وسلم من اهتمام وحرص مصعب بكتاب الله بصورة تسترعي الاهتمام. وقد أصدر الرسول تعليماته لهذا الصحابي بالسفر إلي المدينة وأوصاه بالحكمة والصبر في لقاءاته بأهل هذه الديار. استقبل مصعب هذه الوصايا من رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم أعد العدة وسافر إلي المدينةالمنورة يحدوه الأمل في أن يحقق الله رجاء في أن يكون خير سفير لرسول الله في هذه المدينة التي أقبل أهلها علي الدخول في الإسلام. ومضي مصعب في طريقه حتي وصل إلي هناك وحين استقر به المقام هناك حيث قام باستضافته أهل بيعة العقبة الأولي وأكرم الجميع وفادته. وقد اتخذ من المسجد مقراً له كي يعلم الناس القرآن ودعوة الحق مدركاً أن هناك مواقف تتطلب التحلي بالصبر ومكارم الأخلاق خاصة أن هناك قبيلتين بالمدينة هما الأوس والخزرج ويدرك مدي الحساسية بينهما خاصة أن بعضهم كره أن يؤمه في الصلاة نفر من القبيلة الأخري. وغداً بإذن الله نلتقي مع مصعب ابن عمير مرة أخري.