هذا هو عنوان الكتاب الضخم الفخم. الذي وصلني الأسبوع الماضي من صحيفة "أرجيو مينتي آي فاكتي" الأسبوعية التي تصدر في العاصمة الروسية موسكو.. ومعناها بالعربية "الحجة والحقيقة".. ويضم الكتاب في 478 صفحة من القطع الكبير مذكرات 35 طفلاً وطفلة من الأطفال الذين عاشوا في مدينة "ليننجراد" السوفيتية. تحت حصار القوات الألمانية النازية من عام 1941 إلي 1945 إبان الحرب العالمية الثانية.. ومن بينهم أطفال أرسلوا قسراً إلي معسكرات الاعتقال في ألمانيا للعمل هناك. وقد قام بتجميع هذه المذكرات الكاتبة الروسية "آني فرانك" وترجمها إلي الإنجليزية أندرو بروفيلد. وروز فرانس. وأنتوني هيبيسلي.. ويتم نشر الكتاب حالياً للمرة الأولي.. بعد مرور 70 عاماً علي انتهاء الحرب العالمية الثانية. تجسيداً لويلات الحرب وانعكاسها علي نفوس الأطفال وبراءتهم. وتخليداً للمحنة التي عاشتها روسيا أثناء الحرب. وللنصر الذي تحقق بدحر قوات النازي وانكسارها. وعدم قدرتها علي دخول ليننجراد علي الرغم من الحصار الطويل. الذي حوَّل المدينة الجميلة إلي مدينة أشباح. والكتاب علي ما يقصه من فواجع إلا أن مذكرات الأطفال مكتوبة بمشاعر بريئة وصافية.. يحكون فيها عن أحوالهم وأحوال زملائهم وعائلاتهم.. وكيف يعيشون وسط الخراب والدمار وفي معسكرات الاعتقال.. وكيف يتعامل معهم الجنود الألمان بعجرفة وغلظة.. وقد استطاعت "آني فرانك" أن تحصل علي صور من هذه المذكرات مكتوبة بخط أيدي الأطفال. الذين أصبحوا شيوخاً الآن.. ووضع هذه الصور "زنكوغراف" في الكتاب ليؤكد مصداقيته.. كما تضمن الكتاب صوراً للأطفال ولعائلاتهم.. وللمدارس وشوارع ليننجراد قبل الحرب وأثناء الحصار.. وصورا للأطفال أثناء الحرب وهم يشبهون إلي حد كبير صور أطفال سوريا التي نراها اليوم.. وصوراً أخري لشعب ليننجراد تحت الحصار.. وصوراً للمرضي في المستشفيات. وللعربات التي تحمل جثث الموتي.. والهدف من ذلك كله ألا تذهب مأساة الحرب من الذاكرة. وقد كتب ميخائيل جورباتشوف. آخر رئيس للاتحاد السوفييتي قبل تفكيكه والحائز علي جائزة نوبل للسلام. مقدمة إضافية لهذا الكتاب "المجلد" يخاطب ضمير العالم ألا يسمح بمثل هذه الحروب مرة أخري.. حتي لا تخرج أجيال من الأطفال مشوهة بدنياً ونفسياً.. كما كتب دانييل جرانين مؤلف كتاب "الحصار" مقدمة أخري تفيض بالمشاعر الإنسانية الرافضة للحرب والعنف والكراهية بين الشعوب. يعرض الفصل الأول مذكرات الطفلة "تانيا سافيتشيثا" التي ماتت أثناء الحصار متأثرة بعدة أمراض.. وقد عثرت أختها "تينا" علي هذه المذكرات التي كتبتها في 9 صفحات من كراسة مدرسية. وذهبت بها إلي متحف مدينة "ليننجراد" بعد الحرب.. وقد صارت "تانيا" رمزاً لصمود ليننجراد وانتصارها.. وظهرت أغنيات فلكلورية تحكي قصتها. والأخطار التي واجهتها. تقول مذكرات "تانيا": كان بيتنا في الخط الثاني من الجبهة في ليننجراد.. عائلتي كانت كبيرة وميسورة.. كان أبي يمتلك مخبزاً ومتجراً.. لكننا في الحرب خسرنا كل شيء. خرجنا أنا وإخوتي من المدارس.. ولم يكن لدينا ما ننفقه علي التعليم بعد أن قتل أبي. وتشردت أسرتي.. شعرنا باليتم الفظيع.. ورأيت أمام عيني كيف ماتت أختي الكبري "زيتيا" وهي تتمني الحصول علي "كفن" حتي لا يدخل التراب في عينيها إذا دفنت بدون كفن.. ومن أكثر ما أحزنني وفاة جدتي التي طلبت ألا تُدفن في نفس يوم وفاتها. حتي نستفيد من حصتها المقررة في الخبز علي البطاقة العائلية.. أخذوني إلي خالتي "دوسيا" بعد أن تشردت الأسرة.. فحملتني إلي "بيت الطفولة".. ثم هجمت علينا قوات ألمانية وأخذوني منه إلي المعتقل.. وعندما انفصلت عن أخوتي اعتقدت أنهم ماتوا. فحزنت جداً ومرضت.. أصابني مرض الشلل الشوكي وعدة أمراض أخري.. وعندما عدنا إلي مدينة ليننجراد بعد تحريرها عثرت علي أختي "نينا".. ووجدتها تكتب مذكراتها هي الأخري.. فلم يبق لنا في البيت إلا بعض أوراق والشمع الخاص بزفاف والدي ووالدتي. هذا مجرد نموذج لما خطه قلم الطفلة "تانيا".. وبالطبع لن أستطيع عرض المذكرات كاملة.. لكنني أشير فقط إلي حرص من أصدروا هذا الكتاب "المجلد" علي إرساله إلي كاتب مصري لتخليد مأساتهم. لماذا لا نسجل مذكرات أطفال سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأطفال فلسطين. وأطفال سوريا الآن في مجلد. يوضع في كل مكتبة في كل مدينة وكل قرية علي ظهر الأرض. حتي لا ينسي العالم مأساة العرب.. بل مآسيهم؟!!