تستقبل شعوب الأرض الإسلامية شهر رمضان الكريم المبارك بالاستغفار والنية الصافية للصوم والعبادة وقراءة القرآن والاستماع إليه بل وحفظ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم والتصدق والاحسان كما أمرنا الله ورسوله وكما درج علي ذلك الأولون من المؤمنين الصالحين. في الماضي كانت مصر الرسمية تساهم في الاحتفال بالشهر الكريم بإقامة السرادقات واستضافة كبار المقرئين لتلاوة الذكر الحكيم وتزيين المساجد وإعادة افتتاح ما تم ترميمه منها وإضاءة الشوارع وتعليق الزينات فرحا بقدم هذا الشهر الفضيل ولكن! ولنتوقف عند لكن ونتساءل لماذا لكن؟ لأن الشهر الكريم في السنوات الأخيرة اصبح سهرا مرتبطا بالأعمال الفنية والمسلسلات والفوازير والمسابقات والمقالب السخيفة التي يستضاف فيها الفنانون ليمثلوا أنهم ضحية المقلب ويستلموا شيكا بالعملة الصعبة لغير المصريين وبالمبالغ المبالغ فيها للمصريين وتستمر السهرة حتي مطلع الفجر والسادة الذين كانوا صائمين بالنهار يلهثون في الليل وراء القنوات لمتابعة أكبر عدد ممكن من المسلسلات والبرامج المتنوعة وبرامج الحكي الفارغ الذي لا يقدم بل يؤخر يستيقظون في الصباح بصعوبة وبلا رغبة في العمل. فالجسم ثقيل والنوم لذيذ والسهرة كانت ممتعة مع حكاوي الفنانة اللولبية أو الراقصة التي تؤكد أنها لابد وأن تعمل العمرة في الشهر الكريم وتستعد لاحياء أول أيام العيد برقصة جديدة في الفندق الفلاني أو المسرح العلاني. وفي دواوين العمل بالمصالح والهيئات الحكومية يدور الحوار في الصباح بين الموظفين علي طريقة هل رأيت الفنان فلان وهو يحكي كيف اقلع عن المخدرات والفنانة الفلانية لماذا تزوجت 17 مرة والمطرب الاخنف ولماذا لم يجر جراحة لإزالة اللحمية. والراقصة العجوز ولماذا قررت ان تعتزل وتفتتح مدرسة للرقص لتخريج أجيال تعوض النقص الواضح في فنون هز الوسط والشخلعة والتنطيط. هكذا أصبح رمضان في مصر شهرا للمسلسلات التي وصلت ميزانيتها في العام الماضي إلي ملياري جنيه ولن تقل هذا العام عن نفس الرقم بل قد تزيد يتقاضي من هذا المبلغ ممثل واحد 40 مليون جنيه عدا ونقدا عن مسلسل من بطولته ولو جلس يعد هذا المبلغ جنيها جنيها لوافاه الأجل قبل أن يتم عده فضلا عن أن الأجل لن يمتد حتي ينفقها. أجور الممثلين وضيوف برامج المقالب والبرامج الحوارية وبرامج ذكريات الفنانين والفنانات وأسباب زواجهم وطلاقهم علي مدار الشهر تتجاوز 700 مليون جنيه واحسبوها انتم بأنفسكم بالقياس علي أجر الفنان الذي تجاوز ال 70 من عمره اطال الله في عمره. كذلك الممثل الذي اشتهر بأدوار البلطجة والمخدرات والمشاجرة بالسيوف والمطاوي يأتي في المرتبة الثانية بعد النجم العجوز بأجر 24 مليون جنيه وفي قول آخر 25 مليون جنيه بمسلسل لن يضيف للانتاج القومي زيادة في المحصول أو اكتشاف آبار بترول جديدة أو شق الترع وادخال المياه العذبة إلي القري النائية. أما المشايخ الفضائيين الباحثين عن الأضواء والشهرة علي طريقة الشيخ أو الداعية الذي أكل عقول الناس زمنا بأدائه التمثيلي وتظاهره بالتقوي والورع إلي حد البكاء والنهنهة سيتقاضي أربعة ملايين في برنامج يقدمه طول الشهر الكريم علي فضائية جديدة وهو الداعية الذي نشرت احدي الصحف الأسبوعية الأسبوع قبل الماضي انه شوهد في احد المصايف ومعه فاتنة اجنبية تعدو معه بشورت ساخن ولما ضيقوا عليه الخناق بمن تكون قال إنها زوجتي! ياسيدي ألف مبروك الزوجة الجديدة والبرنامج الجديد وملايين الشهر الفضيل ولكن ابتعدوا عن التمثيل علي البسطاء واتركوا الفتنة نائمة لا توقظوها وهنيئا لكم الشهر الكريم وفلوسه وخيامه وسهراته وبرامجه وملايينه وأرجو ألا تطلبوا من الناس الزهد وترشيد الانفاق فملايينكم هذه تدفعها شركات الاعلانات التي تمول المسلسلات والبرامج والمقالب التي تعلن عن سلع ¢الشيبسي والجيل¢ ومراهم إزالة الشعر غير مرغوب فيه عند النساء وبعض الرجال أحيانا.