جلست علي طاولتي المفضلة. أخرجت من حقيبتي عالمي الصغير اللاب توب. علبة السجائر. مفاتيحي. قداحتي. قطع البون بون التي أعشق استحلابها. أوراق الرواية التي كنت أعيشها علي مهل أزاحت بيدها أغراضي المبعثرة وضعت فنجان القهوة طلبي المعتاد. لعبت سباق السيارات في هاتفي. لم أتطرق إلي عالم التواصل الاجتماعي حتي الآن وذلك يثير دهشة من يعرفونني وقد أخبروني من قبل أن هناك من ينتحلون شخصيتي. الحمقي لا يقدرون ذواتهم. لا استحق أن أكون داخل أي شخص. أو بديلا له. نادمه علي إنجاب طفلي الذي لا يستطيع مني الفكاك يحمل أسمي إرث لا ينتهي وملامحه تشبهني. ذهبت إلي الحمام. كنت أتحاشي نظرات العاملين في المقهي. لا أدري لماذا؟ هل هو الخجل الذي يدفعني لذلك؟ هل هو ذات السبب الذي جعلني كاتباً؟ عندما عدت جعلت هاتفي علي الوضع الصامت وهذا ما أفضله دوما الضوضاء تربكني والإزدحام يخنقني. رتبت أوراقي لا أكتب في أجندة متكاملة بل أوراق فردية أرقمها ثم أقوم بتكعيبها وتغليفها. عادة منذ كنت طفلا معدما ولا أمتلك أجندة مطلقا كنت أمزق أوراق كرساتي في نهاية العام الدراسي وأدبسها في المكتبة التي تجاور مدرستي ثم أكتب قصصي القصيرة لم أفارق عادتي كل الأوراق موجود عدا ورقة رقم 25 أين ذهبت وأنا لم أخرجهم في المنزل؟ قمت بنفض أوراقي حتي الرزمة الجديدة فتحتها لمحت بين فوضي طاولتي وورقة مزينة علي حافتها جهة اليسار بورد أحمر وقلوب مكتوب فيها بخط أنثوي مرتعش: "لكم تمنيت مشاركتك لحظات شروق الكلمة في ظلمة الأوراق أحب قراءة إيداعك وأحبك. بجوارك دائماً وأبداً. المسحورة بحروقك من هي ياربي؟ أنستني كلماتها مقطع روايتي الذي نويت كتابته أنستني ورقتي المفقودة مررت بنظري علي الجالسين في المقهي وكانوا عدداً قليلاً. عاشقان في عمر الشباب. يمسك يدها بوجل. تبتسم وتنظر اليه بخجل. سيدة مسنة في الركن الايمن شاردة مع حركة القارب في النيل. واضعة يدها علي عنقها تداعب حبات العقد فضي اللون. ليست صاحبة الرسالة بالتأكيد. رجل اربعيني السن يتناول طعامه بضجر وهاتفه لا يتوقف عن الرنين. كيف لم انتبه لهذه المرأة في الثلاثين من عمرها. تلهو بهاتفها ثم تنظر نحوي. ابتسمت.. ابتسمت إلي. حقيبتها علي المقعد المجاور. وحيدة مثلي جدران منزلها ترغب في الضغط عليها. جدرانها متوحشة مثل التي أعيش خلفها. هل تجلس هنا دائما؟ لأجلي. فوق طاولتها كوب من العصير ومجلة أزياء. هل تقرأ ما كتبه عن علم النفس والمرضي؟ اهتمامها بجمالها مبالغ فيه مثل هذه الشخصيات لاتحب المعرفة ولايشغفها سوي الصخب الظاهري. لكن لا انثي اخري في المكان تناسب الرسالة. اقترب رجل في الخمسين. انحني امامها وقبل يدها. ضحكت بصوت عال جعلني أنفر منها. لايمكن لصاحبة هذه الضحكة ان تكتب رسالة رقيقة. جلسا واستغرقا في حديث تافه يمزقه ضحكات عالية. هل كان يوجد فتيات عند دخولي وغادرن اثناء غيابي في الحمام؟ كيف سأعرف وأنا لا ارفع عيني من الأرض. كانت تمر أمامي الفتاة العاملة بصينية فوقها أكواب فارغة. اشرت اليها. أومأت لي وعادت بعض قليل. سألتها عن وجود فتيات أثناء غيابي. أدخلت دفترها الصغير في جيبها وظل قلمها بين السبابة والوسطي. بدا التعجب علي ملامحها. اعتذرت وحاولت التوضيح. قالت إنها لا تعلم والطاقم عدد كبير ولا يمكنها ملاحظة الجميع ثم ابتسمت واستأذنت في الانصراف بعد سؤالها إن كنت أريد شيئاً. مضت بشعرها اللامع الذي لم ألحظه من قبل. جسدها الرشيق في البادي الرمادي والبنطلون الجينز. انضمت إلي زملائها. جمعت أوراقي وأنا أستعيد لمعان عينيها عند حديثي إليها. الخط المرتعش كان يشبه خطواتها العجلي. هل كانت هي؟