قضيت في مهنة الصحافة نحو 55 سنة حتي الآن.. وأحترم كل جهد صحفي يكون مصدر اشعاع للرأي العام.. ينير الطريق ويفتح باب الأمل لمستقبل مشرق.. وأحترم كل صحيفة تفتح صفحاتها للرأي والرأي الآخر.. وتتنوع موضوعاتها لتشمل كل الفنون الصحفية. هناك صحف تركز اهتمامها علي الاشادة دائما بالسلطة الحاكمة.. ولا تري في سياساتها عيبا يمكن انتقاده.. وهذه دائما تفقد مصداقيتها وينصرف عنها القراء.. وهناك صحف أخري في المقابل تمثل المعارضة.. وأحيانا المعارضة الصادمة.. فلا تري في السلطة الحاكمة إلا ما يشينها من كل الوجوه.. هي تضع عينيها دائما علي كل السلبيات ولا تري ايجابيات.. وهذه أيضا تفقد مصداقيتها ولا يعطيها القارئ أي اهتمام. صحيفة "الشروق" لصاحبها الاستاذ إبراهيم المعلم.. اختارت لنفسها أن تكون صحيفة معارضة.. ولا شك أن وراء ذلك هدفا محددا لا يعلمه سوي صاحب الصحيفة.. فهي لا تتحدث باسم حزب معارض.. ولم نكن نعرف عن الاستاذ إبراهيم المعلم سوي أنه صاحب دار نشر وكان رئيسا لاتحاد الناشرين العرب.. فما هو السبب الذي جعله يأخذ مع صحيفة "الشروق" جانب المعارضة؟! الإجابة لا يعلمها إلي المعلم؟ نفسه؟! لا بأس علي الاطلاق أن توجد في مجتمع تتعدد فيه الرؤي وتتنوع فيه السياسات أن تكون هناك صحيفة معارضة.. بل تكون هناك أكثر من صحيفة تسير علي هذا المنوال.. فهذه من ركائز النظام الديمقراطي الذي ينشده المواطنون لبلدهم إذا أرادوا لها التقدم والسير بخطي حثيثة إلي الأمام. وفي سبيل ذلك فتحت صحيفة "الشروق" صفحاتها لكل أصحاب الرأي المعارضين واعطتهم الحرية كاملة ليكتبوا ما يعن لهم حول سياسات الدولة.. فإذا أردت أن تعرف مكنون ضمير كل كاتب من كتابها وهم الأغلبية الساحقة فيها فاقرأ مقالا له يغنيك عن قراءة أية مقالات يكتبها بعد ذلك.. ومن هنا يأتي انصراف القراء عن متابعة مقالات هذا الكاتب. مرة أخري.. أقول إن هذا التوجه لا بأس به حتي وان كان بعضهم يضمن مقالاته سما ناقعا لا يحتاج إلي ذكاء لإدراك معناه وهدفه!! لا استطيع أن أحدد اسماء بعينها.. لكن لأنني أعرف المحصلة النهائية للهدف من المقال مسبقا تجدني لا اسعي لقراءته. لكن يبقي العمل الصحفي للجريدة - إذا طرحنا أصحاب الرأي جانبا - هو الذي يجب أن يعتمد علي صدق المعلومة.. فإذا نشرت الصحيفة تقريرا يجب أن يكون شاملا وموضوعيا.. وإذا نشرت تحقيقا يجب أن يكون علي أرض الواقع بايجابياته وسلبياته.. وإذا نشرت خبرا لابد أن تتأكد من مصداقية مصدره ولا يكون مجرد تهويم لتضليل الرأي العام وإشاعة البلبلة فيه. صحيفة "الشروق" نشرت خبرا عن مصدر مجهل حول اجتماع للرئيس السيسي مع مسئول الأمن بشأن المظاهرات.. وقد نفت الرئاسة هذا الخبر جملة وتفصيلا وأصدرت البيان التالي: "أبدت رئاسة الجمهورية استياءها البالغ إزاء ما تم نشره علي الموقع الالكتروني لصحيفة الشروق مساء الأربعاء الماضي. والذي تضمن معلومات مضللة منسوبة لمصادر مجهولة حول عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي سلسلة لقاءات مع معاونيه وخاصة مسئولي الملف الأمني. وأكدت الرئاسة في بيان لها أن هذا الأمر عار تماما عن الصحة شكلا وموضوعا.. وكان يتعين علي الصحيفة التأكد من صحة ذلك الخبر قبل النشر مراعاة لقواعد وأخلاقيات مهنة الصحافة وما يتعلق بها من رسالة سامية لزيادة الوعي ونشر المعلومات الصحيحة. وأهابت رئاسة الجمهورية بجميع وسائل الاعلام تحري الدقة والاستناد إلي مصادر رسمية والتأكد من صحة الأخبار المتعلقة بمؤسسة الرئاسة قبل نشرها. هكذا اضطرت الرئاسة إلي نشر تكذيب للخبر الذي نشرته "الشروق" والذي من شأنه أن يثير البلبلة لدي الرأي العام ويظهر الرئيس الذي يتسع صدره للجميع بأخبار مضللة يتبناها مرضي النفوس بأنه يضيق ذرعا ببعض التصرفات. لا أنسي أن اشيد بمواقف رئيس تحرير "الشروق" عماد الدين حسين المعتدلة.. ولا أدري كيف فات هذا الخبر عليه لينشره وهو غير متأكد من صدقه.. اللهم إلا إذا كانت هناك جهات عليا في الصحيفة أجبرته علي نشر الخبر الكاذب.