بنو إسرائيل ألاعيبهم كثيرة ومتنوعة. فرغم أن الله أنعم عليهم بفضائل متعددة وتجاوز عن بعض حيلهم. فهاهم قد تمردوا وارتكبوا الكثير من الخطايا منها الكفر بآيات الله. وقتل الأنبياء بغير حق. ويتذرعون بالحجج الواهية للهروب من المسئولية. وحين أمرهم الله بعدم الصيد في يوم السبت ابتلاء واختبارا لكي يتبين الذين ثبت اليقين في قلوبهم والذين أقبلوا علي المخالفة فكان جزاء هؤلاء المخالفين إبعادهم عن رحمة الله مطرودين كالكلاب والقردة. ينفر الناس منهم ويشمئزون من مخالطتهم. هذا التحذير وذلك التنكيل بالمردة من بني إسرائيل كان عظة لكل الناس.. من عاش مع هؤلاء. وكذلك من يأتي بعدهم ليكون بمثابة تحذير عام يجب الالتفات إليه والابتعاد عما اشتمل عليه من واجبات يجدر بالمؤمنين في كل العصور الالتزام بها والاعتبار بما جري لبني إسرائيل في عهد سيدنا موسي عليه السلام من عصيان ومخالفة لأمر الله تعالي. وقد ذكر الله المؤمنين حين قال لهم موسي. وقد قتل منهم من قتل ولم يعرف قاتله: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" وذلك ليكون المفتاح الذي يرشد إلي معرفة القاتل. ولكنهم استغربوا أن يكون هناك صلة بين ارتكاب جريمة قتل القتيل وذبح البقرة. وقالوا لسيدنا موسي: أتسخر منا وتستهزئ بنا. فرد عليهم قائلاً: أبداً.. مشيراً إلي أنه يعتصم بأدب الله له. وحاشا أن يكون من هؤلاء الجاهلين. وفي طريق هذا التلاعب أخذوا يتقولون الأقاويل التي تؤكد تحايلهم ومكرهم فقالوا: يا موسي الجأ إلي الله واطلب منه أن يبين لنا ما هي هذه البقرة. فقال لهم إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر. أي انها ليست كبيرة وليست صغيرة. وهي وسط بين الكبر والصغر. ورجاهم أن يتقبلوا ما أمرهم الله به. رغم هذا التوضيح عادوا فسألوا موسي قائلين كما قالوا ادع ربك أن يبين لنا ما لون هذه البقرة. وقد قطع الطريق عليهم فأخبرهم عن طريق موسي نبي الله بأن البقرة لونها أصفر. لكنهم لم يقتنعوا وعادوا ليسألوا عن كنه هذه البقرة لأن البقر -حسب زعمهم- قد تشابه عليهم. مكر وخداع ومماطلة. فقال لهم: إنها بقرة لم تذلل للعمل في حرث الأرض وتقليبها للزراعة. كما أنها بريئة من كل العيوب. وهنا قالوا: الآن نذبح البقرة. وعندما تتأمل مضمون هذه الآيات يتضح لنا مدي تغلغل المراوغة والمماطلة في قلوب هؤلاء اليهود. وتؤكد أن سيدنا موسي صبر عليهم امتثالاً لأمر الله لكي تتكشف ما انطوت عليه نفوس هؤلاء وليتأكد ذوو العقول من بعدهم أن الابتعاد عن هذا الأسلوب هو من أهم صفات المؤمنين. وقد أوضحت الآيات بعد ذلك أن الله قال لهم: اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة التي ذبحتموها. ففعلوا. فأحيا القتيل الذي ارتكبوا جريمة قتله. فاعترف باسم القاتل ثم سقط ميتا. معجزة لسيدنا موسي ليؤكد لهم أن الله قادر علي كشف كل مخالفاتهم سواء القتل وغيره من الجرائم. تلك هي هداية الله للبشر ونور من الحق تبارك وتعالي ليمضي المؤمنون في حياتهم وقد استضاءوا بهذا النور المبين.