علي مقربة من معبد دندرة الفرعوني يجلس عم نصر سليمان صانع الجريد منهمكا في حرفته التي يزاولها منذ أكثر من 50 عاما ولا يعرف تحديدا متي امتهنها ولا منذ متي بدأ اجداده العمل بها فقط وجد آباؤه يعملون بها ربما منذ مئات أو آلاف السنين فهي حرفة كانت معروفة في العصور الفرعونية ووجدت نقوش لها في المعابد وكانت حتي سنوات قليلة تسمي السريرية نسبة إلي السرير وكانت هي الوسيلة الأهم لصناعة الكثير مما يحتاجه الإنسان سواء لراحته مثل الاثاث المنزلي أو لعمله مثل اقفاص الخضراوات والفاكهة والطيور أو لحمايته مثل العصي المدببة أو في البناء حيث يستخدم في بناء اسقف المنازل بعد ربطها مع جذوع النخيل أو حتي لحفظ الأغذية مثل "الشناطه" أو "العلاقة" بضم العين التي انقرضت بعد ظهور الثلاجات. ويتذكر عم نصر سليمان أيام العز والرخاء وطوابير الزبائن ينتظرون الحصول علي منتجاتهم التي لم يكن يخلو منها منزل سواء الاسرة بأنواعها الفخمة والمتوسطة أو الكراسي والكنب واقفاص الطماطم والخضراوات بأنواعها واقفاص الطيور وابواب احواش المواشي. وبنبرة حزينة يقول عم نصر سليمان وهو يشير بأصابعه كل هذا الشارع الطويل كان مكانا لتجمع ورش صناعة منتجات جريد النخل عشرات من المحلات تجاوز خمسين ورشة اختفت وتحولت إلي أنشطة أخري ولم يتبقي منها سوي ورشة وحيدة تضم 3 حرفيين فقط بعد ان ساءت الأحوال وانخفض الطلب علي منتجاتنا كما ان الاجيال الجديدة من الشباب ترفض العمل بهذه الحرفة لانخفاض ارباحها مقارنة بأي عمل آخر ولو حتي عامل اجري والاكثر ايلاما اننا نظل متعطلين عن العمل طوال فترة طرح ثمار البلح وحتي الانتهاء من الجني لاننا لا نستطيع قطع الجريد طوال هذه الفترة ولا يمكن تخزينه لأنه يجف خلال فترة قصيرة ويصبح غير صالح للصناعة. قال مازلت اعمل مع اثنين آخرين لاننا نحب المهنة ولا نعرف العمل في غيرها رغم قلة ارباحها والمشقة في العمل الذي يستمر طوال ساعات النهار دون انقطاع خاصة ان الحرفة تحتاج لمهارة كبيرة والجلوس منحني الظهر لفترة طويلة. ويضيف عبدالله عزت احد الحرفيين في الورشة ان أدوات الصناعة تقتصر علي السلاح والقرمة التي نستند عليها عند تقطيع الجريد الذي يجب تركه لمدة تتراوح ما بين ثلاثة إلي سبعة ايام حسب درجة الحرارة وبعدها نقوم بتقطيعه حسب نوع المنتجات سواء كانت سراير أو كراسي أو ترابيزات بالاضافة إلي اقفاص الفاكهة والخضراوات والدواجن ولكن الذي اثر كثيرا علي انتاجنا هو ظهور بدائل من الخشب أو البلاستيك لكل ما نصنعه وغالبا يكون سعرها ارخص من منتجاتنا وطالب بتدخل المحافظة للعمل علي تسويق منتجاتهم خاصة في المحافظات السياحية التي تطلب كثيرا من هذه المنتجات ولكننا لا نعرف كيف نصل إليها. قال حمام عز احد الحرفيين في الورشة قمنا منذ سنوات طويلة بجمع توقيعات العشرات من اصحاب المهن المختلفة وطالبنا بتخصيص قطعة ارض في المنطقة الصحراوية المتاخمة للقرية لنتجمع فيها ونحصل علي قروض تعاونية بيننا ويحدث تكامل بين الحرف المختلفة وتصبح منطقة للصناعات الحرفية تجذب الزبائن بمختلف ميولهم مما يشجع علي زيادة تسويق جميع المنتجات ولكنه حتي الآن لم يتم اتخاذ أي قرار خاصة واننا بسطاء ولا نعرف دهاليز الحكومة وكيفية انهاء مثل هذه الاجراءات. قال محمد عزت رئيس قرية بالمعاش: إن هذه الحرفة يمكنها ان توفر آلاف فرص العمل لو تم استغلالها سياحيا خاصة في محافظاتقنا والاقصر واسوان والبحر الأحمر حيث يقبل السياح علي مثل هذه المنتجات وبعضهم يطلبها ولا يجدها كما ان هذه المنتجات تشكل لوحات فنية رائعة علي الشواطئ والمنتجعات السياحية وفي الفنادق الكبيرة. طالب نصر الناظر عضو مجلس محلي سابقا بقيام الصندوق الاجتماعي للتنمية بتبني هذه الحرفة وتوفير التمويل اللازم لتطويرها والأهم هو اقامة معارض لهذه المنتجات في الداخل والخارج.. يقول انها مطلوبة بشدة في الدول العربية.