في أزمة توفيق عكاشة التي شغلتنا أكثر من أسبوع كما في كل الأزمات في السنوات الخمس الأخيرة كان لبرامج التوك شو حضورا طاغيا إن لم يكن محركاً للأحداث للأسف الشديد.. والأسف ليس سببه الاستهانة بدور الإعلام فهذا الدور له كل التقدير مادام يتم بمهنية وبإعلاء لمصلحة البلاد.. لكن سببه أن هذه البرامج تحولت إلي جزر منعزلة يحكمها زعماء وليسوا مذيعين أو مقدمي برامج وتحرك معظمهم الأهواء والمصالح الشخصية والصراعات المعلنة والخفية!! أزمة توفيق عكاشة التي انتهت بإسقاط عضويته في البرلمان كانت كاشفة بشدة لأزمة الإعلام المصري في السنوات الأخيرة خاصة الفضائيات الخاصة التي يمولها رجال الأعمال.. فكل برنامج تناول الأزمة من منطلق علاقة من يقدم البرنامج بتوفيق عكاشة ومدي الصراعات السابقة بينهما والاتهامات المتبادلة.. كذلك علاقة أصحاب القناة بعكاشة وما ينالهم منه من اتهامات فكانت برامج لتصفية الحسابات ولا علاقة لها بأبجديات العمل الإعلامي وكان رفض التطبيع مع إسرائيل مجرد غطاء!!.. كانت مباراة في الإسفاف والشتائم والتهديد والوعيد من مقدمي هذه البرامج لتوفيق عكاشة في نفس الوقت الذي كان توفيق عكاشة يسخر فضائيته الملاكي كمنصة لإطلاق الاتهامات هنا وهناك في مشهد مؤسف من كل الأطراف. هذا المشهد المؤسف تغيب عنه تماماً أي ضوابط أو مواثيق أو قوانين تحكم العمل الإعلامي كما تغيب هيئات ومجالس نص عليها الدستور لإدارة هذا المجال الخطير.. وذلك لأن قانون الإعلام والصحافة مازال تائهاً في الدهاليز ولا يعرف طريقه حتي الآن للبرلمان.. كما أن البرلمان مشغول بلائحته الداخلية وبقضايا فرعية أخذته بعيداً عن القضايا والمهام الحقيقية وقدمته بصورة أقرب للسلبية والهزلية!! أزمة توفيق عكاشة ومشهد الإعلام الموسف يستدعي فتح ملف هذه الفضائيات الخاصة ومصادر تمويلها ومرتبات مذيعيها الفلكية والمستفزة.. والتي جعلتهم يشعرون أنهم أقوي من مؤسسات الدولة كلها وجعلت بعض المسئولين يرتجفون منهم وهم يحاكمونهم علي الهواء وفي المداخلات الهاتفية التي يلعب فيها المذيع دوراً يتخطي كثيراً الدور المتعارف عليه للإعلامي.. لكن السؤال من يستطيع أن يقوم بهذا الدور ووفق أي قانون؟ انتهت أزمة توفيق عكاشة بإسقاط عضويته للبرلمان وإغلاق فضائيته وأعتقد أن توفيق عكاشة نفسه كتب نهايته بيده إلي غير رجعة لكن تبقي أزمة الإعلام المصري مستحكمة ولابد معها من وقفة بالقانون والضوابط.. وقفة تنهي عهد أباطرة برامج التوك شو الذين تحرك معظمهم رغبة مرضية في الزعامة وهي زعامة وهمية تستمد قوتها من بعض الضعف والوهن في جسد الدولة المصرية.. وهو ضعف ووهن أحد أسبابه ترك الحبل علي الغارب لبعض المدعين ليتصدروا المشهد الإعلامي ويوجهوا الأحداث يميناً ويساراً علي هواهم ووفقاً لمصالح من يدفعون لهم.. ولتذهب المهنية إلي الجحيم مادامت القوانين نائمة في الأدراج!! التوك توك علي الكورنيش!! كانت سعادتنا بالغة بعودة هيبة الدولة إلي شوارع وسط البلد واختفاء الباعة الجائلين لكن للأسف فإن التوك توك يضع هيبة الدولة علي المحك من جديد.. فهذا الكائن الغريب الذي فرض نفسه علي حياتنا وأحالها إلي فوضي غير مسبوقة لم يكتف بكل الشوارع الداخلية بل تجرأ علي الكورنيش خاصة كورنيش المعادي مما يشكل خطراً حقيقياً علي السيارات التي تعبر الكورنيش.. أين رجال المرور وأين الغرامات التي تم فرضها لتحجيم التوك توك بعيداً عن الكورنيش والطرق السريعة؟