إذا كانت الخريطة السكانية في بلادنا تضع محافظة المنوفية في مقدمة المحافظات المصرية من حيث الكثافة السكانية. فإنها تحصل علي المكانة نفسها في مجال الابداع. أعداد يخطئها الحصر أثمرتها مدن وقري المنوفية. فأضافت تكوينات أصيلة وجميلة إلي المشهد الثقافي المصري. * ما هي الصورة الحالية للواقع الابداعي في المنوفية؟ ما الطموحات التي يتطلع إليها مبدعو المحافظة؟ وما العقبات التي تعترضهم في مجالات النشر والتقديم؟ كما يقول الشاعر والناقد محمد عبدالحميد دغيدي فان عملية الابداع تتعلق دوماً بثلاثة عناصر رئيسة هي: المبدع والمتلقي والمناخ. لذلك فإنه يجب البحث عن تلك العناصر. والتعرف إلي ما أصابها. لنصل بالتالي إلي تشخيص مؤكد للمعاناة التي تعيشها الحياة الثقافية. فالمبدع لم يعد متفرغاً لابداعه كما كان من قبل. أصبح مشغولاً- بشكل كبير- بلقمة عيشة. بقوت نفسه وعياله. هذا إن كان يعمل من الاساس. أما إذا كان بدون عمل يقتات منه. فتلك مصيبة أكبر. أعرف شعراء وكتاب قصة وروائيين بالمنوفية توقفوا تماماً عن الابداع لعدم تمكنهم من الحصول علي عمل. كذلك فإن المبدع والمبتدئ بخاصة. يعاني حالة من البلبلة والحيرة. بل والتوهان لعدم استيعابه الاشكال والقوالب المتعددة للتعبير الادبي في مجالاته المتعددة. والتي صارت تتغير بشكل مذهل من حين لآخر. ومن شخص لاخر. ومن مزاج لمزاج آخر مختلف. بصرف النظر عن صحتها وخطئها. أما المتلقي فلم يعد قادراً الان علي توفير الوقت اللازم لتلقي الادب وتذوقه. فهو مهموم- أغلب وقته- بمشكلات حياته. وضرورياته الاساسية. كما انه يعاني حصار الادوات الحديثة المتطورة من حوله. والتي جعلته يحتاج إلي الكثير من الجهد ومحاولة الاستيعاب أما المتلقي الذي يتردد علي الندوات والامسيات فإنه إذا وجد سرعان ما ينصرف عنها. نتيجة اصطدامه بنماذج رديئة لاتنتسب إلي الابداع وأما المناخ فهو لا يشجع علي استمرار أو تجديد عملية التلقي الادبي. لان القائمين علي رءوس المؤسسات الرسمية. وبالذات الاعلامية والثقافية. لا يدركون قيمة الاديب أو المبدع الحقيقي. ولا يكلفون انفسهم بالتالي عناء البحث عنه. مكتفين بمجموعة المتسلقين والمنتفعين الذين يحصلون علي مكاسب عديدة لايستحقونها. تصنيف الادباء ويؤكد القاص حسين منصور علي ثراء المنوفية بالمواهب لأن الوسط الثقافي بالمحافظة تضرر كثيراً بهجرة الادباء إلي العاصمة أو إلي خارج مصر. أو العمل علي المشروع الخاص وانعزال المستنيرين أدي إلي سيطرة النزعة السلفية علي الواقع الثقافي. وانتقلت حالة الصراع إلي تصنيف الادباء إلي أحمر وأخضر وأسود. وإذا تحدثنا عن أندية الادب في المنوفية. فسنجد أن أندية مثل منوف وأشمون تتسم بالنشاط والفاعلية لكنها- حتي الان- لاتقدم للساحة إبداعاً جديداً لانها تعتمد علي الادباء والشعراء الراسخين والمتحققين بالفعل. وهم قليلو العدد. وإن كانت هناك أندية غير مشهرة. تقوم بنشاط أدبي ملحوظ علي الساحة الادبية بالمحافظة. مثل نادي الادب بقرية الشهداء. رغم ذلك- والكلام لحسين منصور- فأنا لا أنكر فشلي خلال دورتين كرئيس لنادي الادب بمنوف. في إصدار مطبوعة تمثل أدباء النادي. بسبب عدم وعي الكثيرين بأهمية المطبوعة. أو ربما بسبب حالة الاحباط امسيطرة علي الجميع. ومطبوعة فرع ثقافة المنوفية "هديل" تحاول جاهدة ان تؤثر في المناخ الثقافي بالمنوفية. لكنها لاتنجح بالشكل المطلوب ونصيب فرع ثقافة المنوفية من النشر الاقليمي أربعة كتب سنوياً. وعلي مدي سنوات امتلأت مخازن الفرع بأعداد كبيرة منها. فلا هي معروضة للجمهور. ولا هي تهدي لمكتبات الفروع. مما يعد تهميشاً للمبدع داخل محافظته. رغم النداءات المتكرر من الادباء- وأنا منهم- بذلك وننتظر تنفيذ توجيهات رئيس الهيئة الجديد في هذا الشأن. لا ننسي انه وسط هذا الجو هناك أدباء لهم مشروعهم الخاص. ومنهم: شريف رزق. محمد دغيدي. محمد المخزنجي. عماد أبوزايد. أحمد مرسال. أحمد الصعيدي. صبري عبدالرحمن. سامح القدوسي. وبالنسبة للمسرح. نجد أن مجموعة فنانية هي الاشد تماسكاً بسبب طبيعة فن المسرح الذي يعتمد علي الجماعية. وكذلك بسبب وجود عناصر فنية مثل أحمد عباس وعادل تمواجه ممن يلتقي حولهم الشباب. نقطة الضوء ويعبر الشاعر صبري عبدالرحمن عن وجهة نظر أخري. بالقول: حين يشتد الظلام وتتدهور الاحلام الاجتماعية. ويسود التطرف أفق العقل والمنطق. فإننا نبحث دائماً عن طوق النجاة في الثقافة والتعليم. ونكتشف- بعد فوات الاوان- اننا قد أهملنا نقطة الضوء في حياتنا التي ورثناها عن الاجداد. متمثلة في الادب والفنون والموروث الشعبي. ونكتشف كذلك مدي ولعنا بالشكل دون الجوهر. بالمناسبات الاحتفالية الرسمية التي تنتهي بنهاية الغرض منها. ولو دققنا النظر في مخزون الابداعات علي امتداد رقعة القطر المصري. شرقه وغربه وشماله وجنوبه صعيده ودلتاه. لأدركنا- علي الفور- اننا نمتلك ثروة بشرية ابداعية هائلة. تمكن هذا الوطن من استعادة دوره التنويري. وقواه الناعمة. وعدالته الغائبة. ولعل السؤال الجوهري هو: ماذا يقدم الاعلام والفن والنقد للحياة المصرية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حتي الان؟ يبرز في هذه الحقبة من تاريخ مصر تزاوج السلطة بالاعلام بالنخبة المتحكمة اقتصادياً وسياسياً وثقافية. فينداح أثر ذلك علي الشأن العام والخاص. ويبرز التطرف والجهل والجريمة ويفسد الذوق العام. وحينئذ نبحث عن الثقافة واستعادة الوعي. والشأن الادبي منغمس في هذه الاشكالية. وتكاد المواهب والاصوات الابداعية الحقيقية في ربوع الوطن تموت إهمالاً وظلماً. الواقع الثقافي في المنوفية لايختلف عن باقي محافظات كصر. برغم انها تزخر بالكثير من المبدعين في مجالات الشعر والسرد والنقد. وحركة النقد داخل الجامعة المتمثلة في كليات الاداب والتربية والعلوم واللغة العربية لاعلاقة لها بالمبدعين أو أعمالهم. أو سياق الحركة الابداعية مداً وجزراً. والمحافظون المتتابعون لا علاقة لهم بالثقافة الا في المهرجانات والاحتفالات الشكلية وهيئات وزارة الثقافة متخمة بالمشكلات والهموم. والمبعدون في المنوفية ينتظر ابداعهم نشراً ونقداً وإعلاماً ومنصفاً ومنابر حية وضمائر محبة. وغداً يحمل لهم قليلاً من الانصاف والمصالحة.