عاني الشعب المصري كثيراً من التقلبات السياسية منذ انتشار طبقة المماليك.. وزيادة نفوذهم والجلوس علي كرسي المملكة المصرية. وكالعادة كلما أمضي الملك أو الحاكم مدة طويلة حتي تكون النهاية سيئة.. وهذا ما حدث مع السلطان الناصر محمد بن قلاوون ففي سنة 693 هجرية قتل المماليك السلطان الأشرف خليل كعادتهم في قتل الملوك. ووقع اختيار المتآمرين الذين قتلوا السلطان علي كبير المتآمرين نائب السلطنة الأمير بيدرا ليكون سلطاناً ولقبوه بالأوحد ولكن اعترض أمراء الأشرف وثارت مشكلة انتهت بقتل بيدرا نفسه.. واستقر الرأي علي اختيار الابن الأصغر للسلطان قلاوون وهو الأمير محمد وكان عمره تسع سنوات وتعيين الأمير زين الدين كتبغا ليكون نائباً للسلطان بالديار المصرية والأمير علم الدين الشجاعي مديراً للمملكة.. ولكن سرعان ما دَبَّ النزاع وقامت المعارك الحربية بينهما وانتهي الأمر بمقتل الشجاعي وانفراد كتبغا بالسلطة.. وأيضاً بخلع محمد بن قلاوون ونقله من قصر الحكم هو وأمه إلي إحدي قاعات القلعة. وبدأ الفساد ينتشر بقوة مع مقدم "كتبغا" حيث واجه قدوم عشرة آلاف مغولي معلنين رغبتهم في اعتناق الإسلام رحب بهم ولكن بعضهم ظلوا علي وثنيتهم فكانوا يتجاهرون بالإفطار في رمضان مما أثار شعور الشعب المصري.. وواجه كتبغا أيضاً قصور النيل عن الفيضان فقحطت الأرض وانتشرت المجاعة وارتفعت الأسعار فأصبح ثمن أردب القمح 160 درهماً بدلاً من 25 درهماً.. وزادت جميع أسعار المواد الغذائية وحاول السلطان كتبغا حل المواقف المتأزمة استورد القمح من الشام ولكن ذلك لم يخقق من ثورة الشعب عليه.. وانتهي حكمه الذي دام عامين. ومرة أخري عجز الأمراء عن الإتفاق علي من يتولي المُلك منهم ورأوا أن أفضل حل هو إعادة السلطان السابق محمد بن قلاوون الذي تم تسميته باسم الناصر محمد بن قلاوون. كما تم تعيين سيف الدين نائباً للسلطنة وبيبرس الجاشنكير مسئولاً للأطعمة والمشروبات في القصر.. وأصبح الأميران هما أصحاب السلطان والنفوذ ودب الصراع بينهما.. علي الانفراد بالسلطة. وأمضي السلطان الناصر محمد بن قلاوون في الحكم نحو 14 عاماً حيث تم خلعه وعمره 23 عاماً.. وكان الأمراء قد اتفقوا علي خلعه للمرة الثانية عندما قرر أن يمارس بنفسه دور السلطان ولكن هذا القرار لم يعجب بيبرس وسيف الدين وقررا تشديد الإجراءات عليه وضيقا عليه المصروفات وقد ذكر أحمد حسين في كتابه موسوعة تاريخ مصر أن الأمرين منعا عنه ما يشتهيه من أصناف الطعام ولكن الشعب المصري وقف إلي جوار الناصر قلاوون وصب جام غضبه علي الأمريني وانتهي الأمر بتولي بيبرس الملك ولم يستمر فيه أكثر من عشرة أشهر حيث تم عزله وخرج من مصر مع 700 من مماليكه تشيعه لعنات الشعب المصري. وعاد للمرة الثالثة الناصر محمد بن قلاوون ليتولي السلطنة وعمره 25 عاماً ومارس عمله بقوة حيث قتل الأميرين وقد بلغت ثروة كل منهما مبلغاً هائلاً من الأموال والكنوز والخيول والغلال.. وعموماً كانت هذه الثروة هي الطابع الغالب لكل المماليك بينما كان الشعب المصري يئن ويتوجع من الفقر وضيق ذات اليد. المهم.. أن السلطان محمد بن قلاوون أحبه الشعب المصري لعدالته وقوته وإصلاحاته حتي ضعفت قوته في نهاية فترة حكمه الثالثة والتي استمرت 32 عاماً متصلة. ولكن حيث إن الأمراء والمحيطين به في نهاية حكمه قد حاولوا التلاعب في أقوات المصريين ويُروي أنه علم أن الأمراء يتلاعبون بأسعار القمح مما أدي إلي ارتفاع أسعاره فاشتد غضبه عليهم والأكثر أنه صب جام غضبه وثورته علي زوج ابنته "قوضون" لاشتراكه في التلاعب بأسعار القمح.. في الوقت نفسه كان يعشق اقتناء المماليك ويدفع بسخاء ثمناً لهم حتي أنه دفع مبلغ 40 ألف درهم شراء مملوك منهم. كذلك دفع ثمناً لفرس اسمها "بنت الكرماء" مبلغ 200 ألف درهم وعندما مات كان في اصطبلاته أربعة آلاف وثمانمائة فرس.. ومات الناصر محمد بن قلاوون عن عمر يناهز 57 عاماً وذلك في عام 741 هجرية.