يمتلك المخرج هاني عفيفي خيالاً خصباً وقدرة طيبة علي إبداع صورة مسرحية مشحونة بدلالات تعكس هذا الخيال. وهو ما بدا واضحاً في عرض "أكثر بياضاً" الذي يقدمه حالياً علي مسرح مركز الإبداع الفني عن نص "الطريقة المضمونة للتخلص من البقع" تأليف رشا عبد المنعم. النص من نوع "المونو دراما" وهو ما يعتمد. عند تجسيده علي خشبة المسرح. علي قدرات الممثل أكثر من أي شيء آخر. لكن المخرج هنا لم يستسلم كغيره إلي هذه الفرضية حيث أعمل خياله لخلق كيان مواز من خلال المادة الفيلمية التي كانت تقدم طوال العرض عبر شاشتين تمثل إحداهما المرأة بطلة العرض في طفولتها وصباها. بينما تمثل الأخري نفس المرأة في شيخوختها. ومن أجمل المشاهد التي جاءت بالتوازي مشهد الطفلة وهي تلعب بالحبل ومشهد المرأة في شيخوختها ونفس الحبل يقيد الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه. لم يكن استخدام المادة الفيلمية مجانياً إذن بل كان ضرورة لتأكيد "حالة" تلك المرأة التي قررت ان تتخلص من البقع التي تركت آثارها علي جسدها وروحها. وقد اكتملت سينوغرافيا العرض بديكورات سالي نظمي وأزياء مروة عودة ومكياج محمود البهنساوي لتعكس جميعاً هذه الحالة الشعرية التي يتم تجسيدها امامنا. وتم اعدادنا لتلقيها قبل بداية العرض عن طريق اغنية "فات المعاد" لأم كلثوم. العرض يحكي قصة امرأة خدعها رجل وترك بقعة علي روحها. والمرأة قررت ان تتخلص من تلك البقعة وغيرها. وعبر الحكي يتم تمرير فكرة الزمن وما تمثله بالنسبة للمرأة من تحولات جسدية وروحية. مما يجعلنا أمام عرض نسوي بالدرجة الأولي تطرح خلاله أشواق المرأة واشواكها. وقد نجحت جيهان أنور في تجسيد حالة المرأة بشكل جيد يؤكد وعيها بطبيعة الحالة التي تجسدها وان كانت في حاجة إلي المزيد من تدريبات الصوت وضبط الانفعالات . لقد كاد هذا العرض أوهذه "الحالة الشعرية" ان تكتمل لولا تلك الرغبة المحمومة التي تسيطر علي الكثير من شباب المخرجين. وهي محاولة اضفاء ملمح كوميدي علي العرض حتي لو كانت الحالة لا تستدعيه. استعان هاني عفيفي. كسراً للملل ورغبة في اضفاء المزيد من الحيوية علي العرض بالممثل هشام إسماعيل في دور الرجل المحكي عنه. وهي استعانة كان يمكن ان يبررها أداء الممثل لو كان متسقاً مع حالة العرض.. لكنه رغم انه ممثل جيد في حد ذاته لم يكن متسقاً علي الاطلاق.. الأداء الكوميدي هنا ينسف الحالة من أساسها ويفقدنا التعاطف مع قضية المرأة. فالرجل. كما صوره هشام. تافه وفارغ اصلاً وأداؤه الكوميدي يخرج المشاهد من الحالة ويجعله يقول إن هذه المرأة "تستاهل ما جري لها". علي أي الأحوال فأنا لم يضحكني أداء هشام إسماعيل ليس لانه ممثل سيئ لا سمح الله ولكن لان الضحك هنا كان بدون سبب. وان كان عدد من المشاهدين والمشاهدات قد استجابوا وضحكوا كثيراً.. وقلت في نفسي احظكم الله ايها القوم الضاحكون. ويبقي العرض. رغم ايه ملاحظات. إضافة جيدة يقدمها مركز الإبداع بقيادة المخرج خالد جلال الذي تبني. ولا يزال. العشرات من شباب المبدعين وقدم من خلالهم العديد من العروض الناجحة التي تضيف إلي مسرحنا المصري.