اليوم تحتفل مصر بعيد ميلاد ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 أي ان الثورة تحتفل في العام القادم بعيد ميلادها الستين. وإذا كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير التي نتفيأ ظلالها قد مهدت لها كتابات مهمة لا نستطيع ان نغفل معطياتها في مجالات الكتابة بعامة والابداع الادبي بخاصة فإن المعني نفسه نجده في الكتابات التي ارهصت بثورة يوليو وهي الكتابات التي تطالعنا في أعمال طه حسين والحكيم وسعد مكاوي ومحفوظ وادريس والشرقاوي والسباعي وعبدالقدوس والسحار وغيرهم. اللافت ان كتابات جيل الآباء هي التي مهدت لثورة يوليو بينما مهدت كتابات جيل الابناء لثورتنا الحالية التي بدلت المسار ومضت في الطريق الصحيح. أعاد عبدالرحمن الخميسي صياغة ألف ليلة وليلة وكتب الكثير من الأعمال الدرامية التي تتناول قضايا عاطفية اهمها مسلسل "حسن ونعيمة" الذي تحول - فيما بعد - إلي فيلم سينمائي لكن الخميسي كتب - إلي جانب ذلك - العديد من القصائد والقصص القصيرة والمقالات التي تنبض بالثورة وتدعو لها وظل الخميسي حريصا علي توهج افكاره ومبادئه حتي تمني ان يحرق كل ما كتبه بعيدا عن التبشير بالثورة ثم لجأ إلي النفي الاختياري فرارا من تعسف النظام السياسي ومضايقاته. التقط الأديب احمد الخميسي عصا سباق التتابع من أبيه ونشرت له الصحف والدوريات ما يعد ارهاصا حقيقيا بثورة الخامس والعشرين من يناير ووصل الخميسي الابن بين ما كانت تحياه مصر خلال عقود وما تسعي إليه من تغيير. وإذا كان صلاح جاهين قد ثار علي تشبيهه للقمح بأنه مثل الذهب بل هو مثل الفلاحين "عيدان نحيلة جدرها مغروس في طين" ومثلت قصائد صلاح امتداد متطور لقصائد استاذه فؤاد حداد في شعر العامية المصرية ولقيت حفاوة واقبالا من محبي الشعر واعتبر جاهين احد اهم المبدعين الذين انعكست في اعمالهم تطورات الحياة المصرية قبل ثورة يوليو والتطلع إلي الحدث الكبير المرتقب. ويمثل الابن بهاء جاهين امتدادا حقيقيا لابداع الأب فقصائده - منذ اختار الشعر تعبيرا عن موهبته - محملة بالادانة للسلبيات التي عاني المصريون تأثيراتها في العقود الأربعة الماضية بل ان مجموع ما ابدعه جاهين الابن يمثل ديوانا صادقا لمعاناة المصريين وسعيهم للخلاص من اسر حكم فاسد وهو ما تحقق بالفعل في ثورة 25 يناير. وكانت قضية الأسلحة الفاسدة اخطر ما تصدي له احسان عبدالقدوس قبل ثورة يوليو. هيأت كتاباته النفوس للثورة بما حفلت به من الادانة للنظام القائم الثورة وبالذات في الخيانة التي تعرضت لها القوات المسلحة المصرية في حرب فلسطين. اعتمد عبدالقدوس علي الوثائق والمستندات التي سربها إليه الضباط الأحرار وقد وجدت المحكمة التي نظرت قضية الاسلحة الفاسدة انها تحتاج أدلة حاسمة بما يدعو إلي اصدار احكام بالادانة لكن قيمة كتابات عبدالقدوس انها نشرت في ذروة العهد الملكي وكانت الاتهامات موجهة ضدالملك وحاشيته. لم يضع احسان حسابا إلا لضميره الوطني بحيث اعتبر أحد القيادات المدنية التي هيأت للثورة. ومع ان احسان كان صديقا مقربا للرئيس السادات فإنه لم يحاول مناقشة السادات في أمر اعتقال ابنه محمد بتهمة معاداة النظام وظل محمد عبدالقدوس علي معارضته للنظام كتب في الكثير من الصحف وتعالي صوته المميز بالنداءات والشعارات من فوق سلالم مبني نقابة الصحفيين حتي المظاهرات والاعتصامات التي لم يكن الصحفيون طرفا فيها كان محمد عبدالقدوس يتقدمها بميكروفونه الشهير.وتعد كتابات عباس الأسواني تعبيرا عن دور الأدب في مرحلة ما قبل ثورة يوليو فإن مواقف ابنه علاء سواء في كتاباته الابداعية أو مشاركاته الجماهيرية ضد النظام الراحل من ابرز ملامح فترة التهيؤ للثورة. لقد كانت روايته "عمارة يعقوبيان" وثيقة ضد نظام مبارك وما حفل به من فساد وقهر وتسلط انعكست ظلاله علي حياة الملايين من البسطاء. حققت الرواية أعلي المبيعات لأن الناس كانوا يجدون في فصولها ابرز شخصيات النظام يبدلون الاسم الحقيقي باسم الشخصية الروائية ويقارنون بين الحدث الذي عايشوه والحدث الي أملاه خيال الفنان. لقد أدي جيل الآباء دوره في التبشير بثورة الضباط الأحرار - تعبيرا عن الارادة الشعبية - في الثالث والعشرين من يوليو وتحقق الاستمرار في جيل الابناء بمئات الكتابات الابداعية والنقدية التي ظلت علي دعوتها إلي اسقاط النظام حتي تحولت الدعوة إلي شعارات تتردد علي افواه المتظاهرين في الميادين والشوارع منذ الخامس والعشرين من يناير.. ثم سقط النظام بالفعل!