من حقنا نحن الصحفيين أن نفرح ونحتفي بجائزة نوبل للآداب هذا العام.. ليس فقط لأنها ذهبت إلي صحفية روائية هي سفيتلانا اليكسيفيتش 67 عاما من بيلا روسيا "روسيا البيضاء".. ولكن أيضا لأن الجائزة انحازت لطريقة السرد الصحفي في نقل الواقع فامتدحتها وقرظتها.. وانحازت تحديدا لأسلوب التحقيقات الصحفية الذي يعتمد علي الشهادات الحيه للأشخاص والمستندات والوثائق والصور.. علي نحو ما ذكرت لجنة الجائزة في الحيثيات التي أعلنتها. بكلام أكثر تفصيلا.. انحازت الجائزة الروائية التسجيلية الواقعية التي تكاد تخلو من الصورة الخيالية وتركز أكثر علي نقل الواقع كما هو بأصوات متنوعة وبوجهات نظر مختلفة.. وإن كان يغلب عليها طابع المعارضة السياسية.. نظرا لأن سفيتلانا اليكسيفيتش اختارت أن تعالج أحداثا جارية وحية في أذهان الناس.. فجاءت رواياتها أقرب إلي القصص الصحفية والتحقيقات الميدانية منها إلي الرواية الأدبية ببنائها التقليدي الذي يعتمد علي الحبكة الدرامية "مقدمة وعقدة وحل".. وعادة ما يطلق عليها "أستاذة النثر الفني الوثائقي". وقد ذكرت لجنة الجائزة في الحيثيات أن رواية سفتيلانا التي توقفت عندها الأكاديمية السويدية "أصوات من تشرنوبيل" الصادرة عام 1997 التي تناولت الجوانب الانسانية والسياسية لكارثة انفجار المفاعل النووي الشهير تشكل نصبا تذكاريا للآلام والمعاناة والشجاعة في عصرنا.. وقد ترجمت إلي العديد من اللغات العالمية رغم منعها في وطن الكاتبة بيلاروسيا وفازت منذ عامين بجائزة السلام في معرض فرانكفورت للكتاب. ونظرة سريعة علي عناوين بعض روايات سفيتلانا اليكسيفيتش تؤكد حقيقة انخراطها في الهم السياسي والاشتباك مع القضايا المثارة.. ومن هذه الروايات "نعوش الزنك" عن ضحايا الغزو السوفيتي لأفغانستان و "الحرب ليس لها وجه أنثوي" "ومن زمن السكندهاند" و "موسكو 1985" و "آخر الشهود" ومع ذلك فإن أحدا "لا يعرفها في العالم العربي طبقا لما ذكرته" "أخبار الأدب" أمس. ولدت سفيتلانا اليكسيفيتش في 31 مايو لأم أوكرانية وأب بيلاروسي كانا يعملان بالتدريس.. عاشت فترة في أوكرانيا ثم انتقلت إلي بيلا روسيا وتدرجت في التعليم حتي نالت شهادتها العليا في الصحافة.. وعملت في بداية حياتها مربية ومدرسة للتاريخ.. ثم اتجهت للصحافة والتحقت ببعض الصحف الصغيرة.. ومنذ عام 2000 انتقلت للعيش في إيطاليا وفرنسا وألمانيا ثم عادت في العامين الأخيرين إلي وطنها.. وعرف عنها أنها معارضة بشدة للرئيس الروسي فيلاديمير بوتين.. وزادت معارضتها بعد التدخل الروسي في أوكرانيا وضم القرم بالقوة العسكرية.. كما انها معارضة للرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو.. ولذلك فإن كتبها ممنوعة من النشر.. وخصوصا من جانب الدور الحكومية. وحسب تصريحها للتليفزيون السويدي فانها عندما تلقت خبر حصولها علي جائزة نوبل كانت تقوم بكي ملابس العائلة.. واكتفت بتعليق مقتضب قالت فيه: "شيء رائع ومثير للقلق". وتقول سفيتلانا عن نفسها: "منذ زمن بعيد وأنا أعمل بالتحقيقات الصحفية لأنني أحب سماع ورؤية العالم من أقرب نقطة ممكنة.. انا شغوفة بالاعترافات وكشف الغموض وجمع الادلة الوثائقية.. نوبل ليست نهاية رحلتي.. أملي أكبر وأكبر.