في مثل هذه الأيام من كل عام يتجدد الكلام عن ضرورة تطوير التعليم.. خصوصاً بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة وانكشاف عورات النظام التعليمي العقيم المتخلف الذي نسير عليه والذي لم يعد له مثيل في أية بقعة من العالم.. فكيف يستسيغ العقل البشري أن طالباً متفوقاً يحصل علي 95% ثم لايجد له مكاناً في الكلية التي يريد أن يستكمل فيها دراسته. هممت أن أكتب اليوم عن ضرورة تطوير التعليم.. وتغيير نظام الثانوية.. لولا أنني رجعت - كعادتي - إلي ملف التعليم في مكتبتي فعثرت فيه علي تقرير نادر غل يدي و"سد نفسي" عن أي كلام يتعلق بتطوير التعليم.. هذا التقرير نشره الزميل محمد زين الدين في "الجمهورية" يوم الجمعة 3 أبريل الماضي تحت عنوان "مؤتمرات التطوير.. فنكوش التعليم".. ويرصد فيه كل الشعارات التي رفعها 13 وزيراً للتعليم منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي حتي الآن حول تطوير التعليم وكيف أنها انتهت إلي لا شيء. بالتأكيد.. لا أريد أن أسد نفسك - عزيزي القارئ - بما تضمنه التقرير.. لكنها الحقيقة التي يجب أن نصارح أنفسنا بها إذا أردنا أن نتعلم من أخطائنا ومن تجاربنا.. وإذا أردنا أن يكون غدنا أفضل من أمسنا.. فالأمر الواضح الآن أن التعليم يشهد حالة من التخبط والانهيار بسبب تضارب السياسات التعليمية التي مررنا بها.. وإصرار كل وزير علي تطبيق استراتيجية تعليمية تخصه فقط.. ونسف كل ما سبقه.. مدعيا في الوقت ذاته أنه يضع استراتيجية دائمة ونظماً لا تتأثر بشخصية الوزراء.. ثم يأتي من بعده من يفعل الشيء نفسه.. وهكذا..!! عندما جاء الدكتور حافظ غانم وزيراً أعلن عن سياسة تعليمية لوزارته سميت وقتها "التعليم في الدولة العصرية".. وبعدها بشهور جاء الدكتور علي عبدالرازق الذي أعلن هو أيضا عن وضع سياسة تعليمية جديدة قال عنها يومها "لابد أن تكون لنا سياسة تعليمية ثابتة لا ترتبط بالأفراد". وفي 1979 ظهرت وثيقة تطوير وتحديث التعليم في عهد الدكتور مصطفي كمال حلمي تضمنت العديد من البرامج والرؤي لم ير النور أي منها.. وفي منتصف الثمانينيات صدرت "وثيقة السياسة التعليمية في مصر" في عهد الدكتور عبدالسلام عبدالغفار.. وعندما تغيرت الوزارة وخرج الوزير بعد شهر من صدور هذه الوثيقة شكل وزيرا التعليم اللذان تولي أحدهما التربية والتعليم "منصور حسين" والآخر التعليم العالي "د.فتحي محمد علي" لجنة لوضع سياسة تعليمية.. وقبل عقد أول اجتماع للجنة خرج الوزيران معاً في التشكيل الوزاري عام .1986 ثم جاء د.فتحي سرور وزيراً للتربية والتعليم والتعليم العالي وأصدر وثيقة "استراتيجية تطوير التعليم" عام ..1987 ثم وثيقة تطوير التعليم في مصر عام ..1988 وكالعادة قال يومها لقد جئت لكي توضع سياسة تعليمية ثابتة باسم الوزارة لا باسم الوزير.. وشهد عهده تخفيض مدة التعليم الإلزامي لتصبح 5 سنوات بدلا من ست.. وعندما جاء د.حسين كامل بهاء الدين أعادها إلي ست سنوات.. وأصدر هو أيضا وقتها وثيقة جديدة عن السياسة التعليمية في مصر تحت عنوان "مبارك والتعليم.. نظرة إلي المستقبل".. وبمقتضاها أصبحت الثانوية العامة بنظام السنتين والتحسين بحجة القضاء علي الدروس الخصوصية وتخفيف العبء علي الأسر المصرية وتطبيق سياسة التقييم الشامل للطالب وتحويل المدرسة إلي وحدة انتاجية تنفق علي نفسها. بعده جاء د.يسري الجمل الذي عقد مؤتمراً لتطوير التعليم حضره مبارك حيث تم الاتفاق علي إلغاء العامين للثانوية العامة لتعود لنظام العام الواحد.. وهكذا تم إلغاء كل القرارات والتوصيات التي صدرت عن المؤتمرات القومية السابقة والاستراتيجيات والسياسات والشعارات التي رفعت مثل التعليم هو المشروع القومي الأكبر والجودة والتعليم للتميز وغيرها.. ثم جاء من بعده د.أحمد جمال الدين ود.أحمد زكي بدر وكلاهما لم يمكث طويلاً حتي قامت الثورة. لم يتغير الأمر بعد 25 يناير مع الدكتور ابراهيم غنيم والدكتور محمود أبوالنصر ود.محب الرافعي الذي جاء ليسير علي درب أسلافه منذ الأسبوع الأول حيث أعلن عن وضع استراتيجيات جديدة لتطوير التعليم.. الأمر الذي وضع علامات استفهام علي الاستراتيجيات التي اعتمدتها الوزارة في عهد سلفه.. ثم عقد مؤتمرا لتطوير التعليم في أواخر مارس 2015 ليلغي به كل كلام سابق في هذا الاتجاه. والآن.. أليس لدي حق في أن أمسك عن أي كلام يتعلق بتطوير التعليم.. الأفضل أن نتعلم نحن كيف نحترم سياساتنا وقراراتنا واستراتيجياتنا حتي لا نقع في فخ التناقضات التي نعيشها اليوم.