في سني تبعية مصر لدولة الخلافة العثمانية. كان المصريون يعبرون عن غضبهم علي الوالي التركي بالصعود إلي قلعة الجبل. يقتحمون مجلس الوالي. ويسحبون السجادة التي يقف فوقها. ويهتفون: انزل يا باشا. لم يكن الوالي يلجأ إلي الخليفة في الأستانة. ولا أي جهة داخل مصر وخارجها. يعرف أن إرادة الشعب حتم. ولابد من الرضوخ لها. ويأخذ الحاكم طريقه إلي خارج القلعة. لتستبدل به الأستانة والياً آخر ربما يكون أميل إلي حسن الإدارة. ذلك التقليد كان معمولاً به في حكم العثمانيين لمصر. شرط بقاء الوالي علي كرسي الحكم أن يرضي عنه عامة الشعب. ومع أن الحكم استعماري بعامة. فإن رحيل الوالي الظالم كان أهون عند الخليفة العثماني من ثورة الجماهير المصرية. تبدلت الأحوال فيما تلا ذلك من أعوام. هزمت قوات نابليون دولة المماليك. ثم أجبر المصريون بونابرت علي إجهاض حلمه التوسعي والعودة إلي بلاده. وأصر الزعيم الشعبي عمر مكرم في حسن نية لافت أن يتولي الضابط الألباني محمد علي حكم مصر. ثم دخل الاستعمار البريطاني. وتعددت الثورات طيلة تلك الفترات. وتكونت التنظيمات والأحزاب. ولامست الاستنارة ما كان يرين علي حياتنا من استكانة. وتولي حكم الولايات العثمانية القديمة. أو الخاضعة للاستعمار الفرنسي أو الإنجليزي أو الإيطالي. من ينتسبون إلينا. تصورنا أن ما عشناه في عقود سابقة لم يعد وارداً بعد أن خضعت الأقطار لحكم أبنائها. لكن تأمل المشهد السياسي العربي المعاصر يلحظ للأسف أن ما أشار إليه عمرو بن أم كلثوم في معلقته الشهيرة عن ظلم ذوي القربي. لم يكن مجرد حماسة شعرية. إنما هو الواقع الذي تحيا أقطارنا العربية الآن. بحيث أن المقولة المنسوبة إلي أحد هؤلاء الحكام هي: أحكمكم أو أقتلكم. وإذا لم تكن تلك هي المقولة نفسها لحكام آخرين مثل مبارك وبن وعلي وعلي صالح وبشار الأسد. فإن المعني وارد في عمليات التصفية الجسدية والتدمير بالطائرات والصواريخ. والقتل بالظنة والشبهة.