هل تتحول ثورات ميادين التحرير المصرية إلي ثورة في الموضوعات والسياسات السينمائية. في الثمانينيات من القرن الماضي انشغل المخرجون في الولاياتالمتحدة بالثورات التي اشعلت بلدان أمريكا اللاتينية وحولوا هذه الثورات إلي مادة موضوعية لكثير من الأفلام وقادت الولاياتالمتحدة هرباً ضد الاشتراكيين في نيكاراجوا وقامت بدعم المناخ اليميني في السلفادور ضد الشعب وثورته. عندما تعرضت الولاياتالمتحدة لحادث 11 سبتمبر شنت السينما الأمريكية حرباً لا هوادة فيها علي المسلمين تحت لافتة الحرب ضد الارهاب. فالفيلم الروائي ساحة قوية لحرب مفتوحة وأرض لبناء عالم خيالي يطرح للمناقشة موضوعات كبيرة ويخضع أموراً سياسية كثيرة شغلت الناس لعملية تحليل تعكس وجهات نظر وتضع الرموز الذين شكلوا علامات بارزة تحت الفحص وتستعرض المجتمع الذي فجر قضايا الفقر والقهر والاستبداد السياسي والقمع البوليسي.. والتاريخ علي الشاشة يطوي صفحات ويفتح اخري جديدة. وفي مصر ربما انقسم صناع السينما إلي فريقين فريق ميدان التحرير. وفريق ميدان مصطفي محمود. كل من الميدانين صار رمزاً. وعلي أي حال فإنني من الذين يعتبرون أن التمسك التجاري بالجوانب المتدنية في الثقافة السائدة والاحتفاء بالابتذال البصري واللفظي يعتبر جزءاً من التخلف ومن فن بائد ينتمي إلي عصر التغييب العقلي والتزييف الذي يطمس الوعي. وهو فن بالضرورة ينتمي إلي "مصطفي محمود" أي إلي من يقفون مع العهد البائد لانهم يتمسكون بمظاهر التخلف وبالعهر الفني الذي لا يختلف عن العهر السياسي. ومن يتابع إعلانات بعض الأفلام المعروضة علي قنوات التليفزيون يخجل ويتواري ويؤكد لنفسه أن الشعب المتحضر الذي قام بثورة سلمية راقية تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية والعدل وتصر علي مطالبها وتجدد المطالبة بها أقول جوهر هذا الشعب لا ينتمي إلي هذه السينما البائدة.. التي تنتمي إلي فترة تغيب العقول والتي طالت كثيراً.. و... من المؤكد أن المؤلف الذي يكتب للسينما سوف يراعي أن الجمهور قد تغير وأن نسبة كبيرة منه بدأت تستعيد وعيها. وأن الممثل الذي لا يدرك أن له دوراً وعليه مسئولية اجتماعية يلتزم بها ينتمي بدوره إلي العصر البائد لأنه يقدم فناً عاجزاً ومشلولاً ولا يعبر عن أحلام الناس وأشواقهم إلي الحرية والحياة الكريمة لقد ظل الفن والفنانون مجرد أداة من أدوات النظام أو موظف مرهون برضاء السلطة ولذلك فالذين تحركوا من الفنانين إلي ميدان التحرير في الأيام الأولي للثورة وقبل أن تظهر ملامح النجاح. هؤلاء من يؤمنون فعلاً بقيمة الحرية وبدور الفنان ووعيه بالمسئولية. وهم قلة "إندست" لنصرة الجماهير والوقوف إلي جانب كتل المصريين المتلاحمة في الميدان.. النسبة الأكبر انتظروا لحين إشعار آخر وحتي تظهر "أمارة" تطمئنهم .. ورغم ذلك لست من المطالبين بوضعهم في قائمة سوداء. والذين اندفعوا بحكم مصالحهم وجاهروا بعدائهم للثوار وللشعب المحتشد في الميادين. هؤلاء نتركهم للجمهور الذي لن يقبلهم وسوف يرفض أعمالهم تلقائياً. أتوقع لكثير من الأعمال التي مازالت لم تعرض بعد السقوط جماهيرياً. وأتوقع مزيداً من الهبوط لنجوم استشروا في العهد البائد لأنهم لم يقدموا سوي أعمال "بائدة" موضوعياً وأسلوبياً وترفيهياً. الثورات تصنع فنونها.. والثوار ينتجون مبدعيهم والفن الثوري لا يهبط فجأة وإنما يحتاج إلي فترة تكوين وميلاد وخروج إلي النور.. والجمهور الذي خرج يحتاج الخبز والعمل والتعليم والحرية والكرامة والحياة التي تصون أدميتهم ويحتاج الفن الذي يعلي من شأن هذه القيم ويروج لها ويغرسها في نفوس الأجيال التي تستهلكه.