خطوة جيدة بلا شك أن يقدم وزير العدل استقالته أو يقال بعد موجة الغضب الذي قوبل بها تصريحه العنصري عن عدم تعيين أبناء الزبالين في القضاء.. ثم جاءت تصريحات رئيس الوزراء المهدئة لجبر الخواطر وترطيب الأجواء المشتعلة خطوة ثانية جيدة.. ثم ماذا بعد؟! ما هي الخطوة التالية.. هل ستتوقف القضية عند الكلام المعسول.. الناس يتساءلون عن الإجراء أو القرار أو القانون الذي يقنعنا بأن القضية تحولت من كلام ضد العنصرية إلي فعل ضد العنصرية وضد الظلم الاجتماعي والتمييز القائم علي توريث الوظائف.. فعل يؤكد أن المجتمع المصري يعيش المساواة الكاملة بين أبنائه علي أساس المواطنة. الوزير المستقيل يتحدي.. ويؤكد أنه استقال لأن كلامه لم يعجب الناس.. لكن كلامه واقعي ولن يتغير شيء ولن يدخل ابن الزبال إلي القضاء.. وأنه مُصِر علي موقفه ومقتنع بكلامه ومصمم عليه لأن هذا هو الواقع. والمهندس إبراهيم محلب علي الطرف الآخر أبدي احترامه وتقديره لكل شرائح المجتمع ولكل المهنيين والعاملين الكادحين.. وأعلن أنه نفسه ابن رجل بسيط لم يكمل تعليمه.. ولا يوجد فارق طبقي بين المصريين.. عامل النظافة مثل أي وزير أو رئيس وزراء.. كلنا زي بعض.. وابن عامل النظافة له كل تقدير واحترام. حسناً.. هذا كله كلام طيب.. ولكن تبقي القضية قائمة.. ماذا عن تعيين ابن الزبال في القضاء؟! معروف أن المجلس الأعلي للقضاء هو المختص بالتعيين في النيابة والسلك القضائي.. وهذا المجلس يحترم أعضاؤه الدستور والقانون.. وقد سبق أن ذكرت مصادر في المجلس الأعلي للقضاء أن من شروط التعيين في النيابة أن يكون الأب حاملاً لمؤهل عال.. وسبق أيضا أن قالت مصادر قضائية إن خريج الحقوق بمقبول الذي ينتمي إلي أسرة قضائية يوازي جيد جداً لمن لا ينتمي لأسرة قضائية.. وهذا كله ينطوي علي تمييز واضح يتناقض تماماً مع الدستور ومع الحكم القضائي الذي صدر مؤخراً من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية.. وهو الحكم الذي يؤكد أن توريث الوظائف جريمة جنائية تعتدي علي مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وتحض علي الكراهية. ماذا يقول المجلس الأعلي للقضاء حاليا.. هل غير قناعاته واستمع لصوت الشعب وضمير الأمة الذي ملأ الدنيا خلال الأيام الماضية رفضاً للتمييز واعتراضاً علي توريث الوظائف مما دفع وزير العدل إلي الاستقالة أو الإقالة.. باختصار.. هل تغير شيء؟! لو أن هناك تغييراً حدث لظهر في الأفق حل واضح لمشكلة المجموعة ..138 هؤلاء الشبان من أوائل كليات الحقوق الذين كان قد صدر قرار من المجلس الأعلي للقضاء بتعيينهم معاونين نيابة عامة في 28 يونيه 2013 ثم تم استبعادهم من كشوف التعيينات بسبب اشتراط حصول الوالدين علي مؤهل عال.. وقد عقدوا عدة مؤتمرات صحفية للمطالبة بحقهم في التعيين دون جدوي. ولا شك أن حل مشكلة هؤلاء الأوائل سيكون معياراً لقياس التغير الذي أحدثته صرخة الضمير المصري الرافضة للتمييز.. أما إذا ظلت معلقة في الهواء كما هو الحال حالياً فسوف نتأكد من أن كل ما شهدناه خلال الأيام الماضية كان كلاماً معسولاً للاستهلاك المحلي.. ضجيج ولا طحن. إن شروط تولي أي وظيفة ينبغي ألا تتعدي الفرد المتقدم لهذه الوظيفة إلي شخص آخر أيا كانت درجة قرابته.. "كل نفس بما كسبت رهينة".