يجب ان نفرق بين الحقيقة والخطأ السياسي.. وفي رأيي ان القنبلة التي فجرها وزير العدل المستقيل أو المقال - لا فرق - كانت هي الحقيقة والواقع الذي نعيشه لكنه اخطأ سياسياً حين ذكرها بهذا الشكل الكاشف. عندما سُئل الوزير السابق سؤالاً اتصور أنه خبيث ومقصود ولا هدف من ورائه سوي التصيد: "هل يمكن تعيين أبناء الزبالين في السلك القضائي..؟؟".. كان في امكانه بحكم انه سياسي ان يرد بأكثر من طريقة ومن الدستور نفسه مثل الفقرة قبل الأخيرة من الديباجة التي هي جزء منه وتنص علي "نكتب دستوراً يحقق المساواة بيننا في الحقوق والواجبات".. ومثل المادة "9" منه ونصها "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز".. ومثل المادة "53" ونصها "المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الاعاقة أو المستوي الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو لأي سبب آخر..." إلي آخر المادة.. وكان في امكانه أيضاً ان يخرج من هذا الفخ الذي اختار ضحيته ببراعة بأن يقول عبارة مقفولة لا يعقب بعدها ولا يسمح للإعلامي بالتعقيب عليها مثل "كل المواطنين لدينا سواء ولا فرق بين هذا وذاك". كان المفروض ان يرد بهذا الشكل.. لكن ان يقول "مش للدرجة دي.. القاضي يجب ان يكون من وسط معروف لأن له شموخه" فلابد ان نعرف لماذا قال هذا..؟؟ للأمانة.. فإن الرجل ذكر الواقع فعلاً وهو ان القضاء وجهات أخري مثله هي بالفعل مغلقة أمام أبناء الحرفيين واتحدي من ينكر ذلك ان يعلن اسم قاض واحد أبوه زبال أو بواب أو سمكري أو عجلاتي أو سايس جراج أو فراش أو أمه غسالة أو خدامة في البيوت مع احترامي الشديد جداً لكل هذه المهن الشريفة.. من ينكر فإنه كاذب ومن يزوق السبب الحقيقي للاستقالة أو الاقالة فإنه كالنعام يدفن رأسه في الرمال. الرجل - كقاض - لم يُخطيء لأنه تعود علي ان يقول الحقيقة وما رسخ في وجدانه واطمأن له قلبه وحكمه علي المنصة دائماً هو عنوان الحقيقة.. والرجل - كوزير - ارتكب ثلاث خطايا لأن الوزير - أي وزير - هو منصب سياسي يجب ان يتحلي بالكياسة وينتقي ألفاظه: * الخطيئة الأولي.. انه خالف الدستور الذي أقسم علي احترامه. * الثانية.. ان تصريحه عنصري بالفعل ما كان عليه ان يطلقه ولو كان واقعاً مراً مازلنا نعيشه ونحاول تغييره ولكن مستحيل ان يتغير بين ليلة وضحاها. * الثالثة.. انه ورط نفسه وورط الحكومة معه بهذا التصريح واعطي فرصة للمغرضين علي اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم ليهاجموا القضاء كله كبداية للحلقة الرابعة من الهجوم الضاري علي مؤسسات الدولة لاسقاطها والتي بدأت بالجيش والشرطة والأزهر والآن القضاء.. فكان لابد ان يدفع ثمن خطاياه ويترك موقعه. أنني أشيد باتخاذ قرار الإقالة أو الاستقالة بأسرع ما يمكن مما وأد الفتنة وانهي الزوبعة المقصودة وهي في المهد.. وبالتالي.. يجب علي الجميع ان يُغلقوا "أفواههم" ولا يقولوا إلا ما فيه خير البلد.. والا سيكون لنا كلام آخر ومواقف مغايرة معهم.